الشعارات السياسية عند العرب مدارس للتضليل أم أداة للحكم ؟

mainThumb

03-06-2007 12:00 AM

بقلم : حمزة عليان *

لست من هواة الإنسلاخ عن واقعهم أو التبرؤ منه فنحن في النهاية جزء من هذا الحراك والمجتمع القائم بكل ما يحمله من مآسي وإنكسارات، وما نكتبه أو نفكر به هو مرآة عاكسة لما يجول في النفس وما يذهب به القلم أو ما ترسمه الأحداث. مواسم هذه الأيام تزخر بالكتابة عن الشعارات في إطار ما يدور من سجالات في العزيزة مصر حول دخول "الإخوان" بشعار "الإسلام هو الحل" أو غيره من الشعارات. والنقاش حول الشعارات هو أشبه بالولوج إلى العقل العربي الذي يمتلئ بها ويفيض عنه، فنحن ولله الحمد نستهلك من الشعارات أكثر ما نستهلك من عدد لترات الحليب باليوم الواحد، فلا يكاد يختفي شعار إلا ويولد آخر مكانه، وهذا ما يؤكد القدرة بالتوليد، سواء كانت توليد أفكار أو تكاثر بالنسل.
شعار "الإسلام هول الحل" يقال أن أصله من إختراع الإنكليز الذين كان لهم باع طويل في بنيان وتنشئة "حركة الإخوان" ويبدو أن الدهاء الإنكليزي صبغ هذا الشعار الذي يحمل قدراًً كبيرا من التضليل ببساطته ومعناه ولذلك أخذ هذا المنحى من الجدل المحتدم والمعارك الكلامية التي كالعادة تستهلك العقول قبل أي شيء آخر مستحوذه على المماحكات والمحاكمات السياسية وتدخلنا في نفق من المزايدات ودوائر الإتهامات.
والشعارات بحسب علماء الإجتماع لها مدارس تختلف بإختلاف البيئة والثقافة السياسية السائدة ونحن من مدرسة تشبعت بالشعارات غير الواقعية وعلى مدى الخمسين سنة الماضية وأغلبها شعارات رفعت وصممت لخدمة أنظمة سياسية وحكام أفراد إعتاشوا عليها وكبروا بها. الوحدة والحرية والإشتراكية كانت من الشعارات الرائجة في زمن إعلان الوحدة السياسية وهي تجربة إنتهت بالفشل لأنها لم تكن تحاكي الواقع كما هو بل قفزت إلى عناوين فضفاضة بالأساس وجهت لخدمة الأنظمة والحكام العرب
الذين كانوا على سدة الحكم.
كلنا يذكر شعار أحمد الشقيري أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية من البحر إلى النهر ثم جاء خلفه عرفات بشعار ثورة حتى النصر وحرف (V) الشهير الذي لم يبارحه بلحظة حتى قبل أن يرى القدس الشريف وكان تبرير رافعي الشعارات هذه أنها لمصلحة إستقلالية القرار الفلسطيني لكنها إنتهت إلى أن تسلمت إسرائيل هذا القرار و بالتعاون مع الشرعية الدولية. وأيام القوميين العرب وهم الأكثر غزارة بإنتاج الشعارات والبارعين فيها نذكر شعار بترول العرب للعرب وهو حقيقة شعار جميل لكن الواقع يقول غير ذلك، وفي هذا الشأن كان المرحوم عبدالله الطريقي رجل النفط العربي يضع هذا الشعار على غلاف المجلة النفطية التي كانت يصدرها في بيروت في أواسط الستينات من إيمانه بصدقية الشعار الذي تبين أنه من الأحلام الوردية التي تحاكي شرائح واسعه في العالم العربي.

لن ندخل في تصنيف الشعارات وما إذا كانت موجهة للخارج كالعدالة الإجتماعية وسيادة القانون أم أنها شعارات إجتماعية تخاطب غالبية التجمعات العربية بالداخل المهم في الأمر أن الشعارات السياسية غالبا ما كانت ترتبط بأشخاص بحيث تبرز دور الزعامات لكي تلتف حولها الجماهير!
لنأخذ مثلا شعار تحرير فلسطين الذي تغنت به معظم الأنظمة والأحزاب العربية وقامت على اشلائه بل وسخرته لخدمتها وإستعملته مطية لقمع شعوبها وإستغلال ثرواتها تحت حجة تحرير فلسطين، يعني كان هناك وما زال إستغلال
بشع للشعارات الكبيرة التي يختبئ تحتها ويمارس ما يحلو له طالما أن لديه غطاء سياسي يسمح بأن يفعل ما يشاء .. هناك العديد من الأمثلة على حكام وأنظمة عربية إستغلت الشعارات السياسية لدغدغة مشاعر "الجماهير" بهدف تكريس النظام وإحتواء المعارضة وإبعاد المشاركة بالسلطة والإستفراد بها.. وفي فترة تمتد لعشرات السنين عمل القوميين العرب على تبني شعارات إشتراكية سحبوا فيها البساط من تحت أقدام الحركات والأحزاب اليسارية التي إستوردت شعارات من الخارج دون النظر إلى خصوصيات المجتمع العربي، وكانت غريبة عن أهله وعن تاريخهم وإنتماءاتهم الدينية والثقافية.
شعارات مقدسة وأخرى كاذبة وأقلها غير واقعية، تتعرض اليوم لإختبارات على الأرض بعدما إستهلكت بما فيه الكفاية لكنها تتبدل بحسب الجهة التي تستخدمها والمضامين التي تحملها، هل هي دينية أم تسويقية أم دعائية أم تجارية محضة.. وكل شعار وأنتم بخير..
 

* مدير مركز القبس للدراسات الاستراتيجية - الكويت



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد