أكثر من قضية شخصية

mainThumb

09-08-2008 12:00 AM

حصل نجلي معتصم على معدل 89 بالمئة في التوجيهية, ولكنه يرفض الدراسة في الجامعة. إنه يعتقد بأنها مضيعة للوقت والجهد, تماما مثلما كانت المدرسة بالنسبة إليه " بلا معنى", وهو قدم امتحان التوجيهي, عازفا بلا اهتمام, فقط لإرضاء والدته وجدتيه, لكنه لا يريد الآن الخضوع لرغبات نساء العائلة مرة أخرى.

لا يكره معتصم تحصيل المعارف والمهارات. بالعكس, إنه جاد جدا في هذين المضمارين إلى درجة الإرهاق, لكنه لا يجد في النظام الجامعي القائم ما يحقق طموحه. وهو يريد تصميم تحصيله الجامعي الخاص بوساطة التعلم الذاتي المشفوع بدورات قصيرة مكثفة يختارها بنفسه وفقا لحاجاته المهنية. وهو يقول إنه لا يريد أن يهدر أربع سنوات في الذهاب والإياب إلى الجامعة في زحمة المواصلات وتكلفة الإنفاق اليومي المتصاعدة من أجل التقيد بمناهج فات زمانها وبرنامج مقيد ودوام طويل هادر للوقت بين محاضرة في الساعة الثامنة صباحا وأخرى في الثالثة بعد الظهر, وبينهما زمن سائب في انتظار حضور محاضرات مملة وتدوين ملاحظات مكررة وعقيمة ومختصرة, متوفر ما هو أفضل منها واوسع واذكى على الانترنت. أما بالنسبة للتدريب, فعلاوة على أنه غير موجود في النظام الجامعي, فإنه يمكن الحصول عليه على ايدي أساتذة متخصصين أو في دورات مختارة قصيرة.

معتصم, من حيث يدري أو لا يدري, يقترح, بذلك, نظاما جامعيا ديناميكيا وفعالا كالذي تم التوصل إليه, جزئيا, في أنظمة جامعية غربية, ولكنه يريد ممارسته الآن, وفي الأردن, وفي أعلى أشكال تطرفه, حيث اختيارات التعلم غير مقيدة, إطلاقا, سوى برغبة الطالب, وميوله, واحتياجاته المهنية الذاتية.

سأحاول إقناع معتصم بالسفر للدراسة في بلد يتيح نظامها الجامعي له أن يمارس جزءا من خياراته. لكن هذا الاقتراح لا يراه ملائما إلا لفترة محدودة بدورة قصيرة ضرورية في مجال ما.

ورغم المخاطر, والضغوط الاجتماعية, سأدعم خيار معتصم حتى النهاية, ليس لأنني والد ديمقراطي, ولكن لأنني مقتنع تماما بوجهة نظره, بحيث انني رأيت أنه من الملائم وضعها امام الرأي العام. وفي رأيي انه, باستثناء الكليات المهنية كالطب والهندسة التي تحتاج إلى معالجة خاصة لست اهلا لها, فان الجامعات أضحت غير منتجة للكادرات في الحقول الإنسانية والإدارية والمجتمعية.. الخ وهي تصدر الآلاف من الخريجين الفائضين عن الحاجة وغير المؤهلين للقيام بأعباء وظيفية من دون إعادة تأهيل شاقة. وسأضرب مثالا من عملي في مجال النشر: لا يوجد أكثر من خريجي وخريجات اللغة العربية, ولكنني لم أعثر على محرر كتب واحد يعتمد عليه خلال عقد كامل من البحث من بين أصحاب البكالوريوس والماجستير والدكتوراه. وأنا أتعاون, أحيانا, مع محرر جيد من خريجي قسم الكيمياء! ومن الواضح أنه حاز على قدراته بالدرس على نفسه. ويعاني مدراء التحرير في الصحف من ضعف نصوص الخريجين المتخصصين, سواء في الصياغة أم التركيز أم اللغة أم الإملاء, إلا م?Zن كان مخلصا ودرس على نفسه.

وفي تجربتي الشخصية, فإن كل الفريق المهني الذي أتعاون معه, لم يحصل على شهادة جامعية, ولكن على تدريب مكثف مشفوع بالرغبة في تحصيل المهارة وتحصيل العيش. ومن هؤلاء معاونتي التي ترقن خمسين كلمة في الدقيقة من دون اخطاء تقريبا, وتدقق النصوص, وتدير موقعا الكترونيا, وتخرج الكتب والنشرات, وتعالج بنفسها مشاكل حاسوبها, وتنظم الملفات بكفاءة من دون أن تكون قد حصلت على دراسة جامعية. والمؤسف ان نظام التعيين في المؤسسات يقيم الأشخاص وفقا لشهاداتهم أو معدلاتهم وليس وفقا لكفاءاتهم العملية.

الهدف من الجامعات هو انتاج كادرات مؤهلة لخدمة الاقتصاد والمجتمع. وطالما أن الجامعات لا تحقق الهدف المنشود من وجودها, فقد حان الوقت لإعادة النظر, جذريا, في نظامها التعليمي, مثلما حان الوقت لتغيير نظام التعيين بحيث يقوم على أساس الكفاءة, لا على أساس الشهادة. فلعل ذلك يخفف الضغط على الجامعات من جهة, ويحسن أداءها من جهة أخرى.العرب اليوم



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد