حساسية اللاكتوز: هل تفسر كراهية شرب الحليب؟

mainThumb

24-10-2010 09:02 PM

من البديهي جدا تعدد الأذواق واختلافها وان يكون لكل شخص منا ما يحب وما يكره من المأكولات. ولكن من المجافي للصواب أن نربط تعدد الأذواق بمجمله بعوامل نفسية واجتماعية مجردة بعيدا عن العوامل الفسيولوجية والطبية والتي تعنى بطبيعة العلاقة ما بين الغذاء وجسم الإنسان من حيث دورها في رصد وجود أي خلل في مقومات التكيف الطبيعية في تعامل أجهزة وأعضاء جسم الإنسان مع هذا الغذاء وانعكاس ذلك على عاداتنا الغذائية. فعادة تعزى محبة وكراهية شرب الحليب عند الكثير من الناس لأسباب نفسية ويخفى وجود أسباب فسيولوجية أسست لتشكيل هذه العادات الغذائية عند البعض. وإحدى أوضح هذه الأمثلة على الأسباب الفسيولوجية في حالة الحليب هي حساسية اللاكتوز (Lactose Intolerance or Hypolactasia).

سكر اللاكتوز

سكر اللاكتوز (Lactose Sugar) هو سكر ثنائي (Disaccharide) بمعنى أن الجزيء الواحد منه يتكون من ارتباط جزيئين من السكريات الأحادية (Monosaccharides) احدهما هو سكر الجلوكوز (Glucose) والأخر هو سكر الجلاكتوز (Galactose). ويسمى سكر اللاكتوز أيضا بسكر الحليب لاقتصار وجوده في الطبيعة على الحليب ومشتقاته دون غيرها من الأغذية حيث يحتوي الكوب الواحد من الحليب على حوالي 12 غرام من سكر اللاكتوز. ويمتاز سكر اللاكتوز بانخفاض درجة حلاوته مقارنة مع السكريات الأخرى حيث تعادل درجة حلاوته خمس درجة حلاوة سكر السكروز (سكر المائدة) وقد تكمن أهمية ذلك في إفساح المجال للرضيع ( سواء أكان إنسان أم حيوان ) لتناول كمية اكبر من الحليب لما لزيادة درجة الحلاوة اثر في تسريع الشعور بالشبع.

هضم سكر اللاكتوز

بعد عبور سكر اللاكتوز مع مكونات الطعام الأخرى للفم والمريء والمعدة يصل إلى الأمعاء الدقيقة حيث تنجز هناك عمليتي هضم وامتصاص السكريات. يتم هضم سكر اللاكتوز بوساطة إنزيم يسمى إنزيم اللاكتيز (Lactase Enzyme) وهو إنزيم مرتبط بالغشاء الخلوي الخارجي (Membrane Bound Enzyme) لخلايا الامتصاص (Enterocytes) والتي بدورها تبطن التجويف الداخلي للأمعاء الدقيقة. وخلايا الامتصاص هذه غير قادرة على امتصاص سكر اللاكتوز مباشرة لكونه سكر ثنائي فهي قادرة على امتصاص السكر الأحادي فقط, لذا يقوم إنزيم اللاكتيز عند ارتباطه بجزيء من سكر اللاكتوز بتفكيكه إلى جزيئين من السكريات الأحادية هما سكر الجلوكوز وسكر الجلاكتوز والتي يتم امتصاصها مباشرة عن طريق ناقلات خاصة موجودة في الغشاء الخلوي لخلايا الامتصاص.

مفهوم حساسية اللاكتوز

في حال عدم وجود إنزيم اللاكتيز أو حدوث تناقص ملحوظ في فعالية الإنزيم (Enzyme Activity) أي في تركيزه في الغشاء الخلوي لخلايا الامتصاص فان ذلك يعني إيقاف أو على الأقل إعاقة عمليتي الهضم والامتصاص وعندها يكمل سكر اللاكتوز طريقه عبر الجهاز الهضمي. وبما أن سكر اللاكتوز مركب محب للماء (Hydrophilic) فيعمل أثناء مسيره في الجهاز الهضمي على جذب جزيئات الماء حوله بحيث يمنع امتصاصها متسبب في انتفاخ الأمعاء وحدوث إسهال. إضافة إلى ذلك فعند وصول سكر اللاكتوز إلى الأمعاء الغليظة يجد في انتظاره البكتيريا المعوية (Microflora) التي تستهلكه كمصدر للطاقة في عملية تخمر ينتج عنها أحماض دهنية قصيرة السلاسل (Short Chain Fatty Acids) وغازات الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون مما يزيد من تهيَج الأمعاء الغليظة كونها وسط متعادل الحموضة ولا تملك حماية كالمعدة ضد الأحماض في حين تزيد الغازات من انتفاخ الأمعاء وهذه الوضعية الناتجة تسمى حساسية اللاكتوز.

إذا فحساسية اللاكتوز عبارة عن وضعية فسيولوجية تنتج عن غياب إنزيم اللاكتيز أو تناقص فعاليته في الأمعاء الدقيقة عند الإنسان تؤدي إلى الشعور بتوتر وضيق في الجهاز الهضمي بعد شرب الحليب وبشكل أدق بعد تناول سكر اللاكتوز.

مسببات حساسية اللاكتوز

في الحالات الأكثر شيوعا تنتج حساسية اللاكتوز عن تناقص تدريجي في إنزيم اللاكتيز بعد فترت الطفولة المبكرة مباشرة بحيث تقل فعالية إنزيم اللاكتيز عند الإنسان البالغ إلى حوالي 5-10% من فعاليته عند الولادة مما يعني انخفاض حاد في حمولة سكر اللاكتوز التي يستطيع إنزيم اللاكتيز هضمها بفعالية بعد أي وجبة. ويتأثر هذا النقص بشكل أساسي بالعرق وتشير بعض الدراسات إلى تأثره أيضا بالمواظبة على تناول الحليب ومشتقاته.

وتحدث حساسية اللاكتوز في حالات نادرة جدا نتيجة خطى وراثي (Genetic Mutation) يؤدي إلى اختفاء إنزيم اللاكتيز منذ اللحظة الأولى بعد الولادة وهذا الطفل يحتاج إلى تدخل تغذوي فوري بتبني حمية غذائية خالية من سكر اللاكتوز. كما ويمكن أن يصاب الشخص بحساسية اللاكتوز بشكل مؤقت كعرض لظروف وأمراض أخرى تعمل على تدمير سطوح خلايا الامتصاص في الأمعاء الدقيقة مثل سوء التغذية في ظروف المجاعات والتعرض للإشعاعات ومرض الايدز وغيرها.

أعراض الإصابة

تختلف شدة أعراض حساسية اللاكتوز من شخص إلى أخر بناء على فعالية إنزيم اللاكتيز عنده. وبشكل عام تتراوح الأعراض ما بين توتر وتشنج في الأمعاء إلى انتفاخ وألام في البطن وقد تنتهي بحدوث إسهال.

طرق تشخيص الإصابة

يُعتمد في تشخيص الإصابة بحساسية اللاكتوز على ثلاث طرق أساسية هي: رصد ظهور الأعراض السابقة بعد شرب الحليب في أكثر من مرة - وهذا الفحص هو الأقل تكلفة لكنه يعطي مؤشرات عامة ولا يعطي نتائج دقيقة - وفحص جلوكوز الدم، وفحص غاز الهيدروجين في الزفير وهما أكثر دقة حيث يُعطى الشخص جرعة مقدارها 50 غرام من سكر اللاكتوز شريطة أن يكون صائم لمدة لا تقل عن ست ساعات ثم تؤخذ منه عينة دم بعد نصف ساعة لفحص سكر الدم ويقاس تركيز الهيدروجين في زفيره بعد ساعة ونصف.

إذا حدث ارتفاع في سكر الدم يزيد عن 25 ملغرام/مل فوق مستوى سكر الدم أثناء الصيام (والذي يعادل 80 ملغرام/مل) أو لم يحدث تغيير في مستوى الهيدروجين في الزفير فإن هذا الشخص غير مصاب بحساسية اللاكتوز، أما إذا قلً الارتفاع في سكر الدم عن 25 ملغرام/مل فوق مستوى سكر الدم أثناء الصيام أو حدثت زيادة كبيرة في مستوى الهيدروجين في الزفير فإن هذا الشخص مصاب بحساسية اللاكتوز.


انتشار حساسية اللاكتوز

تشير الدراسات إلى أن 70% من سكان العالم يعانون من حساسية اللاكتوز وبناء على ذلك لا تصنف هذه المشكلة على أنها حالة مرضية. وترتبط حساسية اللاكتوز بالمادة الوراثية للأشخاص لذا تتفاوت نسب الإصابة بحساسية اللاكتوز من شعب إلى آخر ومن عرق إلى آخر فعند أعراق معينة تشكل نسبة من يعاني من حساسية اللاكتوز أغلبية بالنسبة إلى إجمالي عدد السكان مثل سكان جنوب شرق آسيا في حين تشكل أقلية عند أعراق أخرى مثل سكان الدول الاسكندينافية وشمال أوروبا (انظر إلى الجدول 1).


جدول 1: نسب الإصابة بحساسية اللاكتوز في بعض أقاليم ودول العالم المختلفة.


الأقاليم والدول   
نسب الإصابة بحساسية اللاكتوز %
نيجيريا (شعب Yoruba)    99
نيجيريا (شعب Fulani)    58
الاسكيمو    88
دول جنوب شرق آسيا    > 80
الصين    87
الفلبين    95
تايلاند    97
الهند    55
فلسطين (عرب 48)    81
المكسيك    74
أمريكا (السكان الأصلين)    80
أمريكا (السكان السود)    70-75
أمريكا (السكان البيض)    5-20
دول حوض البحر المتوسط    70
روسيا والقوقاز    20
دول شمال أوروبا    < 10
الدنمارك    3


الحمية الغذائية لحساسية اللاكتوز

تهدف الحمية الغذائية للأشخاص الذين يعانون من حساسية اللاكتوز إلى التغلب على الأعراض وتجنب ظهورها مع مراعاة تناول غذاء صحي متنوع ومتوازن يوفر جميع العناصر الغذائية الأساسية دون نقص في أي منها. ويوصف للأشخاص المصابين بحساسية اللاكتوز حمية مقيدة المحتوى من اللاكتوز (Lactose Restricted Diet) بحيث لا تستبعد الحليب ومشتقاته نهائيا من الخطة الغذائية وإنما تحدده بناء على خصوصية كل فرد بمعنى أن لكل شخص حد معين من اللاكتوز يمكنه هضمه دون ظهور الأعراض وبمقدور كل شخص تحديده عن طريق المحاولة والخطأ. وتستطيع العديد من الحالات تناول كوب حليب يوميا دون مشاكل ويفضل تناول الحليب أثناء الوجبة (فطور أو غداء أو عشاء) بدلا من يناوله منفردا في حين يمكن تناول الجبن والبن الرائب بحرية أكبر لانخفاض محتواها من اللاكتوز مقارنة مع الحليب ولاحتواء البن الرائب على بكتيريا تفرز إنزيم اللاكتيز مما يساعد في هضم سكر اللاكتوز.

ويتوافر في الصيدليات إنزيم اللاكتيز على شكل محلول (Preparations) يمكن إضافة قطرات منه إلى الحليب قبل شربه أو على شكل أقراص (Tablets) تؤخذ قبل تناول الحليب ومشتقاته. ومن الجدير بالذكر أن سكر اللاكتوز يستعمل كمادة مالئة في صناعة بعض الأدوية لذا يجب الانتباه إلى محتوى أي دواء قبل استعماله.

يعتبر الحليب ومشتقاته مصدر أساسي للكالسيوم وفيتامين ب2 (الرايبوفلافن Riboflavin) وفيتامين د لذلك ينبغي على من قلَ استهلاكه من مجموعة الحليب ومشتقاته عن حصتين (أي حوالي كوبين من الحليب أو اللبن الرائب) أن يعوض نقص الكالسيوم والرايبوفلافن وفيتامين د من المصادر الأخرى. فيمكن الحصول على الكالسيوم من سمك السردين والسبانخ والبروكلي والبقوليات الخضراء ويمكن الحصول على الرايبوفلافن من السبانخ والبروكلي والبيض والكبدة والفطر بينما يكفي التعرض المناسب لأشعة الشمس لتوفير احتياجات الجسم من فيتامين د. وفي حال عدم التمكن من تلبية الاحتياج اليومي من هذه العناصر "خصوصا عند للأطفال والمراهقين والحوامل والمرضعات والنساء بعد انقطاع الطمث" عندها نلجأ إلى المكملات الغذائية (Supplements).

الخلاصة

أخذين بعين الاعتبار أن الحليب ومشتقاته يشكل أحد المجموعات الأساسية في الخطة الغذائية السليمة ولا يمكن الاستغناء عنه ننصح كل من لا يشرب الحليب أن يبحث عن أسباب كراهيته لشرب الحليب فإن كان يعاني من حساسية اللاكتوز يستطيع تبني حمية تأهله لشرب الحليب بدون مشاكل. وعودة إلى نقطة البداية فهل تفسر حساسية اللاكتوز كراهية شرب الحليب عند بعض الحالات؟ الإجابة نعم.


References:

Mahan, L.K. and Escott-Stump, S. (2004) Krauses Food, Nutrition, and Diet Therapy. Philadelphia: W.B. Saunders Company.

Whitney, E.N., Catalod, C.B. and Rolfes, S.R. (2002) Understanding Normal and Clinical Nutrition. 6th ed. London: Wadsworth Publishing Company.

Stipanuk, N.H. (2000) Biochemical and Physiological Aspects of Human Nutritional. Philadelphia: W.B. Saunders Company.
الايميل :
Sh_naseem@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد