سيناريو الحرب الباردة الأمريكية ضد الصين - كورونا كمدخل

mainThumb

26-05-2020 01:29 AM

انطلاقًا من استبعاد سيناريو الحرب التقليدية بين قطبي هذا العالم المُستجِد، فإن افتراض أو توقع مواجهة عسكرية مباشرة و شاملة بين القوتين الرئيسيتين (الصين و الولايات المتحدة) هو نوع من الرغائبية و الشطح الفكري ليس أكثر.
القوى العظمى في العالم، و بعد تجربة الحرب العالمية، استبعدت خيارات الصدام المباشر نظرًا لما يخلفه ذلك من دمار شامل و عالمي؛ فلم يكن يومًا من المقبول مثلًا وقوع حالة "صدام الأكباش" المباشر بين السوفييت و الناتو لأن ذلك ببساطة قد يعني تدمير شبه كامل للكون؛ فترسانة الأسلحة النووية والصواريخ البالستية فائقة التدمير كفيلة بمسح مدن الكتلتين عن الخريطة، وهذا معناه خسارة جميع الأطراف للحرب.

ما زالت الحرب وسيلة وليست غاية تقوم بذاتها، فبالتالي تنتفي هنا مبررات منطق الحرب بالكليّة بين الصين و الولايات المتحدة، وهذا معناه صراع من نوع آخر يتمظهر بالتنافس الاقتصادي و التجسس الصناعي، و الاستخبارات العسكرية، و التكتلات الفكرية و الثقافية، وحملات الدعاية المضادة، ليس أكثر.

حقائق سريعة:


جميعنا يعرف قطبي هذا العالم جيدًا، ولا بأس بملخص شمولي يعيد رسم الهيكل العام الذي يؤطِّر نوع الصراع والالتقاء المحتمل بين الطرفين.
الصين: نظام مركزي دكتاتوري، يسيطر عليه الحزب الشيوعي و الجيش، السكان 1.44 بليون أغلبهم بوذيون، الناتج المحلي الإجمالي 14 تريليون دولار، 290 رأس نووي مُقدَّرة تحت السريّة، 2 مليون جندي عامل، الدين العام 5.5 تريليون دولار، الثقافة جماعية خضوعية.

الولايات المتحدة: نظام اتحادي ديمقراطي، يسيطر عليه رجال الأعمال ونخبة سياسية، السكان 330 مليون أغلبهم مسيحيون، الناتج المحلي الإجمالي 21.5 تريليون دولار، 1365 رأس نووي منصوبة و منتشرة، 1.35 مليون جندي عامل، الدين العام 25 تريليون دولار، منها 1.1 تريليون لصالح الصين، الثقافة فردية مادية.

 

محاور الحرب الباردة:


بعد استبعاد الحرب المباشرة، و استحكام حدة الخلاف بين الطرفين، فإن عدة محاور للصراع وممارسات الحرب الباردة تتمظهر حول البؤر التالية:

أولاً، تايوان: الصين الديمقراطية أو جزيرة فرموزا هي جزءٌ أصيل من الصين، انفصل عنها بعد فرار أتباع الحركة الوطنية لها بعد سيطرة الثورة الشيوعية على البر الصيني. ترفض بكين إعلان الانفصال و تؤيده واشنطن، وتستثمر أميركا ملف تايوان كمدخل لبؤرة صراع و ضغط على الصين، و تسعى لترسيخ النظام الرأسمالي الديمقراطي هناك في مواجهة الصين الشعبية و طموحات الضم للبلد الأم، جرت عدة مناورات و تحركات عسكرية في بحر الصين و في محيط تايوان كجزء من الاستفزازات المتبادلة للطرفين، و كمحطة تجسس و استطلاع متقدمة للغرب.

ثانيًا، هونغ كونغ: خرجت بريطانيا من إقليم هونغ كونغ المُستأجر عام 1997 تاركةً نظامًا ديمقراطيًا رأسماليًا خلفها، استطاعت الصين المحافظة على شكل الإقليم المزدهر، لكن نزاعات سياسية ظهرت ما بين مؤيدي نظام بكين المركزي من جهة، و الليبراليين مؤيدي الغرب من جهة أخرى، أدت لبروز احتجاجات و شغب ضد الحكومة المحلية التي تتماشى مع إجراءات بكين التي تحد من الحريات. هذا الملف سيتم استثماره كورقة ضغط على الصين الشعبية كجزء من ملفات الحرب الباردة.

ثالثًا، المسلمون: بدءًا بملف معتقلات مسلمي الإيغور، فمسلمي بورما المجاورة، فالأقاليم ذات التواجد الإسلامي فيها، فإن الصين تواجه متاعب في التعامل مع هذا الملف، الغرب بدوره يستثمر في تأجيج الأقلية المسلمة ضد بكين، عل أمل تشكيله كقوة زعزعة داخلية محتملة لاستقرار الصين، و كمدخل لتصدير التطرف و تركزه باتجاه الشرق، على أمل أن يُشكِّل ذلك مصدرًا للتعاطف العربي و الإسلامي مع الغرب ضد الصين الشعبية في صراعها القادم.

رابعًا، الإنترنت: تنوي الشركات الأمريكية، وخاصةً (Space X & Elon Musk) إطلاق بضعة آلاف من الأقمار الصناعية لتزويد العالم بتغطية الإنترنت بشكلٍ شبه مجاني، هذا الأمر في مواجهة إطلاق الصين لقدراتها التقنية المتطورة في صناعة الاتصالات و المعلوماتية (Huawei & G5)، يُؤَمَّل من المشروع كسر قدرة بكين على احتكار الجيل القادم للتقنية، و كبح قدراتها على حجب الإنترنت و مواقعه المحظورة التي تؤيد الغرب و قيم الانفصال و التحرر، على نية نشر الفوضى و توسيع قدرات المعارضة الشعبية هناك، وهذا جزءٌ أصيل من الحرب الصناعية والتجارية.

خامسًا، الحرب التجارية و سعر الصرف: تجهد بكين في تنزيل سعر صرف اليوان مقابل الدولار على أمل تقليل سعر صادراتها للولايات المتحدة، الأمر الذي يعزز الميزة التنافسية السعرية للمُنتَج الصيني، الولايات المتحدة أبدت امتعاضها المتكرر من تلاعب بكين بالمؤشرات المالية لدعم تنافسية صادراتها كجزءٍ من الحرب التجارية القائمة.

سادسًا، الاستخبارات الصناعية: لم تنفك الولايات المتحدة اتهام الصين بعدم احترام الاتفاقات العالمية بشأن حقوق النسخ والنشر، و حقوق الملكية، و براءة الاختراع، وهذا يسبب خسائر بالمليارات للصناعات الغربية عمومًا؛ فالتقليد و التزييف للعلامات التجارية و السلع الأمريكية و الأوروبية هو أحد مصادر الميزة التنافسية للاقتصاد الصيني، و برغم التطور الحقيقي الذي أحرزته الصين في مجالات البحث و التطوير العلمي و توطين المعرفة في حقول عدة من أبرزها علم الفضاء و الاتصالات، فإن ذلك لم يرفع الاتهام عنها. أكثر ما يقلق الغرب اليوم هو تسرب جذور المعرفة و أسرار الصناعة باتجاه بكين، بعد أن كان القلق من هروب الوظائف والاستثمار قديمًا. عدد و نوعية الإنتاج العلمي و المعرفي الذي تحققه الصين هو مصدر تخوف حقيقي للغرب الرأسمالي الذي طالما احتكر التقنية لقرن من الزمن و انتفع منها في نهضته الاقتصادية.

اتهام معمل (ووهان) للبحوث الجرثومية بالتسبب بتسرب فايروس كورونا عن قصد أو الخطأ ما هو إلا جزء أصيل و نموذج مصغر لطبيعة الحرب الباردة القادمة، وليس مستبعدًا تحميل المسؤولية للصين لتبعات الجائحة الكارثية التي هزت العالم لشهور، و قد يكون ذلك منطلقًا مناسبًا لشيطنة النظام الصيني و انطلاق الدعاية المضادة التي تضع العالم تحت توتر التحالفات القطبية من جديد، تمامًا كما كان في الحرب الباردة بين حلفي وارسو و الناتو، ولكن مع نكهة المال هذه المرة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد