معارك برلمانية / ح 14 : عملية استشهادية تحت القبة

mainThumb

07-08-2011 02:49 PM

كانت حساباتي أنني خضت المعركة بشجاعة ونجاح والحمد لله , إلا أن حفنة قليلة ممن حالفهم الفشل في الانتخابات النيابية من صيّادي الفرص الموهومة الخائبة ذهبوا للسلام على رئيس الوزراء المكحوش ط2 يهنئونه بالثقة البرلمانية، ويستنكرون خطابي وشخصي الكريم ووجودي،  وأنني لا أمثلهم ولست منهم ؟؟؟؟ ؛ ولسوء حظهم أن رئيس الوزراء لا يعرف أحداً منهم , ولكن الإعلام الرسمي ركّز عليهم في النشرات الإخبارية كأعداد  وملابس وليس كأسماء، وانهم من عشائر بني عباد في رسالة للعالم ان قبيلتي لا تتفق معي في الراي , لا بل تخالفني  وهي على العهد الوهمي الذي كان وهو السمع والطاعة . وعلى اية حال فان ممارسي هذه المناكفة لم ينالوا اية مكاسب، سوى غضب الناس والقاعدة العشائرية برمتها وخارجها، أقول غضب الجميع  ضدهم ووصفوهم بأوصاف لا تليق بالإنسان القويم , ونربا بانفسنا بذكر  هذه الاوصاف التي تم الصاقها بهم , مما أثار شفقتي  عليهم. وربما كان همهم الأذى للقبيلة والأذى لي، وهذا ما تحقق ولو جزئياً ثم كليا  للأسف الشديد. هذه حقائق التاريخ .

لقد تنادت هذه الفلول  واجتمعوا في الدوار الثامن في غربي عمان , وهناك : منهم من رفض متابعة  المسير ومنهم من واصله إلى مكتب الرئيس في الدوار الرابع يهنئه بثقة النواب واستنكار موقفنا وأنني لست منهم  ولا أمثلهم ؟ وذهبت في الوقت نفسه  وفود من عشائر أخرى ضد نوابهم الحاجبين للثقة أيضا . كانت هؤلاء الاشخاص  فلول الجموع التي انهزمت أمامي  في المعركة الانتخابية , والذين رفضهم العبابيد والناخبون  , ولكن النظام والحكومة والجهات الرسمية جميعا اصابهم الجنون من وجود معارضة من أبناء القبائل , وان هذا من المحرمات التي اخترقتها شخصيا وزرعت بذرتها مع الخطوة الاولى للديموقراطية الحديثة بالبلاد . ولكنها بذرة صارت شجرة الى ان تحولت الى غابة من معارضة ابناء القبائل الذين يقدون الحراك الساسي الان ( 2011 ) في سائر انحاء الاردن .

ومن النوادر التي حدثت , والكلام على عهدة الراوي ان صدق ، والتي أوردها لي أحد العناصر الأمنية العاملة في الرئاسة/ مع الرئيس  في حينه، أن الجناح الأمني في رئاسة الوزراء , وبعد الانتهاء من سلام هؤلاء على الرئيس المكحوش ط2  , أرسل  لمتابعة  مسير عودة  هؤلاء الذين قالوا عن انفسهم أنهم شيوخ العبابيد وقادرون على تحجيم د. أحمد العويدي ودعم الرئيس، فإذا بجزء كبير منهم يتجهون الى بيتي ويحضرون عندي , يهنئونني بالنجاح والموقف المشرف ضد الحكومة والخطاب غير المسبوق , ويعلنون دعم القبيلة لي بموقفي هذا وما سيليه من مواقف  وانهم انتقدوا الرئيس الذي سلموا عليه توا ، وانهم يبراؤن مما قاله البعض ضدي في حضرة الرئيس , ثم بعدها راحوا ينتظرون الكنافة عندي  ولم يحصلوا عليها،لانه ليس وقت كنافة وهم لا يستحقونها  ,  وأنا اعرف نفاقهم وكذبهم . وهل يجوز تقديم الكنافة للمنافقين والكذابين ؟  وعندما علمت الجهات الرسمية باعمالهم  هذه، احتقرتهم ووجدتني الأقوى في المعادلة العشائرية ؟ وليس مجموعة : هوزيني بالعصا هوزي = ياطولك مطرق اللوزي

ورغم أن خطابي حقق لي  ولقاعدتي العشائرية مكاسب شعبية على مستوى الوطن والخارج، إلا أن مافعلته هذه الوفود وما بعد ذلك  قد اجهض تحقيق  الكثير من  المكاسب السياسية لي ولقاعدتي القبلية ,  والتي كانت والوطن أحوج ما نكون إليها . وحالت دون استثمار الفوز مما انعكس سلباً في قابل الأيام علي وعلى قاعدتي برمتها وعلى الوطن ، وأوجد شرخاً في بنية هذه القاعدة، وصراعاً، لا زال الجميع يعاني منه ويدفع ثمنه.

      أما على المستوى الشخصي , فقد ازداد الجدل ( بين سلب وايجاب ) حول كلامي وشخصيتي , مقرونا بالإساءة لسمعتي وقدرتي , كما بقيت (شخصياً ) في بؤرة الأحداث. وعلى أية حال فإن لعنة الأجيال والتاريخ ستنصب على من يترك فئة اهل الحق ... لقد كان من المؤكد أن مكاسب جمّة ستآتي لقاعدتي، ولكن هذه الوفود أعادت الحسابات الرسمية، وأضاعت على الوطن و الناس والغلابى والمساكين مكاسب كبيرة وكثيرة بكل تأكيد. وقد استقبل رئيس الوزراء في حينه وفود عشائرية تحمل أسماء عشائر النواب المعارضين وأنا واحد منهم مع تركيز واضح على الأسماء الوافدة .

        ورأيت في وجوه وأعين المسؤولين تساؤلات عديدة: ترى هل هذا هو العقيد المتقاعد؟ الذي ضايقناه، وضيقنا عليه لقمة عيشه؟ الذي أهملناه وطنشناه؟ إنه يفهم بالسياسة؟ إنه يتحدث بشجاعة ، إن كلامه عميق وليس ضرباً من الجنون ؟ هل هذا ابن العشيرة الذي افترضنا (والتساؤل على لسانهم عني )أنه سيكون عربانياً لا يفهم إلا البصم والموافقة على كل شيء ؟ وترتيب الولائم وتربية الكروش (مفردها كَرْش)؟.

      أما جوابي الصامت على هذه الأسئلة الصامتة فكان التالي : أنا لست الذي تتصورونه أو تتمنوه، وإنما أنا ابن الأردن، ابن الشعب الأردني العريق العميق المتجذر بتراب الوطن؛ ابن العشيرة الجذامية (عصباً)  المنحدرة من قوم سيدنا شعيب , وأحفاد من آمن به عليه السلام وبرسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أقف وأقول وأعبر  دونما مطمع في منسف أو حفنة من الدنانير في مغلف  او شيك ورقي , تعطى من وراء الكواليس... قلت كلمتي وفاءاً للدمعة الأردنية، وللعهد الذي قطعته على نفسي للثأر السياسي لهذه الدمعة ، وأن أكون مخلصاً لله  ثم للوطن والناس . لقد وجدت ما يسمح لي بالنفاذ إلى الرئيس وانتقاده .

 

         بدا لي أن كلمتي كانت ضربة لنواب الأخوان المسلمين والعربانيين ,  مثلما هي ضربة للحكومة ونواب اليسار ايضا ، والتقطتُ رايةَ الانتباه والمعارضةَ منهم، ومن سواهم من الزملاء، وقد نشرت صحيفة صوت الشعب الكلمة في عددها المسائي، في اليوم نفسه ونفدت الطبعة خلال اقل من ساعة وبيع العدد بنصف دينار لدى المتجولين لأنه يشتمل كلمتي.

        كانت كلمتي ضربة للحزبيين، أيضاً؛ إذ أنه يتعذر عليهم المبادرة بهذه القوة ... وفوق هذا وذاك ضربة لفلول المنافقين والسفهاء والمرجفين ضدي، والذين في قلوبهم مرض وزيغ، وأولئك الذين كانوا يتربصون بي الدوائر،  من شتى الأطياف والأكناف، والمشارب والمضارب.أقول ضربة لهم ، أنني خضت المعركة منفردا ولكن  بقوة ونجاح  ومفاجأة  ، والحمد لله، وانتصرت للأردنيين، وأشفيت غليلهم، وأثبتّ  (بتشديد التاء) بوجود الديمقراطية الحقيقية بالأردن؛ ولكنه اثبات بالقوة، كما هو الاستطلاع بالقوة والحب بالقوة، والكره بالقوة، والجفاء بالقوة، وسادت الحيرة على جميع الرسميين والمتسولين سياسياً , وهم جميعا  لا يدرون ما يفعلون تلك اللحظة وما أعقبها؛ ولا يدرون كيف يتعاملون معي.

        كانت كلمتي صدمة للجبناء الذين يعتقدون أن النيابة عبارة عن وظيفة وطبايخ ومراسم وألقاب، وأنه لا يجوز انتقاد النظام والحكومة  (يقولون عنها الدولة)، وراجت إشاعات أن الدولة (الحكومة) ستضعني بالسجن وروّج لها المنافقون والفاشلون والمنهزمون والانهزاميون  والفلول المثبورة ، وحدثت بلبلة مذهلة  بين أبناء قاعدتي العشائري ، حيث انقسمت بين مؤيد للحجز وهم فئة محدودة ومناقفة ومعادية ، وبين الاستعداد للعنف والتحدي  للدفاع عني وهم الغالبية العظمى.. تحولت إلى شخص جدلي  , لأنه لا أحد يعرف ماهو في ذهني، والبعض يقول أنني فعلت ذلك بإيعاز. من مصادر عليا وهو محض هراء وافتراء... إنه خطاب نابع من  قناعتي وفكري وضميري ووطنيتي وأرفض التبعية لأية جهة سياسية أو رسمية مهما كان مستواها وموقعها في الداخل والخارج , كنت ولا زلت وسابقى كذلك .

      وَحَسِبَ البسطاء من قاعدتي أنه سيتم توقيفي وسجني وأن  ذلك صحيحاً،  لأنهم لا يعرفون شيئاً عن العمل النيابي الذي حرمت منه الأردن منذ ربع قرن...أما أنا فأعرف الكثير من خلال دراستي الجامعية، وخبرتي في بريطانيا. وأذكر أنني عندما عدت مساءً إلى المنزل وجدت والدتي تبكي مرعوبة عليّ (رحمها الله) لأنها سمعت أن الدولة (الحكومة) ستعتقلني   بسبب انتقادي لرئيس الوزراء، فضحكت وقلت لها: يا أمي لا تسمعي للجبناء والمرجفين والخصوم المنهزمين , أنا نائب  لي حصانة ولست موظف حكومة. وجدت زوجي ام البشر قلقة ومرعوبة ايضا للسبب ذاته ، ووجدت البشر ونمي - الأطفال- يخشون من مكروه قد يصيب والدهم، أما والدي (عليه رحمة الله) فقد تنفّس الصعداء بعودتي سالما، ولم يصدّق عينيه!.

        إستغل هؤلاء المرجفون المناسبة،  وراحوا يعبّرون عن مكنون حقدهم , وعن فشلهم وهزيمتهم  وخيبتهم , بالضرب بالحجارة على بيتي ليلاً تارة , وكسر زجاج سيارتي التي تحمل اللوحة النيابية تارة أخرى،  أو مكالمات التهديد طورا , والدعايات الهدامة طورا اخر .  ومع هذا،  ومن طبعي أنني لا أخضع للابتزاز والوعيد والبطش... وإنما للتعامل المتساوي  الندي الحضاري واللطف والحوار  فقط . لم يزدني هذا إلا قوة وحزماً وشدّه على الحكومة , وعلى الخائبين من المنافقين والمرجفين , وممن لقوا الهزيمة المريرة امامي في الإنتخابات وأتباعهم .

     بدأت بوادر  الأصطدام مع نواب الإخوان المسلمين والصراع بيني وبينهم،  بعد أن منحوا الثقة لرئيس الوزراء،  وبعد أن قدموا خطاباً إشترطوا  فيه اعطاء الثقة بالاعلان للنية نحو تطبيق الشريعة الإسلامية بالأردن؟؟ النية لتطبيق الشريعة الاسلامية ؟؟؟ مع حرف التسويف ؟؟؟  .

كان هذا الخطاب منهم ومن الحكومة  يدغدغ العواطف العامة للناس الذين يجهلون الديموقراطية والألاعيب السياسية , والتلاعب بالكلمات , ولم ينتبهوا الى كلمة سوف تدرس الحكومة امكاتية تطبيق الشريعة الإسلامية . سوف تدرس ؟؟؟؟  . ولكنه لم يكن كلاما  جادّا،  لأن إصطلاحات تطبيق الشريعة وغيرها تحتاج إلى إعادة البنية التحتية للتشريعات والمجتمع والإعلام والثقافة والتربية والمناهج والنفسيات والعقليات لدى الشعب،  والأمر لا يأتي بعصى سحرية ضمن مبدأ «كن فيكون»...  ولا بين يوم وليلة، أو عشية وضحاها . والأخوان يعرفون ذلك , وهم  يتحدثون عن تطبيق الشريعة , ولكنهم لم يسلكوا خطوة عملية  واحدة لتحقيق ذلك.

وبالتالي فإن مداعبة عواطف المواطنين بهذا الصدد وسرقة الشعبية بالتركيز على المشاعر الدينية، يمكن أن يقع ضمن دائرة الضحك على ذقون الشعب. فالأخوان والحكومة يعرفون، كما أعرف وتعرف النخبة الفكرية والسياسية أن  البدء العملي في تطبيق الشريعة الإسلامية يحتاج أولاً  الى موافقة الأمريكان والعم سام والغرب وبريطانيا والاسرائيليين ، وإن من يقل غير ذلك فإنما يكابر بالحقيقة , أو يجهل معطيات الأمور في  السياسية الدولية , وأن كثيراً من الدول التي تطبق الشريعة، إنما تفعل ذلك بالاتفاق مع الغرب لغايات معينة والى مدى معين وصيغة انتقائية معينة .

وعندما منح نواب الأخوان المسلمون  الثقة للرئيس أدركت أنهم يسددون فاتورة تحالفهم مع النظام ومع الحكومات التي رعتهم منذ تأسيسهم بالأردن، وليس الجدية في تطبيق الشريعة... فالاخوان حليف رديف للنظام وللحكومات مهما سمعنا منهم , وهم التنظيم المفضل لدى الجهات الرسمية واذا خرج اي من قياداتهم عن الخط المرسوم تمت مكافأة قيادي اخر بالوزارة او السفارة او الادارة او العينية بحيث  تبقى امور التحالف قائمة ولا يسمح لاي من كوادرهم ان يجانب هذه الدرب .

      وبالعودة إلى الوراء نجد أنه لم تُتَّخَذُ أية إجراءات نحو تطبيق الإسلام زمن الحكومات السابقة ولم تقتلع الأخوان,  وإنما فقط أعطتهم الدعم والقوة على حساب الحركتين  الوطنية الأردنية والوطنية الفلسطينية،  وعلى حساب الأحزاب القومية واليمينية واليسارية. والمستقلين من إسلاميين ووطنيين وعربانيين. انهم يتحدثون باسم الدين ؟؟؟ وكان البقية من معسكر الشرك والطغيان . فالدولة لا تريد من احد ان يتحدث عن الوطن والفكر الوطني ولا عن الشرعية اطلاقا .

واضح إذاً أن الإخوان المسلمين دأبوا الوقوف مع الحكومات في اللحظات الحرجة التي يحتاج الوطن والشعب منهم موقفاً غير هذا الموقف. إنهم حلفاء وشركاء للحكومات،  وأما الشعب فمهمته التصويت عليهم. وقد يكون هذا غير واضح للكوادر الدنيا , والمغرّر بهم من عامة الناس وعناصر المؤازرة،  لكنه واضح جداً لنا  وللكوادر العليا في الحركة الإسلامية ، ومن لم يتضح ذلك له، فإنها كارثة حقاً.

تقاطعت ُ شخصياً بمواقفي هذه. مع جميع التيارات في المجلس: الأخوانية والحزبية والعربانية والمستقلة  ومع هذا كنت مسروراً لوجود هذه الأطياف المتباينة. وكان الحزن ينتابني أن الناخب في الأردن لم تُتح له فرصة الوعي الإنتخابي ليعرف الغث من السمين،  وإنما يتأثر بالعواطف الدينية أو العشائرية أو المنسفية (من المنسف)  أو الكنافيَّة (من الكنافة) أو المالية ( شراء الاصوات ) او  ما إلى ذلك .

        ولا شكّ أننا في الأردن ربما نحتاج إلى وقت طويل حتى يصل الناخب إلى الوعي اللازم،  وحتى يذهب إلى الصندوق ليدلي بقناعاته الفكرية والوطنية،  وليس بعواطفه،  أو نزعته أو عشيرته أو المتاجرة بصوته . ولكن الشعب والوطن قبل تلك المرحلة التي نتمنى الوصول إليها سيدفعون  الثمن غالياً،  وسيبقى شعبنا حقلاً للتجارب أمام نفسه، وأمام الحكومات المتعاقبة وأمام البرامج الدولية والإقليمية , وهذا ما سيجعله يدفع الثمن غاليا قبل أن تنضج عنده الثقافة البرلمانية والإنتخابية.  إنه يدفع فاتورة انقطاع الانتخابات النيابية مدة ربع قرن، ويدفع فاتورة سياسية: فرّق تَسُدْ، وفاتودة انعدام الوعي الوطني والسياسي، ومنع التنظيم ولا أقول الأحزاب.

وفي أول  تعديل وزاري  إستلم الإخوان المسلمون المكافأه،  بدخولهم الحكومه التي منحوها الثقة. إذ كان يتعذر عليهم المشاركة في حكومه حجبوا الثقة عنها من قبل أو من بعد،  فكانت ثقتهم بها ( بإستثناء واحد منهم إنشق عنهم عام 2003 ) فِرَاشاً لمشاركتهم فيها ، ولم نجد تطبيقاً للشريعة الإسلامية، ولا تغييراً في المناهج الدراسية نحو الأسلمة , رغم أن وزير التربية أصبح من الأخوان، ولا في نمط عمل وزارة التنمية نحو ما سَنّه القرآن الكريم في توزيع الصدقات , رغم أن وزيرها  صار من الأخوان أيضاً في هذا التعديل. ولم نجد تغييراً في قوانين وزارة العدل التي صار وزيرها من الأخوان، بل بقي كل شيء على حاله كما كان مما يدل على صحة ما قلناه أعلاه. اليس كذلك ؟

أما أنا فصار إسمي مزعجاً ومرعباً للمسؤولين جميعاً ,  ومقززاً لجميع الغرباء والمرتزقة والمقاطيع والمنتفعين وتجار السياسة ، وكان كثير منهم يصاب بالحمى والقشعريرة إذا عرف أنني زرت وزارته أو دائرته ( وزيراً كان أم مديراً )، وكان أحد هؤلاء من كبار الماسونيين، عجز الوزراء ورؤساء الوزارات عن الإطاحة به؛ ومع هذا بقيت أهاجمه المرة تلو المرة بالوثائق والحقائق والوقائع؛ وأكشف ما دهى به الأردن من أذاه من خلال الأخطاء والخطايا التي مارسها ويمارسها في دائرته ( التي كان يرأسها )،بحق الأردن والأردنيين فما كان من الحكومة إلا وألقت به في مزابل التاريخ ، بعد أن كان يظن أن الأيام ستبقى ماسونية(!؟!). وراح يعيش خارج الاردن الى ان وافته منيته .

كنت أدرس جدول الأعمال  الذي يٍوزع علينا قبل الجلسة (عادة)  بثمان وأربعين ساعة، وأُحَضِّر ُما يتعلق به من نقاط وموضوعات وكنت أعود في كثير من الحالات للمصادر والمراجع وأصحاب الاختصاص وأستعد  للجلسة جيداً، واتابع النقاش، وقد حرصت طيلة مدة نيابتي في الأولى ( المجلس 11 , والثانية المجلس 13 ) أن أتابع الجلسات  حاضرا ولا أتغيب إلا بسبب السفر، أو الخروج المؤقت لحاجة .

وعندما كنت أجد نفسي حائراً إزاء موقف معين، سيعرض علينا  , ولم أقرر في أي جهة أقف لرمادية اللون وصعوبة القرار بأمانة واخلاص , أقول كنت أغيب عن الجلسة، وكان عدد حالات غيابي محدوداً جداً، لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة في النيابتين (عندما لا أكون مسافراً). وكنت أحزن عندما يتأخر انعقاد الجلسة لعدم اكتمال النصاب القانوني للجلسات. او يتعذر توفير النصاب، فهناك نواب كانوا يلهثون وراء المصالح ويجرون  سعياً وراء المناسف ... وهناك غيرهم لا يعطى أهمية لحضورهم، لأنهم أصلاً عبارة عن رقم  وهمي  وليس لهم وجود حقيقي ، وان اي من هؤلاء حاضر وليس له حضور.عيناه تبصران وهو اعمى البصيرة واذناه تسمعان وبه صمم ووجهه ينظر وعقله بالمناسف واخواتها . أما أنا فكنت أحضر إلى القبة قبل الجلسة بساعة كاملة تزيد أو تنقص, جاهزا متحفزا دارسا لجدول الأعمال واعرف ماذا سأقول, وانتبه إلى ما يقال.

ومع هذا فقد كان هناك سبب رئيس آخر وراء عدم توفر النصاب القانوني لبدء جلسات المجلس خلال المجلسين ( 11 و 13 ) وهو  أن بعض النواب كانوا يصابون باللعثمة اللسانية، والرهبة والرعب من النقاش  ومن هيبة المجلس، فيهربون من حضور الجلسات، كما أن بعضهم لم يفهموا حيثيات جدول الأعمال الذي كان يُوزّع عادة قبل 48 ساعة من الجلسة، وإذا حضروا النقاش لا يفهمون شيئاً ، وبالتالي فهم يتظاهرون بالتغيب عن الجلسة، على انه الخيار الايسر والأفضل من الحضور المعدوم ( أي حاضر الذقن غائب الذهن ).

كنت أستشير اصحاب الاختصاص في بعض المواضيع المطروحة للنقاش ، أو المواد القانونية، وكنت أعمل مداخلاتي دونما خوف أو وجل,  وكانت كريات الدم الحمراء لا تصعد إلى وجهي عندما أناقش قضية عامة. فأنا شخص أثق بنفسي والحمد لله، وبالتالي فمن حقي الإدلاء بالراي حتى ولو كان خاطئاً في نظر الآخرين، لأننا نتعلم من الخطأ والصواب معا , حيث أن المجلس القوي مدرسة للنائب والشعب كليهما على حد سواء.

ورغم هذا كله، فقد كانت تلك المرحلة تحتوي رجالاً ولا كل الرجال , وأظن ان مثل هذا المجلس ( 1989 ) لن يتكرر بالأردن قبل مرور نصف قرن من تاريخه،او عندما تكون الانتخابات نزيهة حقا . وأتمنى ذلك قبلها . اقول لن يتكرر إلى حين نضوج الرؤيا السياسية والانتخابية لدى الناخب ، ونضوجها لدى أرباب السياسة أو ربما عبيد السياسة. فكما قلت:  فإننا في الأردن حقل تجارب للآخرين للأسف الشديد. وقد ساهم عامة الناس في ذلك بموافقتهم على كل شيء ، وبفرزهم لنواب يوافقون على كل شيء , ومحاربة الكثير من الناس لكل متنور منهم , كما حدث معي , وبالتالي فان الاردنيين تحولوا  الى حقل تجارب لكل شيء ومن أجل لا شيء يخصهم، وإنما بما ينتفع به مثلث الغم وحده.

ورغم مواقفي هذه، بقيت أعاني من بعض المواقف التي كان الفاشلون يختلقونها ضدي. وأذكر أنني صليت المغرب في أحد المساجد ومعي ولداي البشر ونمي كان عمر الأول سبع سنوات والثاني ست سنوات إلا قليلاً، وعندما خرجت من المسجد ركب معي شيخ مهم من العربان، وجلس بالكرسي الذي بجانبي بسيارتي التي تحمل اللوحة النيابية رقم  18 وهو الذي حاربني وعمل ضدي كي لا أصل النيابة ولا احوز اللوحة ... سأله الطفل ولدي بشر: عموه انت صوّتت مع أبوي؟ فقال: لا، فقال بشر ونمي: لماذا تركب في سيارة والدي إذن أنت منافق، فنهرتهما، ولكن الشيخ الجليل بلعها، وكان كبيراً.وقال متعجبا : هذول عيال احمد العويدي . وكانه يحذر الناس منهما , لكنه كان وحده معي من الناس .

وللحديث بقية في الحلقة  ان شاء الله


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد