تقلبات السياسة الأمريكية وازدواجياتها

mainThumb

24-08-2007 12:00 AM

التخبط الذي تعيشه الدبلوماسية الأمريكية لا يليق بدولة عظمى ، بل ولا يليق بمنظمة أو فصيل حزب سياسي من الحجم المتوسط ، بيد أن لتخبط واشنطن أثمانا باهظة يتعين على شعوب دول أخرى أن تدفعها ، وأحيانا تضطر الولايات المتحدة إلى المساهمة في تسديدها من كيسها الخاص كما يحدث في العراق. في لبنان على سبيل المثال ، صدرت عن واشنطن ، وخلال أربعة وعشرين ساعة فقط ، ثلاثة مواقف من الاستحقاق الرئاسي: الأول ، عن مديرة دائرة المشرق في الخارجية أعربت فيها عن قبولها بتعديل الدستور اللبناني إن تم ذلك بالتوافق لاختيار رئيس للجمهورية من موظفي الفئة الأولى (العماد سليمان أو المحافظ سلامة) ، والثاني عن جيفري فيلتمان أكد فيه على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري ومن دون تعديل الدستور ، والثالث ، توضيحي عن غير ناطق أمريكي يستعين بالقرار الدولي 1559 لتوضيح موقف واشنطن من الاستحقاق الرئاسي ، وهو صيغة تبقي الباب مفتوحا لمختلف التأويلات.
وفي العراق ، على سبيل المثال أيضا ، كانت الفضيحة مدوية ، وهذه المرة على لسان الرئيس جورج بوش شخصيا ، الذي اتخذ خلال أربع وعشرين ساعة فقط ، موقفين متناقضين من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ، فهو تارة مخيب للآمال لكن أمر تغييره منوط بالعراقيين وحدهم ، وهو في اليوم التالي "رجل طيب" استحق دعم واشنطن في السابق ويستحق دعمها اليوم. في لبنان ، أظهرت مديرة "المشرق" في الخارجية الأمريكية انفتاحا غير ملحوظ على مختلف المرشحين للرئاسة ، واكتفت بطرح شرط واحد ، أو بلغة المواصفات والمقاييس صفة واحدة في الرئيس الجديد: أن لا يكون قريبا من حزب الله الموالي لإيران.
وفي العراق ، تعتمد الولايات المتحدة في حربها على النفوذ الإيراني في العراق على عملاء إيران ، وهي دعمت رجالات طهران في الحكم وتواصل دعمهم لليوم ، بل وترى فيهم خشبة خلاص العراقيين وخشبة خلاصها من العراق. في العراق أيضا وأيضا ، نهضت السياسة الأمريكية في الأشهر الأخيرة على ضرورة إحداث التوازن في النظام السياسي العراقي وإشراك العرب السنة في هذه النظام بصورة أفضل ، ولكنها مع ذلك لم تجد غضاضة في دعم "جبهة المعتدلين" التي تضم شيعة وأكرادا ، إذ كيف يمكن لائتلاف من هذا النوع أن ينشأ من دون ضوء أخضر أمريكي ، وإذا كانت للقوى الشيعية المشاركة فيها مرجعية إيرانية (ثانية) إلى جانب المرجعية الأمريكية (الأولى) ، فكيف يمكن تصور قيام الأحزاب الكردية بخطوة من هذا النوع من دون موافقة أمريكية؟.
في لبنان ، هناك "غيرة" أمريكية على الدستور ، وفي فلسطين ينتهك النظام الأساسي (الدستور) من دون أي اعتراض أمريكي من أي نوع ، حتى أن حكومة فيّاض المطعون بشرعيتها الدستورية ، لم تتوان عن طرح الخطط الثلاثية لكأنها باقية أبدا ، وسط إشاعات وتمريرات تتحدث عن دعم أمريكي لفيّاض للحلول محل عباس في انتخابات الرئاسة القادمة ولوراثة فتح والمنظمة والسلطة ، مع أن الرجل بالكاد حظي بمقعد واحد في التشريعي وأخفق في إقناع الشخصية الثانية في قائمته (د.حنان عشراوي) في الانضمام لحكومته.
في فلسطين ، دعمت واشنطن الانتخابات المبكرة واعتبرتها احتكاما ديمقراطيا لإرادة الشعب ، وفي لبنان تنظر إليها كحلقة من مؤامرة محور الشر السوري الإيراني ، ويبلغ الأمر بالسفير فيلتمان حد الدخول في السجال المحلي اللبناني من بوابة "الردح" على طريقة جعجع - جنبلاط من ائتلاف 14 آذار ، وناصر قنديل - وئام وهّاب من معسكر 8 آذار. بعد ازدواجية المعايير ، تعاني السياسة الأمريكية في المنطقة من الاضطراب والتبدل والتقلب ، وبصورة جعلت من الولايات المتحدة دولة "عالمثالثية" بامتياز.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد