قصة الفتيات في مصنع الألبسة في الطفيلة محزنة حد الإشفاق ومؤسفة في زمن ربيعي، لإدارة تتبادل الاتهامات مع وزارة العمل حيال موضوع الرواتب الشهرية.
عشرات الفتيات في المصنع يبحثن منذ ثلاثة أشهر عن رواتبهن، في أجواء من العوز والحاجة المعروفة، لأسر هدها الم الحاجة، فلم تجد متنفسا غير المصنع لتوفير فرص عمل لمختلف التخصصات والمؤهلات التي منها دون الثانوية العامة.
عند الاستماع الى الشكوى من بعضهن، وقد تحفظ البعض الآخر على البوح بكل التفاصيل، خوفا من الطرد من العمل، وتشبثا بفرصة العمل التي تعدها الفتاة ذهبية أو ماسية او فرصة العمر الأبدية، اشتكين أولا من تقصير الناس، الذين لم يقف أي منهم الى جانب معاناة مريرة للفتيات في المصنع الذي بدأ تشغيلهن في (15) من آب من العام الماضي.
ووجدنها سانحة للقول بأن إدارة المصنع المتمثلة بالمستثمر الرئيس، تقوم بالتهديد والوعيد ان طالبت إحداهن بصرف الراتب في موعده، الذي يكرر مقولة معروفة لديهن " الراتب مرة كل شهرين، ومن لا يعجبها فلتقدم استقالتها" تماما كأننا في عصر دولة الأحكام العرفية، أو في زمن الانفلات الأمني الذي يسود أقطار الربيع العربي.
لا أفضل الخوض في كل ما قيل من طرف بناتنا في المصنع، فالفرصة في التشغيل لم تأت منة أو أعطية من أحد، بل هي مكرمة ملكية، أمر بإنفاذها سيد البلاد، لفتح بارقة أمل للفتيات للعمل في الطفيلة بعد أن عرف حجم البطالة في صفوف الإناث التي زادت
على (35%) وأمر بمبادرة لشراء المصنع بكلفة زادت على (400) ألف دينار من قبل وزارة العمل.
لماذا تتأخر الرواتب لهذه الفئة المغلوب على أمرها لثلاثة أشهر ؟ ولماذا يماطل المستثمر في دفعها ؟ ولماذا تصمت وزارة العمل عن كلمة الفصل في الموضوع صمت القبور؟ وأين دورها في المعادلة التي أصابت بنات الطفيلة بالذل والهوان، بانتظار تحقيق الوعود التي لم تحن بعد.
وإذا كان المستثمر غير قادر على الدفع، فأين دور الجهات ذات العلاقة في استبداله بآخر، أم ان الطفيلة مكتوب على أبوابها فشل المشروعات، وموت التنمية وضياع المقدرات، دون أن يلتفت أحد لإسعاف هذه الفئة المكلومة من البنات.
لا أجد أن دور وزارة العمل في تحرير (35) مخالفة للمستثمر في المصنع في الطفيلة كافية، ولا تتوازى مع إعلان هذا المستثمر قبل العيد ان الرواتب صارت في البنوك، لتذهب بنات الطفيلة مع أطفالهن الى مركز المحافظة، وبعد الوقوف على أعتاب البنوك، كانت المفاجأة أن ذلك غير صحيح، وأن فرحة العيد التي ارتسمت على شفاه الأطفال كانت في مهب الريح !!
وقفت مع الفتيات في المحنة التي أصابت كيان أكثر من (95) أسرة في المحافظة، ووفرت لهن لقاء مع المحافظ، الذي بادر الى الاتصال برئيس الديوان الملكي، الذي أجرى اتصالات فورية مع وزارة العمل لصرف الرواتب الأسبوع القادم.
ومع أنني لا أجد مبررا للتسويف والمماطلة في حقوق العاملات المقدسة، إلا أنني استغرب أن تستمر المماطلة طويلا، حتى بعد دفع وزارة العمل المبالغ المطلوبة منها للمستثمر، الذي قالت فتيات أنه يؤخر الدفع من أجل تحقيق أرباح على تلك المبالغ في البنوك ؟؟
ليس من حق المستثمر أو وزارة العمل أو أية جهات أخرى العبث بأرزاق الناس على قاعدة من الاسترزاق والاستعباد والإذلال، فالراتب حق طبيعي لا ينبغي تأخيره يوما واحدا، وإذا ما أعلن صاحب العمل الإفلاس أو عدم القدرة على الدفع، فالحكومة صاحبة الولاية في الدفاع عن حق المستضعفين من العاملين.
كل الأردنيين دفعوا بعض ديونهم الى المتاجر، واشترى الأطفال ألعابا ودمى الا أطفال الطفيلة، من هذه الأسر التي عانت التجويع لثلاثة أشهر، لم تتمكن واحدة من العاملات من دفع قيمة مستحقات الباصات المتراكمة، ولا الديون المؤجلة على ذمة الرواتب الثلاثة المعتقلة.
نقف مع حرائر الطفيلة في المصنع إلى حين الإفراج عن الرواتب الموقوفة، ونرى في أية مبادرة للتعبير السلمي عن هذا الغضب العارم، حقا مشروعا، مثلما نرى في اشتراطهن عدم العودة الى المماطلة في دفع الراتب في حينه، والابتعاد عن لغة التهديد بقطع الأرزاق، شروطا أساسية لحياة عمالية مستقرة.