كرامة عقبة بن نافع التي مهدت الطريق لفتح الأندلس

mainThumb

04-05-2025 01:09 AM

الكرامات هي الأمور الخارقة التي يجريها الله تعالى لعباده الأولياء الصالحين، وهي أن يحدث أمراً خارجاً عن المألوف والمنطق.
أولياء الله هم المؤمنون الذين أيدهم الله بالكرامات تكريماً لهم، منها إجابة دعائهم عند الحاجة، أو تأييدهم بإقامة الحجة لهم، أو خلق الطعام لهم في غير وقته، أو خلق الفاكهة لهم في غير وقتها بغير سبب واضح، أو رفع الكرب عنهم بغير سبب واضح، أو إهلاك عدوهم بغير سبب واضح، أو نحو ذلك.
وقد يجري الله تعالى كرامة عامة تخص الأمة كلها على يد أحد أولياءه، كما حدث مع التابعي القائد المجاهد عقبة بن نافع رضي الله عنه عندما فتح إفريقيا.
فقد رُويَ أن عقبة بن نافع - رضي الله عنه - لما شرع في بناء مدينة القيروان قال له بعض أتباعه: "إنك أمرتنا ببنائها في شعاري وغياض لا ترام (وهي غابات كثيفة الشجر) ونحن نخاف من السباع والحيّات وغير ذلك".

وكان في عسكره ثمانية عشر رجلًا من أصحاب رسول الله ﷺ وسائرهم من التابعين. فدعا الله سبحانه وأصحابه يؤمنون على دعائه ونادى: "أيتها الحيات والسباع نحن أصحاب رسول الله ﷺ فارحلوا عنا فأنا نازلون ومن وجدناه بعد هذا قتلناه"، فنظر الناس بعد ذلك إلى أمر عجيب من أن السباع تخرج من الشعاري وهي تحمل أشبالها سمعًا وطاعة، والذئب يحمل جروه، والحية تحمل أولادها. ونادى في الناس: "كفوا عنهم حتى يرحلوا عنها"، فلما خرج ما فيها من الوحوش والسباع والهوام والناس ينظرون إليها حتى أوجعهم حر الشمس، فلما لم يروا منها شيئًا دخلوا الشعاري مطمئنين، فأمرهم أن يقطعوا الشجر تمهيدًا للبناء، فأقام أهل أفريقية بعد ذلك أربعين عامًا لا يرون فيها حيةً أو عقربًا ولا سبعًا، فبنى عقبة أولاً دار الإمارة، ثم أتى إلى موضع المسجد الأعظم، وكان على بنيانه القديم، لم يُجدد في بنيانه، فصلى فيه وهو كذلك. فاختلف الناس في موضع القبلة الدقيق، وقالوا: (إن جميع أهل المغرب يضعون قبلتهم على قبلة هذا المسجد فأجهد نفسك في تقويمها)، فأقاموا أياماً ينظرون إلى مطالع الشتاء والصيف من النجوم ومشارق الشمس لعلهم يستطيعون تحديد موقع القبلة بدقة، فلما رأى أمرهم قد اختلف بات مغمومًا فدعا الله - عز وجل – أن يفرج عنهم، فأتاه آت في منامه فقال له: "إذا أصبحت فخذ اللواء في يدك واجعله على عنقك فإنك تسمع بين يديك تكبيراً ولا يسمعه أحد من المسلمين غيرك فانظر الموضع الذي ينقطع عنك فيه التكبير: فهو قبلتك ومحرابك وقد رضي الله لك أمر هذا العسكر وهذا المسجد وهذه المدينة، وسوف يعز الله بها دينه ويذل بها من كفر به"، فاستيقظ من منامه وهو جزع فتوضأ للصلاة وأخذ يصلي وهو في المسجد ومعه أشراف الناس، فلما طلع الصبح وصلى ركعتي الصبح بالمسلمين، إذا به يسمع تكبيراً، فقال لمن حوله (أتسمعون ما أسمع؟) فقالوا (لا) فعلم أن الأمر من عند الله، فحمل اللواء فوضعه على عنقه وأخذ يتبع صوت التكبير حتى وصل إلى موضع المحراب فانقطع التكبير، فركز لواءه وقال: (هذا محرابكم) فاقتدى به سائر مساجد المدينة، ثم أخذ الناس في بناء الدور والمساكن والمساجد، وعمرت المدينة وشد الناس إليها المطايا من كل أفق، وعظم قدرها وكان دورها ثلاثة عشر ألف ذراع وستمائة ذراع حتى كمل أمرها. وكان عقبة خير والٍ لبني أمية، خير أمير مستجاب الدعوة [١].
فكانت هذه كرامة عظيمة أنعم الله سبحانه وتعالى بها على عبده عقبة بن نافع رضي الله عنه، دفعت كثيراً من بربر إفريقيا إلى الدخول في الإسلام أفواجاً بعد أن كانوا وثنيين، فكانوا شركاء العرب في فتح الأندلس بقيادة طارق بن زياد رضي الله عنه، ولولا إسلامهم لما عبر العرب البحر إلى الأندلس لفتحها.

بقلم الباحث في التاريخ الأندلسي فادي مشاري.

__________
[١] البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب / الجزء ١ / ص ٢٠ – ٢١.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد