المعركة واتخاذ القرار

mainThumb

27-08-2007 12:00 AM

كان يوليوس قيصر ( التاريخي ) يسير على الحدود بين إيطاليا وفرنسا، مع جيشه الجرار : بفرقه المتعددة، ومعداته المنوعة، وآلياته الثقيلة والخفيفة، حين واجهته عقبة كبيرة لم يبلغه عنها أولئك الذين كانوا يستطلعون له الطريق : لقد كان نهر الروبيكون يتدفق من أعلى بغزارة فائقة، ويسد الطريق في وجه الجيش الزاحف ويمنع تقدمه، وكان على يوليوس قيصر أن يتدبر الأمر، ويتخذ القرار! لقد وجد قيصر نفسه أمام خيارين : إما أن يجمع جيشه ويقفل عائدا من حيث أتى، أو أن يعبر النهر، ويخوض معركة عظيمة على الضفة المقابلة وينتصر! هناك، وأمام هذا التحدي الكبير، وقف يوليوس قيصر يتأمل الموقف، وقد أدرك أنه يواجه لحظات عصيبة في حياته، ثم اتخذ قراره حين قال عبارته المشهورة التي خلدها التاريخ حتى اليوم : الآن، أنا عبرت النهر ٌُّخ)، . ( I cross the rawbicon وبالفعل فقد عبر مع جيشه النهر وخاض معركة عظيمة وانتصر .

لقد أدرك قيصر أن اتخاذ القرار الصائب المبني على رؤية ثاقبة شاملة هو أساس أي نجاح مستقبلي قادم، وأن الخيارات أحيانا قد تكون ضيقة ومحدودة وقاسية وبالغة الدقة، ولكن يمكن للقائد صاحب الرؤية الثاقبة أن يرى النصر، والصورة القادمة التي ستكون عليها الأمور من مكانه الذي اتخذ فيه القرار، إذا توافرت له الإرادة والعزم على تحقيق النجاح، فقد رأى قيصر النصر الذي حققه في المعركة التي سيخوضها على الضفة الأخرى قبل أن يصل إليها، وذلك حين قرر أن يعبر النهر! صحيح أن الإرادة الحرة تصنع الشعوب العظيمة، ولكن الشعوب العظيمة بالمقابل تحتاج دائما إلى الإلهام، والإلهام يأتي من القادة الناجحين، سواء كبرت مواقعهم أو صغرت، وإذا كان ثمة عبر يمكن أن تؤخذ من مثل هذه الحكاية فهي كثيرة، ويمكن لأي واحد منا أن يراها من زاويته .

فاتخاذ القرار المستقبلي الصائب يحقق السعادة للفرد والأسرة، ويتم على أساسه وضع الخطط التنموية : الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والإعلامية في المجتمع، لنقل الناس نحو آفاق من التميز والإبداع . واتخاذ القرار الصائب ينجي الأمم الحية من الوقوع في براثن الخديعة، ومآسي الحروب العبثية، والانزلاق نحو هوة التناحر والنزاع! غير أن ما يميز عملية اتخاذ القرار أنها ليست نهائية، وإنما قد يجد الفرد أو / القائد نفسه في مواجهة سلسلة من الخيارات والمتغيرات التي تحتاج في كل مرة إلى اتخاذ قرار جديد، من أجل دفع الأمور نحو مزيد من النجاح وتحقيق الأهداف . وإذا كان المسؤول (مثلا ) يفتقد إليهذه الصفة فإن النتيجة تكون التخبط والفوضى والعشوائية وعدم اتساق النتائج مع الأعمال المؤدية إليها، بل قد نلحظ أحيانا سعة الهوة بين عناصر المدخلات والمخرجات، وتلك معضلة أخرى .

فاتخاذ القرار عملية عقلية ووجدانية ومعرفية ونفسية، وهي تشبه إلى حد كبير لعبة شطرنج، يحتاج تحريك كل قطعة فيها إلى قرار مدروس يضع في اعتباره النتائج القريبة والبعيدة، وما سيترتب على كل خطوة من عقبات تحتاج بدورها إلى حلول واتخاذ قرارات جديدة صائبة حتى الوصول إلى النتيجة النهائية وهي الانتصار . إذ نحتاج إلى القرار الصائب دائما ونحن نخوض معركة الحياة، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الأوطان، ولهذا علينا إعداد الجيل القادم على أساس من المعرفة والوعي والمسؤولية والالتزام، إذا كنا نخطط للمستقبل ولمزيد من النجاح وتحقيق الإنجازات .


reemmr42@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد