سيناريوهات ما بعد الأسد

mainThumb

09-08-2012 02:45 AM

 من السهل أن تبدأ حربا لكن من الصعب جدا أن تنهيها، والأصعب التنبؤ بخواتيمها. ما يحدث في سوريا تجاوز الثورة، ليصبح حربا بين جيش منظم ومدجج، ومعارضين يزدادون تسليحا حتى امتلك بعضهم الدبابات والصواريخ المضادة للطائرات. أضف إلى ذلك المقاتلين الأجانب الذين يأتون لمساندة هذا الطرف أو ذلك، والتدخلات الإقليمية والدولية التي تجعل أرض سوريا، للأسف، مختبرا لتفاعلات نظام عالمي جديد، في طور التشكل والتبلور. وهو ما يسميه الكاتب اليهودي - الأميركي مويزاي نعيم نظام «نهاية السلطة»، معتبرا أن ثلاث مصائب على الأقل بات العالم عاجزا عن حلها؛ وهي: التغير المناخي، والانهيار المالي الأوروبي، والأزمة السورية. أما سبب العجز، برأيه، فهو تعدد الأقطاب الجدد في السياسة الدولية، ومحدودية السلطة في يد كل قطب، وعجزهم مجتمعين عن التفاهم على أي من المواضيع الكبرى.

 
تبدو المقاربة بين الأزمة السورية ومعضلة التغير المناخي مبالغ فيها، غير أن القراءات والتوقعات حول ما ستنتهي إليه سوريا والمنطقة بأسرها مع سقوط نظام الأسد بعد أنهار الدماء التي سالت، تجعل المرء يتأكد أن قبل الثورة السورية ليس كما بعدها.
 
مع بوادر بدء انهيار حكم آل الأسد في دمشق، تبدو الساحة مفتوحة على تكهنات يصعب حصرها. المتفائلون يتحدثون عن اضطرابات محتمة، تتلو سقوط النظام الحالي، تدوم لسنوات تعود بعدها سوريا لتلملم شتاتها، لكن هؤلاء لا يخبروننا بما سيصير عليه لبنان الذي ستختل توازنات تركيبته الهشة، ولا ما سيكون عليه رد الفعل الأول بين الموالين للنظام السوري والمناوئين له، خصوصا أن الموالين ينامون على ترسانة من الأسلحة يقولون إنها قادرة على تدمير إسرائيل. الأنكى أن المتفائلين أنفسهم يكتمل السيناريو السعيد الذي يرسمونه بتبشيرنا بحرب تشنها إسرائيل على إيران قبل الانتخابات الأميركية نهاية السنة، للقضاء على المحور السوري - الإيراني. وبطبيعة الحال حزب الله لن يقف مكتوف الأيدي في مثل هذا الحال، بانتظار وصول السكين إلى رقبته. وقد بدأ مسؤولون إسرائيليون يتحدثون جهرا عن هذا الاحتمال. وتبعا لهذا السيناريو نحن أمام حرب أخرى جديدة، سنعلم كيف تبدأ لكن التكهن بما تمتلكه إيران من أسلحة وقدرات قتالية، وما ستجره هذه المعارك من ويلات، أمر لا يمكن تصوره سلفا.
 
هناك سيناريو آخر يتحدث عن لجوء حكام سوريا الحاليين إذا ما شعروا باقتراب النهاية إلى المنطقة العلوية على الساحل بدل الهرب خارج البلاد، أو انتظار نهايات على الطريقة القذافية. إذ يكفي أهل النظام الانسحاب إلى الخلف والتقوقع في الدولة العلوية، التي قامت خطوات فعلية أثناء المعارك المتوالية في حمص وحماه الأخيرة، لتمديد رقعتها بما يسمح بوصول حدودها إلى تركيا كما إلى البقاع اللبناني، مما يبقي التواصل مع حزب الله ممكنا. مع المجازر التي حصلت في حمص وحماه تم ما يشبه التطهير العرقي.
 
هاجر كثير من العلويين باتجاه الساحل طلبا للأمن بين أبناء طائفتهم، وهرب أهالي ريف حمص وحماه من السنة باتجاه لبنان أو مناطق سورية أخرى. المساحة التي يمكن إقامة الدولة العلوية عليها، ليست بالصغيرة جدا نسبة إلى لبنان مثلا، كما أن سكانها قد يصلون إلى مليوني نسمة، وفيها الميناء والجبال، وأسلحة النظام التي تمكن سكانها من الدفاع عنها، كما أنها ستحرم باقي السوريين من أي منفذ بحري. الدولة العلوية فكرة شهدت الحياة بعد الحرب العالمية الأولى أيام الانتداب الفرنسي وبقيت قائمة عمليا حتى عام 1937، ولم يرغب أهلها بالانضمام إلى سوريا خوفا من السنة وتعصبهم كما جاء في اعتراضهم الذي وجهوه للفرنسيين حينها. «بُعبُع» الطائفية ليس جديدا في المنطقة والمرض المزمن نفسه الذي حول لبنان إلى نهر من الدماء لا يجف من عام 1860 يخشى أن ينتشر وباؤه في المنطقة كلها بعد أن ضرب العراق وها هو يخترق سوريا «الحديثة» التي فاخر أهلها دائما بوطنيتهم وقوميتهم.
 
إعلان الدولة العلوية سيكون مطلبا إيرانيا لحفظ شيء ما من نفوذ ضمر، ومطلبا إسرائيليا، يحقق حلما كثيرا ما راود الدولة العبرية، أي إنشاء كيانات دينية حول إسرائيل تشبهها في عنصريتها وانغلاقها وضيق أفقها. ولعله أمر لا يزعج كثيرا الأميركيين والأوروبيين الذين يريدون أمن إسرائيل ورضاها، ولو على حساب تمزيق المنطقة.
 
يخشى أن يكون فيلم التقسيم الأميركي الطويل قد بدأ باستقلال ذاتي في كردستان العراق يجر وراءه إصرارا من أكراد سوريا على استقلال مشابه يكون بداية لتشكيل الدولة الكردية الكبرى. وهو ما سيدخل تركيا وإيران في ورطة، وإذا أضفنا إلى الدولة الكردية، الدولة العلوية المحتملة في سوريا والفوضى السنية المذهلة، فسنكون فعلا قد دخلنا في النفق.
 
لا يبدو أن النظام السوري سيستسلم قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، لذلك فإن سوريا ستخرج من ثورتها منهكة منقسمة على ذاتها. والخوف أن تكون الدولة العلوية رغم ما ستجره من شرذمة للمنطقة هي ما يرضي الروس الذين يبحثون عن قاعدة لهم، ويريح الأميركيين والإيرانيين أيضا.
 
ثمة مخاوف حقيقية، ومطامع أجنبية في المنطقة العربية، لا يمكن تجاهلها أو الاستخفاف بها. من واجب العرب أن يفكروا في ما بعد الأسد، فالنظام قد لا يسقط غدا لكن رحيله ولو بعد حين، بات محتوما، وتداعيات سقوطه ستكون بالتأكيد مدوية.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد