إنّهم أحياء .. و"للنّصر بقيّة"

mainThumb

27-10-2023 03:54 PM

خاص بـ"السّوسنة"

تقول بيسان (صانعةُ محتوى من غزة) إنّهم هناك "يُطمئنُ بعضهم بعضًا عند سماع صوت القصف، (الذي لم يتوقف منذ أكثر من عشرين يومًا)، وإنهم وطالما يستطيعون سماعه فهذا يعني أنّهم أحياء" لأن الصاروخ الذي سيقتلك لن تسمعه فالصاروخ أسرعُ من صوته"...
في حياتي بأكملها، لم أسمع عِبارة أشدّ قسوة من هذه. بصواريخه الضعيفة يظنُّ الاحتلال الصهيونيّ أنه ببطشه ومجازره وأسلحته وعنفه وظلمه سيُنسِي العالمَ ما وقع صبيحة السابع من أكتوبر، حين اختلّت موازينه واصفرّ خوفًا ورُعبًا مما رآه يومها، وهو لم يرَ ولم يعِشْ ولو حتّى رُبع ما عاشَه ولا يزال يعيشه الفلسطينيّ منذ خمسةٍ و سَبعينَ عامًا.
الاحتلال الذي يحتاج كل هذه السنين ليُتبث شرعيته، هو احتلال ضعيف. الاحتلال الذي يُرعبه أطفالٌ ورضّع وأجنّة في بطون أمهاتهم هو احتلالٌ جبان، الاحتلالُ الذي يخترقُ سياجه وأنظمة رقابته وجداره العازل في طوفانٍ خطط له مُقاومون بأبسط الإمكانيات وربما أضعفها، هو احتلالٌ واهمٌ و غبيّ.
الاحتلال الذي يستجدي عطفَ الدول الغربية التي بَنت مجدها وحضارتها المزعومة وتقدُّمها وتطوّرها على ظهور أجدادنا الذين استعمرتهم بوحشية وسرَقتْ خيراتِ أراضيهم غصبًا لسنواتٍ طوال، هو احتلالٌ فاشل. فأسطورة الغرب المتحضر الذي يدافع عن حقوق الإنسان والحيوان والنبات، الغرب المتقدّم الذي يحترمُ الوقت، الغرب المُتطوّر .. آنَ لأسطورته أن تتلاشى؛ لأن هذا الغرب "الإنسانيّ"، ينتقي إنسانيته، غربٌ كاذبٍ لا ملّة له و لا مَرجعية، يبيع صورته المتحضرة في إطارٍ ذهبي يسميه حقوق الإنسان ويدير ظهره لإبادةٍ جماعية تُذاعُ أمام أعيننا مُباشرةً، آن لتمثال الغرب الذي مجّدناهُ طويلًا أن يسقط.
أراقب كل ما يحصل من هاتفي، منذ السابع من أكتوبر. أبكي فأكتب، أغضب فأخرج للشارع أحملُ لافتتي و أصرخ، أقرأ رأيًا مُحايدًا فأجادل صاحبه، أذهب للعمل فأسمع أصواتهم في أذني، أدخل لأشاهد حسابَ بيسان أرى أنّها نشرت "ستوري" جديدة فأطمئن، أشاهده فأغضب أكثر، غزة العزّة استحالت رمادًا، يبدأ شعورٌ بالعجز يتسلل إليّ فأمنعه، هذا ليس وقتَ بكائيات يقولُ صديقي أسامة، ما يحدث الآن هو محطّة مُهمّةٌ من أجل تحقيق النصر، يأكّد تميم البرغوتي كلام صديقي فأطمئن أكثر، يطلّ تميم عبرَ شريط فيديو مُرتديًا الأسود كما عهدناه، و بصوته القوي و لغته الفصيحة يقول: "إن تحريرها كلّها ممكن، إن تحريرها كلّها قد بدأ".
أتذكر يوم السابع من أكتوبر، حين استيقظ العالم على خبرٍ لم يكن متوقعًا. المُقاومة تقتحم مستوطناتِ "غلافَ غزة"، وتنفّذ عملية إنزالٍ جويّ بالمظلّات، سيذكُر التاريخُ هذا اليوم ولن ننساه مهما حاول العدو أن يمحيه من ذاكرتنا، السابعُ من أكتوبر سيظل شوكة في حلق الاحتلال الذي مهما طال، ولن يطول، فعليه أن يتذكر أنهُ إن عاشَ سارقًا في أرضٍ ما فهو مُضطر أن يعيش فيها خائفًا وجبانًا ومرعوبًا وأنّ الثأر مهما تأخّر لن يكون سهلًا. يقول دنقل "لا تصالح ولو قيل رأسٌ برأس، أ كلّ الرؤوس سواء؟".. ليستْ كلّ الأرواح سواء.

انتشرَ مقطعٌ لأمريكية تقف ضدّ سياسة بايدن وتدعم القضية الفلسطينية، تتسائل من أين يأتي الفلسطينيون من كل هذا الإيمان حتى وهم يدفنون أبناءهم ويودعون أحبابهم، فأتذكر بيتًا شعريًا للشاعر محمد عبد الباري يقول فيه:  "مُجلّلون بما لله من مطرٍ .. تقول صحراؤهم: حاولتُ...ما يبسوا"، الفلسطيني يستلهمُ قوته من أرضه، وإيمانه من قلبه، ويقينَهُ من ربّه و تصديقه من أنه صاحبُ الحق. فصاحبُ الحقّ لا يُهزم ولا يخافُ ولا يرمِي سلاحه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد