تعهّد المسألة الفلسطينيّة

mainThumb

24-11-2012 02:07 PM

 حين امتنع خالد مشعل، في مؤتمره الصحافيّ الذي عقده إبّان القتال، عن شكر إيران وسوريّة، كان يعلن عن تحوّل خطير مفاده أنّ المشكلة الفلسطينيّة – الإسرائيليّة خرجت من يد الأطراف الممانعة في غزّة، بعدما خرجت أيضاً في الضفّة الغربيّة. وهذا ما لا يعوّضه استدراك أبدته حركة «الجهاد الإسلاميّ» بتنويهها بإيران، أو امتعاض قد يبديه محمود الزهّار في وقت لاحق. بل يبدو، إذا ما أخذنا في الاعتبار الفعاليّة العسكريّة الضئيلة لصواريخها، أنّ «حماس» رمت على إسرائيل آخر مادّة إيرانيّة ارادت التخلّص منها.

 

وتلك انتكاسة كبرى للقوى الممانعة كرّستها «التهدئة» الأخيرة، وهي التي زعمت أنّ الموضوع الفلسطينيّ علّة وجودها الأولى، كما أقامت باسمه أنظمة طغيان وحالات تحكّم استبداديّ بشعوبها. ولنا أن نلاحظ في رصد انهيار القوى الممانعة كيف انضاف تحوّل «حماس» إلى تصدّع النظام السوريّ وأزمة الحصار الذي تتعرّض له إيران. لكنْ فوق هذا، وأهمّ على المدى الأبعد، أنّ هناك ملامح في خريطة النزاع التي تتشكّل اليوم تشبه الملامح التي ارتسمت عليها الخريطة قبل الانقلابات العسكريّة العربيّة في الخمسينات. بمعنى آخر، سيكون الحاضن العربيّ والإقليميّ للفلسطينيّين شبيهاً بحاضنهم في الأربعينات، أي الأنظمة المحافظة التي صاغت النظريّة القائلة «أعط الغرب وخذ من إسرائيل».
 
صحيح أنّ القضايا والقوى التي تنطوي عليها هذه الخريطة تغيّرت كثيراً: فالمسألة الفلسطينيّة لم تعد كما كانت، والنزاع الذي تعنيه تلك المسألة تغيّر مسرحه وتراكيبه السكّانيّة، كما تقلّص رصيده إلى أبعد الحدود بفعل الأخطاء الضخمة المتراكمة. وصحيح أيضاً أنّ محمّد مرسي ورجب طيّب أردوغان ليسا نوري السعيد وعدنان مندريس لأسباب لا تُحصى. كما أنّهما ليسا أنور السادات الذي حاول إحياء النظريّة التقليديّة بطريقة راديكاليّة وفي زمن احتقان القوى الراديكاليّة وقيام الثورة الإيرانيّة.
 
مع هذا فالواضح أنّ شيئاً اساسيّاً حصل في تلك الغضون هو الذي يعيد الربط بين قوى الرعاية السابقة وقوى الرعاية الحاليّة. وهذا الشيء هو، تعريفاً، ذاك السقوط المدوّي لفكرة أنّ العزلة عن الغرب والصراع معه هما الطريق إلى التقدّم والاستقلال الفعليّ. فإذا كانت حكمة المرحلة السابقة تفيد بأنّ النزاع على فلسطين هو بعض من المواجهة المديدة لكسر «التبعيّة»، فإنّ حكمة المرحلة الراهنة مفادها التوفيق بين حلٍّ ما للمشكلة الفلسطينيّة وبين إزالة العوائق من طريق الاندماج الاقتصاديّ في العالم الأوسع.
 
وتصوّر كهذا يمكن أن يساعد في تفسير ظاهرات عدّة في عدادها الدور الإقليميّ لتركيّا الساعية، في الوقت نفسه، إلى دخول النادي الأوروبيّ، أو الموقع المؤثّر الذي باتت تلعبه دول الخليج، وهي التي دمجها الاقتصاد النفطيّ إلى أبعد الحدود في الاقتصاد العالميّ، في مجريات المنطقة على عمومها.
 
وهذا مناخ لا يكتم شبهه بمناخ آخر مجاور تنطوي عليه ثورات «الربيع العربيّ»، أكان ذلك لجهة «تصحيح التاريخ»، أي العودة بنا إلى ما قبل الانقلابات العسكريّة، أم لجهة الاستعداد لإنشاء نوع من المصالحة مع الغرب، بعد اكتشاف أنّ العلّة في المستبدّ المحلّيّ قبل أن تكون في «المستعمِر» الأجنبيّ.
 
بيد أنّ التحوّل المذكور ليس مجرّد مكافأة للمحافظين، ولا هو مجرّد سدّ لفراغ أنشأه طرد الممانعين من «الساحة الفلسطينيّة». إنّه أيضاً مسؤوليّة حيال الفلسطينيّين لا بدّ أن تلاقيها مسؤوليّة الفلسطينيّين عن استعادة وحدتهم في منتصف الطريق، ومن ثمّ مسؤوليّتهم عن تغليب الاندماج في العالم من موقع وطنيّ متماسك.
 
ولنتذكّر أنّ ما يُسمّى بالاعتدال العربيّ سلبيّ أكثر منه إيجابيّاً، ومنفعل بالحدث أكثر منه فاعلاً ومبادراً. فإذا صحّ أنّ صعود الراديكاليّة ترافق مع كوارث امتدّت من هزيمة 1967 وصولاً إلى يومنا هذا، فإنّ صعود «الاعتدال» ما بعد الاستقلاليّ ترافق أيضاً مع هزيمة 1948. وما غرض التذكير هنا سوى القول إنّ المطلوب عقل أكثر إبداعاً وجسد أشدّ ديناميّة، في مصر وفي سواها، من أجل أن تُعالَج مشاكل اليوم بذهنيّة اليوم.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد