وهلْ رَفَّتْ عليكَ قُرُوْنُ ليلى .. ؟!!

mainThumb

17-03-2014 09:41 PM

لقد أصابَ الأمةَ وَجَعٌ وَنَصبٌ في مفاصلها وعروقها ، وغَزَتْها أمواجُ الضَّعْفِ في شتَّى مناحي حياتها ...

ومن هذه الأوجاعُ العزوفُ عن اللغة ووصل الحَدُّ أن جعل شبابُ الأمَّةِ أعداءَ العربية قُدْوَتَهم في تَذَوِّقِ السَّقيمِ والعليلِ من هذياناتهم ، وتُرَّهاتِهم العقيمة ، فهذا المدعو ( جبران خليل جبران ) الذي له رواجٌ كبير في صفوف المثقفين العرب يستهزئُ بالعربية ورموزِها الفحول الذين وهبوا حياتَهم وقاسوا الحرَّ والقرَّ في جمع أطرافها وشرح معانيها ، يتقَيَّأُ كلاما سيئا في حقِّ العربية وأهلها : ( لكم منها ما قاله سيبوية وأبو الاسود الدؤولي وابن عقيل ومن جاء قبلهم وبعدهم من المضجرين المملين .... ان لغتكم ستصير الى اللاشيء !!! ) .

هذا قول الحاقدين على تراثنا الذي بهر الدُّنيا عندما كان أهلُه يعتزُّون به ويرفعون لواءه ، ولكن ابْتُلينا بهذه الشِّرْذمة التي لُمِّعَتْ لغاياتٍ وغايات ، وأعظمُ غاية هي وأدُ العربية بأيدي أبنائها !

والذي دَعاني لهذه ( النفثة ) - نفثةَ مصدور أقعدتْهُ الحُمَّى وأربكتْ أفكارَه - أنَّ بين أيدينا دُرَراً من الطِّرازِ الأوَّلِ رغم ذلك يَنْكَبُّ مثقفو العربية على العليل والدِّمَنِ والغثاء !!

فقد وقفتُ حائراً أمام بيتين للمجنون ( مجنون بني عامر ) فيها روعةُ العرب ، وعاطفةُ العرب ، ونقاءُ العرب ، وهما :

1 – بدينِكَ هَلْ ضَمَمْتَ إليكَ ليلى

..................... قُبيلَ الصُّبْحِ أو قَبَّلْتَ فاها .

2- وَهَلْ رَفَّتْ عليكَ قُرُوْنُ ليلى

................... رَفِيْفَ الأُقْحُوانِ على نَداها

صورةٌ جِنِّيْةٌ عبقرية النَّسَب ، صدرتْ من عاشقٍ أحرق الهوى جَوْفَهُ ، وَجَعَلَهُ مع الوحشِ يرعى زهوراتِ البَرِّ من نَفْلٍ وخزامى ...

ولهذين البيتين قصَّةٌ نحيل القارئ للرجوع اليها حتى تَكْتَمِلَ الصورةُ ، والمطلوب منا هو اظهارُ جمالها ورَقْرَاقِها ...

فالمجنون يخاطِبُ زوجَ ليلى ويسألُهُ عن أشياء تَحْدُثُ بين الرجلِ وزوجته منها ( الضَّمُّ ، والتَّقْبيلُ ... ) ولكن المجنون يريد في سؤالِه اظهار روعة ليلى التي كان يعشقها ولكن لم تُقَدَّرْ له ، حيثُ بدأ بقسم الاستعطاف كما يُسَمِّيْه بعض النُّحاةِ ( بِدِيْنِكَ ) أي : نشدتُك وسألتُكَ بدينك هل فعلتَ كذا وكذا بليلى ...

ومن الأشياء التي سألَ عنها ( الضَّمُّ ) وهو العناق ، فالقربُ منها هو غاية الأماني وهو حلاةُ الدُّنيا ...

وقد بدأ بسؤاله !! وكلنا نعلم أن الزوجَ يحدثُ منه الضَّمُّ وغيرُ الضَّمِّ مع أهلِهِ ، ولكنَّ المجنون بهذا السؤال تحت دهشة وهذيان أنَّ ليلى ما زالتْ بكراً وهي له دون سواه من البشر ، وأنها مازالتْ معه ترعى البَهْمَ كما كانوا في بداية أمرهما !!

ثم ذكر هذا ( الضَّمَّ ) قبيل الصبح ، واستعمل ( المجنونُ ) ظرفَ الزمن ( قبل ) وَصَغَّره ( قُبَيْل ) وهذه الظروف الزمانية والمكانية إذا صُغِّرَتْ أفادتْ القُرْبَ والمُلاصقةِ أكثرَ من تكبيرها ويُسْتَثْنى من هذه الظروف ( عند ) فهو لا يُصَغَّرُ ؛ لأنه يفيد القرب والملاصقة بذاته .

وقبيل الصُّبْحِ أي قبل ظهور الفجر الصَّادق ، لأنَّ الصُّبْحَ هو وقتُ قيام الناس لصلاتهم وأعمالهم فقد يتناولُ المرؤ شيئا من الطعام أو الشَّراب فَيُذِهِبُ رائحةَ تَبَخُّرِ الفم التي يقرفُها الناس ، إلا أن فَمَ ليلى وثغرَها مُنْتَفٍ عنه هذا العيب ، فهي طيبةُ الثَّغْر وريحِهِ حتى قبل الصُّبْح وقبل أن تتناولَ طعاما أو شرابا ، فإنْ كان فوها في هذه السَّاعة طيِّباً فكيف في غيره من الأوقات ؟!!!

ثُمَّ يسألُ عن شيء آخرَ وهو من مستلزمات الضَّمِّ والتَّقْبيل ( رفَّتْ عليك قُرُوْنُ ليلى ... ) والرَّفيفُ هو البرقُ والتَّلَأْلُؤ ، وهو يريدُ بذلك وصف شِدَّةِ سوادِ شعرها حيثُ يتلألَأُ ويبرقُ من شدَّةِ السَّواد وهو صفٌ محمودٌ في شعرِ المرأةِ .

ووصفَ هذا التَّلَأْلُأَ والبرقَ لشعرها من شدَّةِ السواد وتضمُّخِهِ بالدهن والعطر بتلألُؤِ النَّدى على أوراق ( الأُقْحُوان ) ، والأقحوان هو ( البابونج ) ذو الرائحة العطرة وهو من نبت البرِّ والصحراء ، والعربُ تُشَبِّهُ بياضَ الأسنان ونصاعتها بلون الأقحوان ....

وليلى ذاتُ قرونٍ فهي طويلةُ الشَّعر وهذا غاية الأنوثة وغاية الجمال ، ليس كما نرى اليوم من تقصير الشعر وحلقه من قبل النساء !!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد