السوسنة - لم يقطع استرساله في سبر أغوار التاريخ واستذكار أمجاد أمم سلفت سوى "همهمات" ثلاثة طلبة، كانوا يسترقون النظرات خلال حصة التاريخ الى جهاز هاتف خلوي "ذكي" يملكه احدهم، رغم انه في الصف الثامن الاساسي.
الحنق، الذي شعر به المعلم "همام" تجاه عدم اكتراث الطلبة الثلاثة لحصة التاريخ في احدى المدارس الحكومية في تلاع العلي قبل اشهر، تحول سريعا الى حيرة ممزوجة بغضب التربوي المصدوم، عندما اكتشف ان الهاتف "الذكي" للطالب يحمل 15 فيلما إباحيا قصيرا، لم يتردد الطلبة الثلاثة في تفضيل مشاهدتها على معلومات التاريخ، التي يجود بها المعلم همام على طلبته!
"همام" الذي أراد أن "يقيم الدنيا ولا يقعدها" بعد "اكتشاف الفضيحة" التي ارتكبها الطلبة المراهقون، سرعان ما وجد نفسه امام سيل من الشهادات والخبرات من زملائه المعلمين، حول انتشار ظاهرة مشاهدة الافلام الاباحية بين طلبة المدارس، وتحديدا بعد انتشار الهواتف الخلوية في السنوات القليلة الماضية، ودخول جيل "الذكية" منها، وانتشارها بصورة كبيرة بين طلبة المدارس، كما باقي الشرائح المجتمعية.
ويحذر تربويون ومختصون من أن ثمة "تفشّيا" لظاهرة مشاهدة الأفلام الإباحية، بين الطلبة، ذكورا وإناثا، لاسيما مع دخول الطلبة سن المراهقة، ما يشكل "قنبلة موقوتة تهدد الناشئة وتنذر بآثار اجتماعية ونفسية وصحية سلبية عديدة"، خاصة في ظل حالة من "الإهمال العام" والتغاضي المجتمعي عن التصدي لهذه المشكلة ومحاولة معالجتها.
الظاهرة تنمو وتستفحل في الظل، وسط جدل تربوي واجتماعي لم يُحسَم بعد حول جدوى وصحة التوسع مدرسيا في مجال الثقافة الجنسية من عدمه، والمدى الذي يمكن ان يذهب اليه مثل هذا الحل التوعوي والتثقيفي للطلبة، في مجتمع محافظ، دينيا واجتماعيا وثقافيا.
هذا الجدل وعدم حسم الخلاف والتباين بين المدارس التربوية والاجتماعية يترك، مع عوامل وملابسات اخرى، فراغا تملؤه -كما يظهر هذا التحقيق- ثقافة وعلاقة الاصدقاء، وما توفره وسائل الاتصال والتواصل الالكترونية والرقمية، هائلة النفوذ والتأثير على شريحة الشباب والمراهقين.
تعددت الأسباب.. والنتيجة استفحال الظاهرة
وأنحى خبراء، استطلعت "الغد" آراءهم، باللائمة في انتشار هذا "الوباء"، على جهل الأهل وتحرجهم من الثقافة الجنسية، فضلا عن "الفجوة الرقمية" مع أبنائهم، وغياب الرقابة البيتية والمدرسية، إلى جانب "افتقار" المناهج لموضوع الثقافة الجنسية العلمية، إضافة إلى "عدم تفعيل عقوبات رادعة" لمن يُقبل على مشاهدة الافلام الإباحية، وتبادلها مع زملائه في المدرسة.
وفي الوقت، الذي احتدم فيه الجدل بين مختصين وتربويين وجهات أسرية ورسمية حول "منهجية" تثقيف النشء جنسيا، أظهرت نتائج استبيان، أجرته "الغد"، لغايات إعداد هذا التحقيق، على عينة عشوائية، قوامها مائة من طلبة المدارس الحكومية والخاصة ووكالة غوث اللاجئين "الأونروا"، أن 62.5 % رأوا أن التوعية الجنسية في الأسرة والمناهج المدرسية "لا تلبي احتياجاتهم وتساؤلاتهم"، في حين يعتقد 21.9 % أن الثقافة الجنسية المقدمة "كافية"، أما 15.6 % فكانت إجابتهم "محايدة".
وأكد خبراء ومختصون أن التصدي "لظاهرة غزو الأفلام الإباحية" عقول الطلبة "يحتاج جهدا جماعيا"، ودعوا إلى إيجاد "برنامج وطني"، تشارك فيه مؤسسات رسمية وإعلامية، ويشرف عليه خبراء بالجوانب النفسية والتربوية والصحية والدينية وغيرها؛ ووضع صيغة متكاملة توجه لقمّة الهرم (الأهل والمربين) ثم الأبناء، تراعي إيصال المعلومة الجنسية العلمية الصحيحة بسلاسة، وفق السن المناسبة وبطريقة تتناغم والجيل الحديث.
استبيان "الغد"، الذي استهدف طلبة من الصف الخامس الابتدائي حتى الثاني الثانوي (التوجيهي)، خلص الى أن 98.2 % من الطلبة الذكور سبق أن شاهدوا بعض هذه الأفلام، التي حملت مشاهد إباحية بدرجات متفاوتة، في حين بلغت نسبة الإناث اللواتي قلن إنهن شاهدنها 97.7 %. كما أقرّ 40.4 % من العينة أنهم يتبادلون تلك الأفلام فيما بينهم.
ومما ينذر بالخطر أن استبيان "الغد"، الذي قام بتحليل بياناته مدير مركز "الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية" أحمد عوض، بين أن 72 % من العينة لم يتم ضبطهم خلال مشاهدتهم تلك الأفلام، وأن 68 % منهم يشاهدونها في المنزل، أما في المدرسة، فتصل نسبة من يفعلون ذلك فيها 16.5 %.
طلبة يدمنون مشاهدة الأفلام..والحل علاج نفسي
الخوف من أن تضرّ نفسها هو ما دفع طالبة التوجيهي في إحدى المدارس الحكومية (سارة)، وهو اسم وهمي، الى أن تصارح مدرستها بأمر إدمانها مشاهدة الأفلام الإباحية: "تعرفت في الصف التاسع على شاب، جلب لي موبايل، يسهل التواصل بيننا ليلا، بعد أن ينام أهلي، ووضع عليه أفلاما خادشة للحياء، بحجة أنها ستقرب بيننا".
"مرت سنوات، ومشاعر مختلطة تسيطر عليّ، إحساس بالندم والبكاء"، تقول سارة، وتوضح "كنت أشعر أن زميلاتي في المدرسة أفضل منّي، ويعشن حياتهن بشكل طبيعي".
كل ذلك، دفع سارة للبوح لإحدى معلماتها: "لم أستطع إخبار والدتي، فهي شديدة وصارمة، وتمنعني حتى من زيارة صديقاتي.. وما أن عرفت والدتي بالأمر حتى انهالت عليّ بالضرب، مُنعت من الذهاب للمدرسة، وكانت أمي وشقيقاتي يتناوبن على النوم بجانبي".
الأم لم ترد على مكالمات المعلمة المتكررة، وهو ما دفع الاخيرة لتوسيط خالة الفتاة، لتتمكن في النهاية من إقناعها بأهمية علاج ابنتها.
سارة انتقلت للإقامة عند خالتها وخضعت للعلاج من ادمان الافلام الاباحية، بعد أن اضطرت لتأجيل التحاقها بامتحان الثانوية، لتعود بعد "شفائها" لاستكمال تعليمها.
من الأسباب التي تدفع الأبناء الى الانشغال بمشاهدة الافلام الاباحية، وفق الاختصاصية التربوية سناء أبو ليل، "فقدان الحنان والرعاية في البيت، وافتقار المراهق للمحبة، فيبحث عنها خارج أسرته"، اضافة الى "وجود وقت فراغ كبير، يتخبط الابن في كيفية قضائه".
بيد أن اختصاصي الطب النفسي
د. جمال الخطيب يرى أن السبب الرئيسي للبحث عن هذه الافلام من قبل الطلبة هو "إشباع الغريزة الجنسية، ومحاولة الحصول على الاستمتاع بأبسط الوسائل"، مستدركا "من الطبيعي، في هذه المرحلة، تفريغ الطاقة الجنسية، ما يدفع للجوء لهذه الافلام".
وهذا ما ذهبت إليه نتائج الاستبيان، إذ تعددت دوافع مشاهدة الطلبة للأفلام المخلّة، ليتسيد "الفضول" القائمة، بنسبة 44.9 %، في حين رأت 32.7 % من العينة أنها تلجأ لذلك لـ"تفريغ الطاقة الجنسية"، أما 14.3 % فكان دافعهم "مجاراة الاصدقاء"، بينما قال 5.5 % إنهم يفعلون ذلك رغبة في "إثبات أنهم أصبحوا بالغين".
دلال زائد ورقابة أسرية غائبة
اختصاصي الطب النفسي د. محمد الحباشنة يرى أن الرقابة الأسرية "شبه غائبة"، لاسيما في ظل عمل الوالدين، مشيرا إلى أن "الوالدية الصالحة" في نظر الكثيرين تقتصر على توفير الاحتياجات الاساسية، من مأكل وملبس وكماليات.
ويوضح أن الابن، ضمن هذه التوليفة، وأمام هذا الواقع الاستهلاكي، يبقى وحده في مواجهة "عالم افتراضي غير مفلتر"، يتمثل في شاشة الحاسوب والموبايل، بمعزل عن الأهل الذين يكتفون بمراقبة مهاراته في التعامل مع التقنيات الحديثة، دون أن يدركوا أنهم يوفرون له "سعادة زائفة".
أما اختصاصي علم الاجتماع د. فاتح مثقال عساف فيحمّل "الاهل وإفراطهم في تدليل أبنائهم تكنولوجياً بحجة الحرية" المسؤولية الرئيسية.
ويرى ان الحرية تصبح "مفهوما خاطئا" عندما تُفتَح على مصراعيها، دون "قيود اجتماعية واخلاقية ودينية"، داعيا الاهل ان يرسموا للأبناء "حدود المسموح والممنوع والعيب والحرام"، فأي خلل في هذه القيم سيؤدي الى "خلل في النظام الاجتماعي كاملا". بل ويذهب عساف الى ان الوالدين هنا "هما من يستحقان العقاب لا الصغار"، فهما "من يحتاجان إلى إعادة تربية وتأهيل لا الابناء".
الاختصاصي التربوي د. محمد أبو السعود ينبه الى ضرورة عدم توفير إمكانات تكنولوجية للأبناء لا تنسجم مع احتياجاتهم، "إذا كان من الضروري ان يحمل طالب الاساسي هاتفا نقالا للتواصل مع اهله، فلماذا إعطاؤه واحدا مزودا بالانترنت وخدمات اخرى، لا تكاد تجدها عند رجل اعمال"؟!
انتشار واسع للهواتف الخلوية والانترنت بين المراهقين
استبيان "الغد" لاحظ أن نسبة كبيرة من فئات العينة (من الصف الخامس حتى التوجيهي) يقتنون هاتفا خلويا، حيث تصدر الموبايل قائمة الوسائل التي يشاهدون عبرها تلك الأفلام الاباحية، وبنسبة 69 %، ثم الإنترنت (22 %)، و"السي دي" (3 %)، والفلاشة (2 %)، ووسائل أخرى (2 %).
وتظهر آخر الأرقام الرسمية أن قاعدة اشتراكات الخدمة الخلوية في المملكة زادت، لتضم في سجلاتها مؤخراً قرابة 8.8 مليون اشتراك، بنسبة انتشار بلغت 138 % من عدد السكان، فيما تشير تقديرات العاملين في القطاع الى أنّ نسبة تتجاوز 50 % من اعداد هذه الاشتراكات تستخدمها فئة الشباب، ممن تقل اعمارهم عن 25 سنة.
فيما زاد عدد مستخدمي الإنترنت في الاردن إلى أكثر من 4 ملايين مستخدم، بنسبة انتشار بلغت 63 %.
الأقران مفتاح "العدوى"!
لم يكن الطالب محمود (17 عاما) يدرك ان والده، عندما نقله وهو في الصف التاسع الى إحدى المدارس الخاصة بسبب تفوقه، سيتسبب بتراجعه أكاديميا، بعد أن تعرف إلى "شلّة" جديدة منفتحة. يقول "في البداية كنت أخجل من تصرفاتهم ومما يتفوهون به، ولطالما انتقدوني لهدوئي، وانني اخجل مثل البنات".
يضيف محمود، الذي يقطن في الجبل الأخضر، "أخذت أجاريهم في كل ما يتصرفون، ومنهم عرفت طريق الافلام الإباحية، وبحكم رقابة والدَيّ في المنزل صرت أشاهدها في منازل أصدقائي، أو عبر الموبايل في المدرسة، بداية شعرت بالخوف والقلق، غير أنني مع الوقت اعتدت الامر".
وعن حقيقة مشاعر الطلبة عند رؤية تلك الأفلام، فقد أظهرت العينة، وفق الاستبيان، أن 22 % يشعرون بالسعادة بعد مشاهدة هذه الأفلام، و14 % يخالجهم الشعور بالندم، اما 12 % فيتملكهم الاكتئاب، في حين يشعر 8 % بالذنب و17 % تختلط مشاعرهم بين كل ما سبق، أما 22 % فلا يعرفون حقيقة مشاعرهم.
طالبة الصف العاشر (دينا)، وهو اسم وهمي أيضا، والتي تدرس في إحدى المدارس الحكومية في منطقة التطوير الحضري- اسكان ماركا، تقول: "أتجمهر وصديقاتي على جهاز الكمبيوتر في حصة الحاسوب، ونقوم بفتح مواقع تعرض صورا ومقاطع جنسية، ونبدأ بإطلاق التعليقات والضحك والتنكيت".
وأظهرت نتائج الاستبيان، وردا على سؤال عما إذا كان أفراد العينة يرغبون في مشاهدة الافلام المخلة، أن 56.1 % يرغبون في مشاهدتها، في حين لم يبد 20.4 % رغبة في ذلك، أما 23.5 % فكانت إجابتهم محايدة.
وتعتبر (دينا) حصص الحاسوب "مساحة من الحرية"، لأن جهاز الكمبيوتر خاصتها في المنزل غير مزود بخدمة الانترنت، ولا تقتني جهاز موبايل، لرفض أهلها ذلك، فضلا عن سوء وضعهم المادي. تقول:"المعلمة تشرح لنا أول ربع ساعة في الحصة، وتترك لنا مجالا للتطبيق، وفي حال اقتربت منا نقوم بإزالة الصفحة، ونكون من باب الاحتياط فاتحين موقع نكت عادية".
التثقيف الجنسي مدرسيا جدل لم يحسم بعد
ويبدو الجدل محتدما ومتواصلا حول جدوى التوسع في التثقيف الجنسي لطلبة المدارس، والمدى الذي يمكن لوزارة التربية ان تذهب اليه.
يرى اختصاصي الشريعة د. محمود السرطاوي أن قضية التثقيف الجنسي في المدارس "يجب ان تنسجم مع المرحلة العمرية"، مبينا أن الاسلام ركز على هذه القضايا بجزئياتها الدقيقة "بلغة تأدبية قائمة على الاستعارة والكناية المعبرة بعيدة عن الإثارة".
السرطاوي "لا يمانع" تدريس هذه الثقافة في المدارس، ولكن بشرط "أن توضع من قبل علماء يتصفون بالحكمة ومعاني الفلسفة التربوية الايمانية، لا أن يتم استيرادها من الخارج"، فضلا عن أن تكون لغتها "بعيدة عن الإثارة والإباحية، وأن يتم تدريسها من قبل معلم مؤهل تأهيلا قيميا".
"لا داعي لوجود مناهج مدرسية منفصلة تتناول الثقافة الجنسية"، وفق ما ترى مديرة إدارة المناهج في وزارة التربية والتعليم وفاء العبداللات، التي تعزو رأيها هذا إلى "أننا ليس لدينا مشكلة بارزة في هذا الشأن مثل الغرب، ليتم تناول الموضوع بشكل مستقل".
والعبداللات ترى أن الثقافة الجنسية المبثوثة في كتب الأحياء والتربية الاسلامية "كافية"، لاسيما أن "مجتمعنا خاضع لعادات وتقاليد، لايمكن كسرها والتعامل معها بانفتاح".
اما الأمين العام الاسبق لوزارة التربية والتعليم الدكتور فواز جرادات، فيرى أن جهود وزارة التربية في التوعية الجنسية "غير كافية"، منوها إلى ضرورة "تكثيف المعلومات الجنسية بأسلوب علمي وديني في المناهج". وانتقد ما قال إنه "التجهيل الجنسي" لدى معظم المعلمين، الذين "يمرون على المعلومة الجنسية مرور الكرام، أو يقولون للطلبة ادرسوها وحدكم"، مطالبا بـ "التوسع في تدريس الثقافة الجنسية بالمناهج، من خلال المعلم القادر والمؤهل".
نقيب المعلمين مصطفى الرواشدة لا يحبذ، من جهته، تدريس الثقافة الجنسية في المدارس، "يجب عدم الخروج عن الواقع الذي نعيش فيه، فقيم وعادات وتقاليد تمتد لمئات الاعوام من الصعب القفز عنها"، متابعا "هذه الثقافة غريبة عن مجتمعنا، كما أن تدريسها يرافقه بعض الاشكاليات، والطالب قد يتلقاها بشكل صادم تربويا، ما يؤثر سلبا عليه".
وينوه إلى أن الطلبة ممن تحتاج مناهجهم لهذه الثقافة، كالمبحث العلمي، "يمكن الخوض فيها، كما أن القائم على تدريسها يشترط أن يكون مؤهلا، وان يوجهها بطريقة علمية".
يؤيد عساف، ويقول "في نظامنا الاجتماعي قيود هائلة في هذا الموضوع، وهناك محاذير أخلاقية تمنعنا من نقاش هذا الأمر على الملأ، كما أن الأهل والمعلمين لا يستطيعون الإجابة عن سؤال جنسي عادي، فكيف سيدخلون عليهم منهاجا جنسيا كاملا"؟! ليعاود التأكيد على ضرورة "تأهيل الأهل والمربين بداية للتصدي للظاهرة".
الحباشنة يعتقد أن دروس الثقافة الجنسية في المدارس "محدودة جدا"، ليأتي دور الأقران، الذين يعد التعلم عبرهم "شكلا من أشكال العدوى"، حيث تبدأ القصة بـ"الصدفة أو استقصاد دخول المواقع الجنسية"، خاصة أن المنظومة الاخلاقية لم تكتمل لديهم بعد في هذه المرحلة.
ويرى أن بداية المراهقة لها متطلبات رئيسية، تتمثل في: البحث عن الهوية، والاستقلالية والجنسانية، "وتجاه الأخيرة ينقسم الأهل غالبا إلى قسمين، كلاهما خطر: فمنهم من يعتبر المعلومة الجنسية "تابو" (محرمات) لا يمكن لابنهم الاقتراب منه، وأسر أخرى تتعامل بانفتاح غير منضبط".
المعلم في معمعان جدل الظاهرة
من جهتها، تؤكد عضو نقابة المعلمين ورئيسة لجنة التعليم الخاص عبير الأخرس انتشار "سرطان مشاهدة الطلبة للأفلام المخلة بالآداب وتناقلها، لا سيما في المدارس الخاصة".
تقول "قبل انتشار الانترنت لطالما ضبطت مجلات وصورا إباحية مع طلبة، غير ان الامر ازداد تعقيدا، وأصبح اسهل للتداول، والرقابة عليه هزيلة جدا للأسف"، مرجعة الأمر إلى أن "الطالب يتفوق على أهله تقنيا، فيتحايل بإخفاء ما يوجد على جهازه".
"تفشي هذه الظاهرة يشيب لها الولدان"، وفق المعلم همام، الذي يعتبر ان الامر "خرج عن سيطرة المعلمين، الذين لا يعرف معظمهم حيل الطلبة في استخدام الموبايلات الحديثة، من خلال رقم سري وميموري وغيره".
وبعد ان يلفت الى ضبط حالات عديدة في مدرسته، يؤكد انه "كثيرا ما تتم لفلفة هذه القضايا، عندما يتعهد الأهل بعدم تكرار ابنائهم لها، كما يتدخل مدير المدرسة لعدم تكبير القصة".
وتشكو الاخرس من أن "أحدا لا يحمي المعلم" إذا حدثت مشكلة بعد ضبط طالب وبحوزته افلام خادشة للحياء، وهي لا تذكر خلال عملها أن طالبا "فصل أو نقل تأديبيا"؛ لهذا السبب، بحجة انه "حرام القضاء على مستقبل طالب او إلحاق الضرر به او بسمعة اهله، فضلا عن الاساءة لسمعة المدرسة"! مطالبة "بتفعيل تعليمات مجلس الضبط في كل المدارس"، فيما يتعلق بعقوبة "حيازة ونقل الطالب لمواد منشورة مخلة بالآداب".
22 % يشعرون بالندم والذنب و12 % بالاكتئاب بعد مشاهدة الأفلام الخادشة للحياء
الرواشدة يشدد، في هذا السياق، على ضرورة وجود اجراءات وقائية قبل العقوبة "كأن يراقب الاهل ابناءهم"، فضلا عن "منع دخول الهواتف للمدرسة"، وفي حال وجود مخالفات "لابد من تفعيل العقوبات".
وينوه إلى "ضرورة تعديل تعليمات الانضباط المدرسي، وإعادة النظر فيها"؛ لأنها "تقادمت" في ظل تكنولوجيا المعلومات، فضلا عن ضرورة "اضافة بعض المواد المتعلقة في هذا الحقل لتكون رادعة".
حجب المواقع الإباحية هل يشكل حلا؟
في ظل انتشار "عادة" إقبال المراهقين والطلبة على مشاهدة الافلام الاباحية، لم يجد صاحب أحد مقاهي الانترنت في حي نزال، أحمد صالح أبو سارة، وكبادرة إيجابية ورادعة، الا ان يضع يافطة تحذيرية في محله، "تتوعد" من يدخل إلى المواقع المخلة بالآداب، بتغريمه خمسة دنانير.
وعن دافعه لهذه البادرة، يقول أبو سارة "هذا مصدر رزقي، وأحرص ان يكون حلالا، كما أن لي اولادا وأخاف الله فيهم"، منوها إلى أنه كان قد لجأ قبل هذه البادرة، إلى الشركة المزودة لخدمة الانترنت، وطلب منها حجب المواقع الإباحية، غير أنها لم تستجب، وردت بأن ذلك سيؤدي إلى منع خدمات أخرى، كـ"المسنجر" وغيرها.
أبو سارة يقول إن كثيرا من الشباب المراهقين يقصدون المقهى لهذه الغاية، وقد بلغ عدد "ضحايا" الغرامة حتى الآن 12 مرتادا، لم يعاودوا الحضور بعدها.
وكانت مجموعة من الناشطين والمواطنين أطلقت في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2011 حملة لحجب المواقع الإباحية تحت عنوان "مبادرة إنصاف".
عضو الحملة عمار الساكت أوضح لـ"الغد" أن المبادرة أطلقت عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ولاقت دعماً استثنائياً من كافة شرائح المجتمع، خاصة الآباء والأمهات، الذين يعانون مع أبنائهم، من المواقع الإباحية، ولايعرفون كيف يتعاملون مع الأمر. وقد بلغ عدد مؤيدي الحملة على صفحتها (95000).
ورغم أن مجلس الوزراء أقر في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، سياسة قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبريد، وقد تضمنت منع وحجب المواقع الإباحية بالوسائل الممكنة، وإيلاء المهمة الى هيئة تنظيم قطاع الاتصالات لتنفيذها مع شركات الاتصالات والانترنت في القطاع، غير أنها حتى وقت نشر التحقيق لم تحجب.
وتعارض شركات القطاع الحجب المركزي للمواقع الإباحية لما له من تأثير على صناعة الإنترنت، حيث رأت أنه من الافضل اعتماد سياسة توفير الحجب الاختياري مع رفع مستوى الوعي بين أوساط الشباب والمجتمع.
سؤال جدوى العقاب في معالجة السلوك الشاذ
يستهجن ابو السعود انتقائية الاهل في تعاطيهم مع هذه المسألة، حيث يسمح للشاب بالمشاهدة كونه رجلا، وتُعاقب الفتاة "فالاضرار النفسية والصحية لا يستثنى منها كلا الجنسين"، ناصحا التعامل مع الامر بـ"عقلانية لا بعنف"، فضلا عن "مراعاة الحذر في معالجة الموضوع حتى لا تتعقد الامور".
والحل الأمثل لا يراه ابو السعود بحرمان الابن من المصروف او الخلوي، او منعه من الخروج او لقاء اصدقائه، وإنما بالجلوس معه ومناقشته بمنطق وإقناع، كأن يسأل عن سبب مشاهدته لهذه الافلام ومصدرها، والدخول معه بحوار حول اضرار ما اقدم عليه على نفسيته وصحته.
لكن عساف يؤمن بالعقاب لمن يُضبَط يشاهد افلاما اباحية، وحسب فعله، فمن يشاهدها على الموبايل يصادر هاتفه، وفي حالة الكمبيوتر يحرم من استعماله شهرا مثلا، مع المراوحة بين الترغيب والترهيب والشدة واللين. ويرى ان العقوبة المؤقتة "لا تعلم صغيرا ولا كبيرا"، لذا يجب ان تكون "طويلة الأمد".
من جهتها، ترى أبو ليل ان مفهوم العقاب عند الاهل "خاطئ"، فقد يميل اسلوبهم الى "تنفير الابناء وانحرافهم اكثر"، ومن هنا، تنصح باحتضانهم ومعاملتهم على انهم مرضى يحتاجون للعلاج، وفتح الحوار الهادئ المعتمد على مهارة الإقناع. "وفي حال الفشل يمكن اللجوء للطبيب النفسي، لا سيما في المراحل المتقدمة من الادمان".
أم أمجد اكتشفت صدفة دخول ابنها، ذي الثلاثة عشر عاما، الى موقع إباحي، تقول "نزل الأمر علي كالصاعقة، غير أنني امام واقع حدث ولا مجال لتغييره".
وتتابع "لم يكن أمامي خيار غير تمالك اعصابي، حتى لا أخسر ابني، حيث حاورته بالامر لأتقصى عن السبب، وبعد أن عرفت أنه يود معرفة تفاصيل عن الجنس الآخر، وعن مرحلة البلوغ، وعدته أن أجيبه عن اي استفسار وأن أحضر له الكتب المتخصصة، التي تزوده بالمعلومة، وحذرته من خطورة ما يقدم عليه علميا على صحته ونفسيته".
الجهل الجنسي خجل مهزوم
وتبين أبو ليل، صاحبة كتاب "تربية الأبناء فن له أصول"، ان "اسرنا للأسف تجهل الثقافة الجنسية"، ويتضح ذلك، وفق قولها، من خلال عدم قدرتها على الاجابة عن أسئلة الأطفال حول هذا الموضوع، لذا توصي الأبوين بضرورة التثقيف والقراءة حول المواضيع المتخصصة في هذا الجانب، "ولا ضير من الالتحاق بدورات تأهيلية، لتقديم معلومات جنسية علمية سليمة وبشكل مبسط"، موضحة ان تهرب الاهل من اسئلة الابناء الجنسية "ليس حياء بل هو خجل مهزوم".
فيما يرى أبو السعود أن انتشار هذه الظاهرة بين الطلبة "مؤشر على خلل في البيئة الاجتماعية"، منوها إلى ان الثقافة الجنسية في سن مبكرة "علم وحاجة منسجمة مع الطبيعة الانسانية"، وخط الدفاع الاول في مواجهة هكذا مواقف.
ويؤكد أبو السعود ان غالبية الأسر "للأسف غير مؤهلة للتثقيف الجنسي"، مستهجنا مثلا وصول الفتاة سن 14 او 15 عاما "دون ان توعيها والدتها عن الدورة الشهرية وحيثياتها، كما أن الشاب يصل هذا العمر دون أن يحاوره والده في التطورات الفسيولوجية التي تطرأ عليه بالبلوغ، مكتفيا بالتباهي أمام الناس بأن ابنه اصبح رجلا".
ويتفق سرحان بأن هناك "جهلا مستشريا" بأهمية هذه الثقافة، وأثرها في بناء شخصية الفرد وتنظيم سلوكه، مشددا على ضرورة توعية الوالدين بدورهما تجاه أبنائهما، بإيصال هذه الثقافة إليهم، بما يتناسب ومستواهم العمري؛ بدل تركهم نهبا لمصادر أخرى، غير مأمونة، مثل الانترنت والاصدقاء "ما قد يؤدي الى مشكلات صحية وانحرافات نفسية وسلوكية" تؤثر على الاسرة والمجتمع.
إدمان يحتاج إلى علاج
المشكلة الأسوأ، بنظر الطبيبين النفسيين الخطيب والحباشنة، تكمن بالنتائج المترتبة مستقبلا على إدمان الافلام الاباحية، "فمع الزمن من الممكن أن يستغني مدمنوها عن الممارسة الطبيعية"، ونوه الحباشنة إلى أن كثيرا من النساء "يشتكين من استغناء الازواج عن معاشرتهن والاكتفاء بمتابعة الافلام الإباحية"، فضلا عن مشكلة "القذف السريع"، والتي تصل الى 80 % من مشكلات الذكور الجنسية.
وفي الوقت، الذي يرى فيه الخطيب، أنه "ليس ثمة دراسات تثبت أن إدمان مشاهدة الافلام يؤدي إلى الشذوذ"، يؤكد حباشنة أن تكرار مشاهدة الجنس قد يوقع في هذا المحذور "بسبب الاطلاع على كل انواع الممارسات، لا سيما لمن عنده بذور استعدادية للجنس المثلي".
ويحذر حباشنة من "تفشي الظاهرة"، كونها تقود إلى "إدمان العادة السرية من جهة، وخشية الوقوع في العلاقات المحرمة من جهة ثانية".
وما يقرع جرس الإنذار حول خطورة "المثلية"، وفق ما رجحه حباشنة، أن نتائج استبيان "الغد" أظهرت أن 20.6 % من العينة يشاهدون الأفلام مع أصدقائهم، في حين أن 77.3 % يشاهدونها وحدهم، كما أن 31.6 % يشاهدونها يوميا.
الى ذلك، دعت دراسة طبية ألمانية مدمني تصفح المواقع الإباحية إلى إعادة التفكير بالأمر، لأن ذلك "يتسببب بفقدان الذاكرة".
وللتصدي لهذه "الظاهرة" يشدد الأمين العام السابق لوزارة التربية والتعليم الدكتور فواز جرادات، على "ضرورة تكثيف حملات التوعية المستمرة، التي يقوم بها تربويون وأطباء، وتشرف عليها وزارتا التربية والتعليم والأوقاف، والمجلس الاعلى للشباب، للحديث عن العواقب السلبية لمخاطر مشاهدة هذه الافلام".
وحول علاج هذا الإدمان فإنه يحتاج، وفق الخطيب، لقرار داخلي من الشخص، تماما مثله مثل مدمن التدخين والكحول والمخدرات، وأولى الخطوات: الاعتراف امام النفس بأنه مدمن، ثم القيام بخطوات علاجية، تتمثل في: تجنب الانفراد بالنفس كثيرا، وعدم مشاهدة الكمبيوتر بمعزل عن الاسرة، فضلا عن إزالة كافة الروابط والمواقع الاباحية او الافلام والصور التي اعتاد مشاهدتها، وينطبق هذا الامر على الهاتف الخلوي، الى جانب تنمية التواصل الايجابي مع الآخرين، وممارسة هوايات مفيدة توجه طاقاته نحو العمل والابداع.
( الغد - تحقيق: منى شكري )