وصف المطاردة في شعر ( ذي الرُّمَّة )

mainThumb

16-06-2014 10:07 PM

لقد عزف مثقَّفونا عن موروثنا الأصيل في الشعر والأدب ، الذي يثري اللغة والذَّوقَ عند من طلبه وأحبَّه ، فهذا الامام ابن قتيبة الدينوري رمزٌ ومعلمٌ في الادب العربي، ... أثرى المكتبة العربية بِدُرَرٍ تفوق دُرَرَ البحار ، ولكن شباب اليوم لا يروقهم الاصيل من الادب بل يتهافتون على السقيم مما يُسَمَّى ( شعر الحداثة ) ! وهذا النوع من الهذيان ينطبق عليه قول الفقيه ابن دقيق العيد في الصوفي الاتِّحادي ابن سبعين :

...( جلستُ معه من ضحوة إلى قريب الظهر وهو يسرد كلاما تعقل مفرداته ولا تفهم مركباته ) !

وقد سمع أعرابي قوما يتحدثون فقال : ( أراكم تتكلمون بكلامنا في كلامنا بما ليس من كلامنا ) .

فاستمع لهذا الحداثي المهووس بماذا يهذرم :

( نرفو أعراف الديكة فوق شرائح السمك البلطي ) !!

كلامٌ غريبٌ سقيم ، ولا أدري لماذا هذا الانكباب المحموم على مثل هذه الكتابات التي يقودها ( درويش ، السمان ، كنفاني ... ) ؟!

وهذا درويش الفلسطيني يقول كلاما لا يعجز عنه الصبيان : (أحنُ إلى خبز أمي وقهوةِ أمي  ولمسةِ أمي ... ) .

( اي يا عم اتحن ولا ما اتحن )

ماهو الجديد سواء في المفردات او في الصور الجمالية ؟! كلام فارغ لا يليق الا بالاسواق ودكاكين الباعة .

ونترفع عن هذا الهذيان الذي أُبْتُلينا به في هذ الزمان ، وبالله نستدفع البلاء ، ونعيش مع تراثنا الرائع الذي نُقِشَ في ذاكرة الزمان لم تَمْحُهُ عوادي الزمان ولا البشر ، ونختار أبياتا من بيوت الشاعر الفحل ( ذي الرُّمَّة ) ، وهو يصف مطاردة بين ثورٍ وحشي والكلاب السلوقية ، قال ذو الرمة :

حتَّى إذا دَوَّمَتْ في الأرض أَدْرَكَهُ
.... كِبْرٌ ، ولو شاء نَجَّى نفسَهُ الهَرَبُ
خَزَايةً أدركَتْهُ عند جَوْلَتِهِ
..... من جانبِ الحبلِ مَخْلُوطاً به غَضَبُ
فَكَرَّ يمشقُ طَعْناً في جواشِنِها
..... كأنَّهُ الأجرَ في الإقبال يَحْتَسِبُ .

ففي البيت الأوَّل يصف مطاردة السلوقيات لهذا الثور حيث انْطَلَقتْ وراءه وابتعدتْ به أثناء المطاردة فإن الرائي لهذا المنظر من بعيد يراها تدور في منطقة محددة وهذا هو ( التّدْويم ) ، ومن مارس الصيد عرف ذلك ، إلا أن الثور الوحشي أدركه ( كِبْرٌ ) في تلك اللحظة وهو يستطيع النجاة والهرب من هذه الكلاب المُعَدَّة للصيد ، ولكنه آثرى الوقوف لها وعراكها بقرونه المدببة وكل ذلك كبرٌ منه وإباءٌ !

ومن جميل المعرفة أن وقوف الثور لهذه الكلاب جاء عند ( حبل الرمل ) هو الكثيب ، والثور أسرع ما يكون في هذه الحبال ، ولكنه شعر بالخزي واستحيا أن يفرَّ من هذه السلوقيات مع شيء من الغضب اعتراه .

فالثور يشعر بالخزي بفراره من هذه الضاريات ؛ فقرر الوقوف والمواجهة .

ثمَّ عاد لها ( فكَرَّ ) يمشقها بقرونه المدببة ، والمشق هو الطعن الخفيف مع سرعة في ذلك ، وذلك بسبب كثرة السلوقيات حوله فهو يعطي كلَّ واحد نصيبه من الطعن ، وبسرعة خاطفة حتى لا تتمكن الكلاب من اعتلائه او الامساك به .

وكان طعنُهُ منصبَّا على جواشن هذه الضواري ، والجواشنُ جمع ( جوشن ) وهو الصدر ، فكأنَّه فارس يعرفُ مواطنَ الموتِ من خصمه ، وهو خبيرٌ بمواضع القلوب !!

ثم ننظر لهذا الوصف الماتع حيث يصف الشاعرُ شجاعة هذا الثور في كَرِّه على الضواري ولم يجد شجاعة واقبالا على القتال الا بشجاعة المجاهد في سبيل الله يحتسب الاجر ويدَّخر المثوبة عند الله !!

( كأنَّه الأجرَ في الإقبال يحتسبُ ) صورةٌ لو اجتمع كل شراذم الحداثة ما استطاعوا احضارها واستحضارها ، صورة تدلُّ على ارتباط شعرائنا بما يعتري المجاهد في سبيل الله من همة ومن شجاعة حتى وَظَّفوها في خصائص وصور شعرهم السامق .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد