المعلقاتُ السبع ، لم تُعَلَّق على الكعبة

mainThumb

06-12-2013 04:52 PM

لقد كتبتُ مقالا حول مسألة فضل جهة اليمين ، وخلال المقال أشرتُ إلى عدم ثبوت تعليق ( القصائد ) على الكعبة ، التي يسمِّيْها الناس ب ( المعلقات ) ، ووجدتُ تعليقاً للأخ عبد الله العمر يقول : ( وكلامك عن المعلقات فيه نظر ) ، فدفعني قولُه إلى تحرير المسألة حسب المنهج العلمي ،خاصة منهج أهل الحديث .

لقد انقسم الباحثون في سبب التسمية ( المعلقات ) إلى قسمين:

قسمٌ مؤيد لفكرة تعليقها على الكعبة ، ورأسُهم وأقدمُهم ( ابن الكلبي ) حيثُ قال : إنَّ أوَّل من عُلِّقَتْ قصيدتُه على أحد أركان الكعبة هو ( امرءُ القيس ) ثم تَبِعَه بقيةُ الشعراء ، وابن الكلبي هو : هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، قال فيه علماء الحديث الذين هم المرجع في غربلة الأخبار وفرزها .

 قال الإمام أحمد بن حنبل كما في ( ميزان الاعتدال ) ( 4 / 304 ) : ( إنما كان صاحب سمر ونسب ، ما ظننتُ أن أحداً يحدِّثُ عنه ) .

قال الدارقطني في نفس المصدر : ( متروك ) . وذهب الى ذلك الذهبي ، وابن العماد .

ورماه بالكذب ابن الجوزي ، وغيره .

 وقال السمعاني: ( يروي الغرائب والعجائب والأخبار التي لا أصول لها ) .

 وقد أخذ معظم مروياته عن أبيه ، وعن محمد بن سعد كاتب الواقدي ، وعن الهيثم بن عدي .

فأبوه محمد بن السائب الكلبي ، قال البخاري : تركه القطان ، وابن مهدي ، وقال الحافظ ابن حجر : مُتَّهم بالكذب ، وقال النسائي : متروك الحديث .

أما الهيثم بن عدي الطائي ، قال البخاري : ليس بثقة ؛ كان يكذب ، وقال يحيى : ليس بثقة ؛ كان يكذب ، وقال أبو داود : كذَّاب ، ... وقد اتَّهمه غير واحد .

فهذا حالُ كبير من روى أن هذه القصائد كانت معلقةً على الكعبة ؛ فلذلك سُمِّيَتْ بالمعلقات .

أما من بعده ممن ذهب الى تسميتها بالمعلقات مثل ابن الأنباري ، و السيوطي ، وياقوت الحموي ، وابن رشيق القيرواني ، وابن عبد ربه ، وابن خلدون ... ، ومن المعاصرين - على ما أظن  - ناصر الدين الأسد ...

فليس لهم دليل أثري صحيح بل هم نَقَلة عمَّن سبقهم ، أو لهم تفاسير ينقصها النقل الصحيح .

حتى ابن خلدون أشار الى التسمية بصيغة التمريض ( قيل ) ، حيث قال في ( مقدمته ) ( 668 ) : ( فإنه إنما كان يُتَوَصَّلُ إلى تعليق الشعر بها من كان له قدرة على ذلك بقومه وعصبيَّتِهومكانه في مضر على ما ( قيل ) في سبب تسميتها بالمعلقات ... ) .

فقد عبَّر ابن خلدون عن سبب التسمية ب ( قيل ) وهي من صِيَغِ ( التمريض ) كما يعرفُه أهل الحديث ، وكذلك رَدَّ ابن خلدون سبب التعليق الى قوة وقدرة القبيلة وعصبيتها ! فأين هذا الشرف عن قبيلة قريش التي كان له القدح المعلى بين قبائل العرب  - عزَّةً وأنفَةً - فهل يفوتها هذا الشرف ؟!!!


ومن الملاحظ أن القدماء مثل الأصمعي والمفضل الضبي ، وأبي عمرو بن العلاء وغيرهم ، لم نسمع عنهم أنهم أشاروا الى مسألة ( تعليقها على الكعبة ) وهذا أمرٌ تدعو الى حَمْلِهِ الهِمَمُ والعزائمُ !

ثم جاء أبو جعفر النحاس ونفى أن تكون هذه القصائد معلقةً على الكعبة ، حيث استدلَّ على أن جامعَ هذه القصائد هو حماد الراوي  لم يذكر أنها كانت معلقة على الكعبة .

وأقول : لقد أَلَّفَ علماء جهابذة في تاريخ مكة كُتُباً جاء  فيها  كُلُّ دقيق وجليل عن تاريخ مكة من غابر العصور الى زمان المؤرخ الذي دوَّنَ هذا التاريخ ، فعلى سبيل المثال  المؤرخ أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي المُتَوَفَّى نحو ( 250 ) للهجرة ، وكتابُه ( أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار ) ، فقد ذكر ما كان حول الكعبة من أصنام ، وعددها وأسمائها ، ومن كسا الكعبة ، وقصة إساف ونائلة ، حتى قرني الكبش الذي ذبحه إبراهيم - عليه الصلاة والسلام – ولم يتطَرَّقْ لمسألة ( قصائد معلقة على الكعبة ) حتى أنه ذكر قَصَصَاً ضعيفة إلا أنها كانت مشهورة في زمنه فَدَوَّنها ، فهذا دليلٌ على أنَّ مسألة ( القصائد ) لا صِحَّةَ لها في تاريخ مكة والكعبة .

وأقول - أيضا – إنَّ العرب كانوا يقولون الشعر ويفتخرون به إلا أنَّهم يُنَزِّهون بيتَ الله عنه ، لما سمعنا من اتِّهامهم  لرسول الله – صلى الله عنه – بأنه شاعرٌ !

 قال تعالى : (وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ) .

 وقال تعالى : (والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله... ) .


 ونعلم أن معظم ( المطولات ) فيها أبيات لا يليق أن تُعَلَّقَ ببيتِ الله تعالى ،  فقد منعت قريش بناء ( حجرإسماعيل) بأموال الربا ؛ فلذلك تركوه من غير بناء ... فكانوا يُنَزِّهون بيتَ الله عن هذه الأشياء ، وإن كانوا يمارسونها بعيدا عن البيت العتيق !!


ومن الذين نفوا تعليقَها على الكعبة الأديب مصطفى صادق الرافعي حيث قال في ( تاريخ آداب العرب ) ( 3 / 139 ) :

( وأما خبرُ الكتابة بالذهب أو بمائه والتعليق على الكعبة ففي روايته نظر ، وعندي أنه من الأخبار الموضوعة التي خَفِيَ أَصْلُها حتى وَثِقَ بها المُتَأخرون ، وإنما استدرجهم الى ذلك أن هذه القصائد تكاد تكون الصفحة المذهبة من ديوان الجاهلية ... ) .

 وقال   - أيضا - : (وقد أغفل ابن قتيبة المتوفى سنة 276 رواية ابن الكلبي بجملتها في كتابه طبقات الشعراء ، ولم نَرَ أحداً ممن يوثقُ بروايتهم وعلمهم أشار إلى هذا التعليق ولا سَمَّى تلك القصائد بهذا الاسم ، كالجاحظ ، والمبرد ، والمبرد ، و وصاحب الجمهرة ... ) .

وقال – أيضا - : ( وأعجب شيء أنك لا ترى في كلام أحد من الصدر الأوَّل من لدن النبي – صلى الله عليه وسلم – ما يشير إلى ذلك الخبر ، مع أنهم تكلموا في الشعر وفاضلوا بينهم ... وكلُّ ذلك مما يدُلُّ على أن ذلك التعليق إنما كان بحبل التلفيق ! ) .

بل اتَّهم الرافعيُّ ابنَ الكلبي بوضع هذه الرواية أو غيَره .

قال الرافعي ( 3 / 143 ) : ( ... فاختلق ابنُ الكلبي أو غيرُه خبرَ التعليقِ ...) .

وقال العلامة اللغوي محمد تقي الدين الهلالي – رحمه الله – في ( نبذة من علوم القرآن ) ( 38 ) : ( وأما ما قيل أنَّ المعلقات السبع كانت مكتوبةً ومعلَّقَةً في الكعبة ، فحديثُ خُرَافةٍ ) .

وقد نفى هذا التعليق الدكتور شوقي ضيف

فأوَّلُ من روى هذا الخبرَ هو ابنُ الكلبي ، وقد عرفتَ حالَهُ ، واتِّهامَ الأئمةِ له بالكذب ؛ فبذلك يسقطُ خبرُ التعليق ويهوي في حفرةِ الموضوعات .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد