اعيدوا لي كل ذلك

mainThumb

18-08-2008 12:00 AM

"الغربة للرجال" وانا رجل بالطبع, غير انني لا اطيق الغربة, مراهق في عز الاضطراب, وحقيبة فقيرة, وخطوات اولى في "شارع الرشيد" الضيق:

عبثاً احاول ان اتأقلم مع الزحام المبهم.. ومع الايقاع الصاخب للمرور والعبور.. ومع صياح باعة الماء البارد في ذلك الصيف القائظ... ومع الباصات الحمراء التي تحمل على كاهل حديدها طابقين من الركاب.. ومع اللغط باللهجة غير المألوفة.

اوبخ نفسي على انني نجحت في الثانوية:

ما كان ينبغي اصلاً ان اكبر. كان يتوجب ان يبقى حضن امي هو الملاذ "يفشخني" الاتراب في الحي.

كان يتوجب ان تبقى حصة الحساب هي "البعبع" الذي نرهبه جميعاً. كان يتوجب ان اواضب بهمة عالية والى الابد, على التبول الليلي.

كان يتوجب ان تستمر الشقاوات المدرسية: سرقة اقلام الرصاص من التلميذ المجاور.

محاولة الغش حين يكون السؤال متعلقاً بجدول الضرب المقيت. التقسيم غير المنصف لقطعة الخبز المدهونة بالسمن والمرشوشة بالسكر. القفز عن السور العالي في الفسحة. عقوبة مربي الصف حين نهمل قص الاظافر التحرش بأولاد الصف السادس الابتدائي "ب".

القرش الذي ضاع فانهمك عشرون تلميذاً في البحث عنه. ولي الامر المزيف الذي وعد المدير بأن نكف عن الرعونة, افشاء الاسرار ذات المساس بالتلميذ الشاذ. اغلظ الايمان التي حلفناها زوراً وبهتاناً.

اعيدوا لي كل ذلك. اعيدوني الى امي.. الى ابريق الشاي الحبيب الى الوجبة الدسمة يوم الجمعة.. الى العتبات الحافلة بثرثرة المغرب.. الى خرقة الماء المبلولة على الجبين المحموم..

اعيدوا لي كل ذلك?./العرب اليوم/



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد