ندم وغضب

mainThumb

21-05-2009 12:00 AM

أسوأ الحالات التي يمر بها صحافي اضطراره للسكوت على ما يجب ان يُقال ويُنشر, وان يكون في متناول الرأي العام كحق من حقوق المواطن. ورغم كل ما اسمعه, من اصدقاء وقراء من ثناء على سقف »العرب اليوم« المرتفع, في الخبر والمقالات, إلا انني اعترف بأننا مثل غيرنا من الصحافيين نعيش احيانا وضع القردة الافريقية الثلاثة التي لا ترى لانها تغمض عينيها بيديها, ولا تسمع لانها تسُد أذنيها, ولا تتكلم لانها تغلق فمها طواعية.

ولان الاعتراف جزء من الندم, فإن اكثر ما يشعرني بالندم كرئيس للتحرير وكاتب مقالة هو رؤية فاسدين ينفذون بريشهم, يتركون مواقعهم من دون ان تُتاح للصحافة فرصة تسليط الاضواء على ما فعلوا اثناء جلوسهم على الكراسي او ما خرجوا به من غنائم من المال العام وباستغلال النفوذ في التجارة وجني المال السحت.

هذا الندم ينقلب غضبا عندما ترى هؤلاء يتعاملون مع الوطن والمواطن باستعلاء وكأنهم ولدوا في افواههم ملاعق من ذهب, ونشأوا وهم على الكراسي وفي مواقع المسؤولية, يتصرفون وكأن من حقهم على الشعب ان يتمتعوا بالامتيازات التي جنوها من استغلال الوظيفة وان من حقهم على الدولة ان يحتلوا المناصب والمواقع.

اما انت, الصحافي والمواطن, فلا تملك »الحق« لتسألهم: من اين لكم هذا? هذا الثراء المفاجئ والمنازل »المليونية« والسيارات الفارهة, وانتم لم تعملوا الا موظفين في هذه الدولة التي يُعرف فيها راتب الوزير والسفير والأجير وكلها لا تصنع ثروة ولا تخلق طبقة مخملية!

لا تملك حرية طرح السؤال, ليس عجزا, ولكن لان النشر والكتابة يتطلبان معلومات, والمعلومات من المستحيل الحصول عليها, فليس امامك الا وقائع جريمة الفساد, لكن الادلة غائبة تماما. وأعجب من حديث عن محاربة الفساد لا يبدأ بطرح سؤال: من أين لك هذا, على كل مسؤول يتحدث الناس عن ما كان عليه وما آل اليه خلال سنوات خدمته في الوظيفة الحكومية.

أمامي مثالان, من ايرلندا; قصة تلك الصحافية المشهورة التي تصدت لعصابات المافيا في بلادها فقرروا تصفيتها في الشارع, وبينما كانت جميع الدلائل تشير الى هوية مرتكبي الجريمة إلا ان الاحكام تتطلب ادلة والادلة مفقودة فتحولت قضيتها الى قضية شعبية في ايرلندا مما دفع بالبرلمان والحكومة الى إقرار قانون بملاحقة زعماء المافيا ونجحوا في ذلك تحت مظلة وضع قانون من أين لك هذا? وكانت النتيجة ان دخل الفاسدون جميعا الى السجون.

المثال الآخر, تصريح لصحافية بريطانية سمعته وشاهدته امس الاول على قناة اوروبا الاخبارية حول »فضائح المصروفات« المتورط فيها نواب ووزراء وسياسيون, تتساءل الصحافية: هؤلاء السياسيين لا زالوا يعتقدون اننا لا زلنا نعيش في العصور الوسطى, لا يريدون منا ان نسأل كيف ولماذا ينفقون كل باوند من الاموال العامة?!!

للصحافة ان تسأل; لكن هذا جانب, أما الجانب الاهم ان تتوفر لدى الحكومة الرغبة والمسؤولية في الاجابة على كل سؤال حول اي قضية, ومنها وفي مقدمتها ايجاد المناخ القانوني والاداري لطرح سؤال من أين لك هذا? الذي يصلح لان يوجه لكل مسؤول سواء اثناء وجوده على رأس عمله او بعد ان يتركه. ونتطلع الى اليوم الذي تبادر فيه اجهزة الحكومة بتوفير المعلومات حول القضايا او التساؤلات التي تثيرها الصحافة, لا ان تختبئ خلف الجواب المكرر الذي تلقيه بوجه الصحافة: هاتوا المعلومات والوثائق لتثبتوا ما تنشرون. وكأن مهمة الوصول الى الوقائع والحقائق تقتصر على الصحافي لا على الدولة واجهزتها.0العرب اليوم



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد