ألا تتفقون معي أن الأرض السورية أصبحت أشبه بملعب كرة القدم يريد كل لاعب فيه أن يثبت وجوده في مكان تمركزه والسيطرة قدر الإمكان على المنطقة المحيطة به. في سوريا كل طرف لاعب له وجود فعلي على الأرض يتصرف وفقا لأهوائه ومصالحه. لكن من هم هؤلاء اللاعبون الذي أتوا إلى الأرض السورية العربية التي استبيحت بفعل سياسات شخصية طائفية ممجوجة لم يهمها في النتائج من أفعالها وتصرفاتها خلا المحافظة على نفسها وعلى الطائفة التي تنتمي إليها.
تركيا لاعب رئيس، ترددت في الفعل قدرا من الزمن برغم تصريحاتها النارية بحق النظام على مدى سنوات الحرب الدائرة في هذا البلد العربي الذي لم يعد كما كان يريده أهله. ها هي تركيا تتدخل عسكريا في سوريا بعد موافقة أمريكية وروسية، وفقا لسياسات تبادل المصالح، والهدف الرئيس لها ربما ليس محاربة داعش على وجه التحديد بقدر ما هو منع قيام كيان كردي مستقل في الجنوب السوري، لو حدث أن قام، لكان له تأثيره السلبي الكبير على الأرض التركية، بفعل النزعة الانفصالية التي يؤمن بها الأكراد في تركيا، والحرب طويلة الأمد التي ما برح حزب العمال الكردستاني يخوضها ضد الدولة التركية لتلك الغاية.
ماذا عن إيران؟ على ضوء النفوذ الإيراني المتزايد في العراق، كان لا بد من وجود حلقة وصل ورابط بين الأراضي الإيرانية السورية عبر العراق، خدمة لحزب "الله" الذي صنعته في لبنان، ويصرح رئيسه على الملأ بأنه تمويله وإمداده بالمال والسلاح يأتي من إيران وإيران وحدها، كيف لا، وكل ما يحدث لا يشير إلا إلى أن هذا الحزب هو أحد الأذرع الرئيسة للحرس الثوري الإيراني الذي يتبجح بتواجده في العراق وسوريا ولبنان واليمن، إضافة إلى كونه صاحب أهداف أخرى ربما في دول أخرى، كما الحال الذي يحاولون فيه إثارة القلائل في البحرين على سبيل المثال، ودعم الأعمال الإرهابية فيها ، ولا يمكن للجهتين، إيران وحزب الله، بسوى ذلك، إلا اللجوء إلى طرق أخرى، وهو ما لا يريده الطرفان، فكان الوقوف إلى جانب النظام في سوريا هو الغاية التي تبقي على هدفهم كما خططوا له، ولا يستثنى في هذا السياق، أيضا، الربط ما بين الوضع السائد في لبنان وعدم انتخاب رئيس له، والوصول إلى حل في سوريا يبقي على حلقة الوصل قائمة ما بين البلدين، وصولا ربما إلى حل دائم مع الكيان الإسرائيلي في المستقبل على حساب لبنان، وفرض الهيمنة الإيرانية عليه من خلال الحزب الذي انتفت أسباب وجوده على الأرض اللبنانية بانتهاء الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني.
روسيا بدورها، لم تجد منفذا تعود من خلاله إلى تقديم الأدلة والبراهين على كونها قوة عظمى تلعب دورا قياديا في العالم وفي مياه المتوسط تحديدا إلا من البوابة السورية وسيطرتها على جزء من الأرض السورية. فها هم الروس جعلوا لهم موضع قدم في الأرض السورية بريا وجويا وبحريا ويتصرفون كما لو أن سوريا قطعة من الاتحاد الروسي، وكل ذلك بفعل الموقف الدولي المتردد حيال التوصل إلى حل دائم يوقف نزيف الدم الذي يعاني منه الشعب السوري واستباحة أرضه ومقدراته وتدمير بنيته التحتية، سيما مع الانسحاب الأمريكي من المنطقة بعد التوصل إلى الاتفاق النووي المعروف مع إيران، وهو ما استغله الروس بالطريقة المثلى لصالحهم.
أما إسرائيل فليس أدنى ثمة شك بأنها تبقى المستفيد الأكبر مما يحصل في سوريا وفقا لصلاتها بروسيا وإيران ثم تركيا بعد عودة العلاقات بينهما إلى سابق عهدها. فالجيش السوري أنهك من قبل النظام في محاربة شعبه، وتحول إلى جيش طائفي محض همه حماية الطائفة العلوية في البلد، ولم يعد يشكل أي تهديد يذكر للكيان الإسرائيلي الذي تستبيح طائراته الحربية الأجواء السورية بالطريقة التي تشاء. وتبقى الجولان الهضبة المحتلة الشغل الشاغل لإسرائيل، وربما أن الكيان الإسرائيلي يعمل على التوصل إلى تفاهمات مع الروس والإيرانيين وربما النظام يتم بموجبها التخلي عن الهضبة بصفتها جزء من الأرض السورية، وإغلاق هذا الملف إلى الأبد في أروقة المنظمات الدولية. لكن هؤلاء لا يعلمون أن ثمة شعبا صاحب تاريخ متجذر قاوم عتاة المستعمرين حتى خرجوا من أرضه ولن يقبل بما يخطط له المتآمرون عليه وعلى أرضه.
كاتب ومحلل سياسي