حيرتي و استغرابي من صديقي اليساري

mainThumb

04-01-2013 11:10 PM

 لي أحد الأصدقاء اليساريّين من الذين فرّوا إلى فرنسا في السّبعينات بسبب المطاردات السّياسيّة و لم يرجع إلى الوطن إلا بعد انقلاب بن علي سنة 1987، و قد ابتهج  ككلّ التّونسيّين بتحوّل السّابع من نوفمبر، و قد انخرط في التّجمّع المنحلّ و نشط فيه في المهجر، و قبل سنوات من سقوط نظام التجمّعيين انسحب من الطّرح السّياسي و جمّد نشاطه في الحزب الحاكم بسبب ترهّله و ضعفه.

 
المصيبة في صديقي اليساري أنّه مازال إقصائي و إلغائي في سلوكه و تفكيره، مع العلم أنّه من الذين يقيمون بفرنسا منذ مدّة تقارب الأربعة عقود، و كذالك هو من الذين  يشاركون  في الشأن العام  هناك، وهو من النّاشطين في الحزب  الاشتراكي، و رغم هاته التجربة و كلّ تلك السّنوات التي قضّاها بالضّفة  الشّمالية للبحر الأبيض المتوسّط  لم يتخلّص  صديقي اليساري من العقليّة الاقصائية  و الالغائية التي حملها معه من وطنه الأم تونس، و هذه أعتبرها من غرائب و عجائب الأمور، فكيف لشخص يعيش أكثر من نصف عمره ببلاد الغرب  و يكون من المشاركين في الشأن العام و المنخرطين في العمل  السياسي، و رغم كلّ تلك السّنوات و التّجارب لا يتغيّر و لا يغيّر شيء  في سلوكه و عقليّته، فهل يعقل بعد تلك السّنوات الطّوال أن لا يتغيّر صديقنا  اليساري الذي عاش في دول الغرب الدّيمقراطي، و بالتّالي بعد هذا المثال الحي و الحقيقي لا لوم على رفاقه اليساريّين الذين لم  يغادروا الوطن و الذين رزحوا لعقود تحت حكم إقصائي و إلغائي لنظام استبدادي قمعي و أحادي.
 
و مباشرة بعد هروب أو بالأحرى تهريب بن علي زار صديقي اليساري تونس، و قد كان متحمّسا لما يحصل و كان مبتهجا بإنجاز الشّعب التّونسي في التّحرر و الإنعتاق، و قد ساهمنا معا في تأسيس جمعيّة  تنمويّة، و قد كنّا لحمة واحدة و قد تجاوزنا خلفيّاتنا الفكريّة و الإيديولوجيّة رغم  أنّنا مختلفين اختلافا جذريّا في المرجعيّات و رغم ذالك فقد كنّا منسجمين و متحمّسين للعمل و المساهمة في الارتقاء بالأوضاع و البلاد.
 
 و بعد انتخابات المجلس التأسيسي يوم 23 أكتوبر 2011 التّي صدمته و صدمت رفاقه من اليساريّين و الدّساترة و التّجمّعيّين، انقلب صديقنا اليساري مائة و ثمانون درجة، فصديقنا شيوعي من جماعة آفاق و قد تحوّل إلى تجمّعي تحت حكم بن علي، و الآن صديقنا العزيز التحق بجماعة النّداء السبساوي الدستوري التّجمّعي اليساري، و قد تجمّعوا كعادتهم حول الفرد الواحد المنقذ و الملهم و تكتّلوا بانبهار حوله ليؤلهوه و يعيدوا أخطاء الماضي مع بورقيبة و بن علي و يورّطوا و يدمّروا من جديد الوطن و الشعب، و هذا كلّه بسبب حقدهم الأعمى و كرههم لحركة النّهضة من أجل الإطاحة بها و إزاحتها من السلطة و إرجاع جلاّدهم للسلطة بعد مشاركتهم بفعاليّة في الثّورة ضدّه و الإطاحة به، فهل يعقل أنّ بعض اليساريّون و العلمانيّون يفعلون الشّيء و ضدّه في زمن وجيز.
 
كما أنّ استغرابي و مشكلتي و مصيبتي في صديقي اليساري أنّه بعد أربعة عقود من العيش بفرنسا بلاد الحرية و الديمقراطية، تصرّف معي بشكل إقصائي و إلغائي، فقد حذفني من قائمة أصدقائه على الموقع الاجتماعي "فايسبوك" و قد انتظرته حتى يعود إلى تونس لنتكلّم في الموضوع و لمّا التقينا عبّرت له على استغرابي و انزعاجي من عدم قبوله باختلافي في الطّرح و التّعبير ولمته عن فعلته التي صدمتني و أزعجتني و أثارت حيرتي  و استغرابي.
 
و قد دار بيننا حوار متشنّج و قال لي أنّه يرفضنا، فقلت له يا صديقي أنا لم ألتحق بحركة النهضة و لا أي حزب من أحزاب الترويكا أو أي حزب آخر، كما أنّني أستغرب ممّا تقول فلو كنت من اليساريّين الذين يعيشون في تونس و الذين لم يغادروا الوطن لتقبّلت كل ما تقول برحابة صدر، و لكن أن يصدر هذا الكلام و الخطاب عن شخص يعيش بفرنسا منذ ما يقارب أربعة عقود، فهل يعقل بعد كلّ تلك السنين التي قضّيتها ببلاد الأنوار تتكلّم بشكل إقصائي و إلغائي، هذا ما لا أقبل به و لا يستوعبه العقل، فكيف بك أيّها الصديق يا من شاركت في الشّأن العام بفرنسا و انخرطت في العمل السّياسي في الحزب الاشتراكي لعدّة عقود، كيف تبقى عقليّتك متجمّدة و لا تقبل بالاختلاف، هذا أنت هكذا فماذا نقول عن رفاقك الذين لم يغادروا الوطن، حقّا إنّها  مصيبة و الله.
 
توفيق بن رمضان  (كاتب  و محلل سياسي تونسي)
 
romdhane.taoufik@yahoo.fr


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد