أبو صخر الهذلي وعُلَيَّةَ

mainThumb

25-03-2014 09:54 PM

لقد جرى بيني وبين بعض أصدقائي حديثٌ عن اسم ( علياء ) وهل جاء في الشعر العربي ؟ فقلتُ له: لقد ورد هذا الاسم ، و جاء مُصَغَّرا في حُلَّة هذليَّة من روائع شاعر غَرَّد في جزيرة العرب بذكر محبوبته ( عُلَيَّة ) .
ووفاء لهم عزمتُ على كتابة بيتين  ورد فيهما اسم ( عُلَيَّة )  على عُجالة من الأمر اثراء للغتنا وأدبنا العريق الذي زهد فيه أكثرُ أبنائه ، وعكفوا على المناهل الموبوءة التي لا تغني ولا تسمن من جوع !!

وهذا البيت بل البيتان هما لشاعر من أعرق القبائل التي أنجبت شعراء لهم بصمةٌ واضحة في تاريخنا يشبه النقشَ الحميري الباقي على كَرِّ الايام والليالي ، وهي قبيلة ( هذيل ) والشاعر هو أبو صخر الهذلي صاحب القصيدة الرائعة التي منها :

وإنِّي لَتَعْرُوني لِذِكْراكِ هَزَّةٌ
..... كما انتفَضَ العُصْفُوْرُ بَلَّلَهُ القَطْرُ
والبيتان اللذان سيكونا موطنَ الجمال والدرر هما :
تَمَنِّيْتُ من حُبِّي ( عُلَيَّةَ ) أنَّنا
..... على رَمَثٍ في البحرِ ليس لنا وَفْرُ
على دائمٍ ،لا يَعْبُرُ الفُلْكُ موجَهُ
.... ومن دوننا الأهوالُ والُّلجَجُ الخُضْرُ

فشاعرنا يتمنَّى من شدة حبِّه لمحبوبته ( عُلَيَّة ) - وقد صَغَّرها تحبُّبَا ودلالا وهذا من مقاصد ( التصغير ) عند العرب – أن يكونا على رَمَثٍ في البحر ، والرَّمَثُ قال الامام السكري : ( أعوادُ تُشَدُّ مثلَ الطَّوْف ) ، وجاء في ( شرح السنة ) للامام البغوي – رحمه الله – ( 2/ 56 ) في سؤال الرجل للرسول – صلى لله عليه وسلم – عن الماء وهم في البحر : ( إنَّا نركبُ أرْماثاً لنا في البحر ... ) قال البغوي : ( والأرماثُ جمعُ رمث وهي خُشُبٌ يُضَمُّ بعضُها إلى بعضٍ ، ويُشَدُّ ثم تُرْكَبُ ) .
 فهو يتمنَّى ان يبتعد عن الناس مع محبوبته ( عُلَيَّة ) على هذا ( الرَّمَثِ ) وقد مخرا البحرَ وأَوْغَلا فيه نفوراً من الوشاة والعُذَّال ، ولم يحملا معهما شيئا من متاع الدنيا لا طعامَ ولا شرابَ ، حيث قال : ( ليس لنا وَفْرُ ) والوفرُ هو المتاع والمال !!

فهو لا يريد شيئا من الدنيا الا ( عُلَيَّة ) فهي الزادُ والشرابُ وهذا منهج العذريين من العشَّاق !

ويُمْعِنُ في العزلةِ هو ومحبوبتُهُ ( عُلَيَّة ) فيتمَنَّى ان يكونا على ( دائمٍ ) وهذا الدائم لعلَّه البحر لأن الضميرَ في ( موجَهُ ) عائدٌ عليه ، وهذا البحر لا يستطيعُ الفُلْكُ ( السُّفُن ) أنْ يعبرَ موجَهُ ، كل ذلك حتى لا يصل أحدٌ اليهما ، وأضاف موانعَ أخرى تمنع اقتراب الناس منهما وهي ( الأهوال ) والأهوال هي الشدائد ، ومن الموانع أيضا ( اللجج الخضر ) وهي الأمواج العاتية التي تضرب الى السواد ،لأن العرب تُطْلِقُ على الأسود : الأخضر .

وكما ترى فشاعرنا يضع كلَّ شيء مهول يمنع دُنُوَّ الناس اليهما فقد جمع كلمة ( الأهوال ، و اللجج الخضر ) ولم يُفردها حتى تكون أمنعَ وأحصن َ !

ومن الأشياء التي لاحظتُها على شاعرنا أبي صخر الهذلي أنه ذكر في عزلته مع محبوبته ( عُلَيَّة ) البحر والأمواج ونوع من القوارب الصغيرة ( الرَّمَثَ ) وهذا من خصائص شعر الهذليين ؛ لأنها قبيلة قريبة من البحر فعندها شيءٌ من علوم البحار ومراكبه ، في حين نجد شعراء آخرين يتمَنَّوْن العزلة والانفراد بالمحبوبة ولكن عزلتُهم ليست في البحر ولا على قواربه بل في اليابسة ، فانظر الى تمنِّي ( كُثَيِّر عزَّة ) :

ألا ليتنا يا عَزُّ من غير ريبةٍ
..... بعيران نرعى في الخلاء وَنَعْزُبُ
كِلانا به عُرٌّ فَمَنْ يَرَنا يَقُلْ :
...... على حُسْنِها جرباءُ تُعْدِيْ وأجربُ .
إذا ما وَرَدْنا منهلاً ؛ صاحَ أَهْلُهُ
...... علينا فما ننفكُّ نُرْمَى ونُضْرَبُ !!

فالبيئةُ لها دورُها في ايجاد الصور والجمال في شعرنا العربي الأصيل .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد