قال أبو هلال العسكري

mainThumb

11-06-2014 11:14 AM

لقد كتبتُ مقالةً حول قول الشاعر العربي : ( خليْلَيَّ ، أو صاحِبَيَّ ) بصيغة التثنية  ، وخلصتُ الى نتيجة وهي : أنَّ هذه التثنية مما وافق السنة في النهي عن السفر بأقل من ثلاثة أشخاص ، وقد ذكرتُ في أثناء المقالة أني مسبوقٌ بهذا الاستنباط بقول عالم قديم ولكن لم أهتدِ الى اسمه ولا المصدر الذي جاء فيه وقت كتابة المقالة .

 فانبرى للرد عليَّ في هذا الاستنباط  أخوان فاضلان في شبكة ( سحاب السلفية ) حيث عمدةُ رَدِّهما أن العرب تخاطب ( المفرد ) بصيغة المثنَّى ، واستدلوا ببعض الأبيات الشعرية على ذلك ومنها :

فإنْ تَزْجُراني يا ابنَ عفَّانَ أَنْزَجِرْ
..... وإنْ تَدَعاني أَحْمِ عِرْضاً مُمَنَّعا .

فهو خطاب لاثنين بقوله : ( تَزْجُرَاني ) ، ثم أفرد بقوله : ( يا ابن عفَّان ) .

فأحببتُ أن أرُدَّ عليهما بما ظهر لي من زيادة أدلة ، تُبَيِّنُ أن ما ذهبتُ إليه هو الصواب ، نعم هناك كثيرٌ من العرب ذهب الى القول بمخاطبة الفرد بصيغة الاثنين ، وهذا ما نقله البغدادي في خزانته ( 11 / 17 – 18 ) عند تفسير قول امرئ القيس : ( قِفَا نَبْكِ ... ) ، ولكنه ألمحَ الى ما ذهبنا اليه في أن الرفقة كانت عندهم في السفر ( ثلاثة فما فوق ) :

 ( وَحُكِيَ عن الحجاج أنَّه قال :  يا حَرَسِيُّ اضربا عُنُقَهُ  والعلة فيه أنَّ أقَلَّ أعوان الرجل في إبله وماله اثنان ، وأقلَّ الرفقةِ ثلاثة ، فجرى كلامُ الرجل على ما قد أَلِفَ من خطابه لصاحبيه ) .

ففي كلام البغدادي أن ما أَلِفَهُ العربُ في الرفقة ( ثلاثة ) فهو الغالب وهو المعتمد عندهم ، فَغَلَبَ ذلك على مخاطبة المفرد بصيغة المثنَّى ، لأنَّ العادةَ والإلفَ في السفرِ والرفقةِ ثلاثةٌ ، وهذا يؤيدُ قولَنا وما نَحَوْنا نَحْوَهُ .

وقال الزجاج تفسيرا لقول امرئ القيس : ( قِفَا نَبْكِ ... ) : ( أنَّه مُثَنَّى حقيقةً خطاباً لِصَاحِبَيْه ).
وبتوفيق من الله أثناء رجوعي لبعض المصادر لمناقشة العلامة الاديب محمود شاكر – بَرَّدَ اللهُ مَضْجَعَهُ – حول ردِّه لرواية : ( خَدَلَّجُ السَّاقين ، ممسوحُ القَدَمْ ) للشاعر رشيد بن رمضين العنزي ، وقعتُ على ما غاب عني قديما من نسيان اسم العالم الذي سبقني فيما ذهبْتُ إليه !

وهذا العالم هو أبو هلال العسكري في كتابه ( جمهرة الأمثال ) حيث صرَّح تصريحا ناصعا ، حيث قال عند تفسير المثل : ( الذئبُ خالياً أَشَدُّ )  ( 1 / 387 ) :
 
(ويروى الذئبُ خاليا أسدُ ، يريد أنَّه إذا خلا بالانسان كان أشدَّ عليه  أو كان بمنزلة الأسد في الجرأة والاقدام .وقال بعضهم : عليك بالجماعة ، فانَّ الذئب إنما يصيد قاصية الغنم ، وكان لا يسافر أقلُّ من ثلاثة ، وهذا أصلُّ قولهم في أشعارهم خَلِيْلَيَّ ، صَاْحِبَيَّ ، وأوَّلُ من ذكره امرؤ القيس :  قِفَا نَبْكِ من ذكرى حبيب ومنزل  ، قال عمر – رضي الله عنه - : لا يسافر أقلُّ من ثلاثة ، فإنْ مات واحدُ وَلِيَهُ اثنان ) .

وبهذا يصبحُ الطريق مسلوكاً  قبلنا فيما ذهبنا اليه في تفسير بِدْء الشعراء قصائدَهم بصيغة التثنية ( خَلِيْلَيَّ ، أو صَاْحِبَيَّ ) وأنَّ هذا مما وافقتْ به العربُ في جاهليتهم السنة المطهرة في النهي عن السفر بأقلّ من ثلاثة .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد