ثمانون عاماً… ولا يزال الأميرُ صغيراً
عثر صيّادون سنة 1998 قرب شواطئ مرسيليا على سوار يد منقوش عليه اسم أنطوان دو سانت إكزوبيري، الذي يَختصر الفرنسيون اسمَه تحبّبا بـ»سانت إكس». والعثور على هذا السوار حلّ لغزا عمره 54 سنة، فقبل انتهاء الحرب العالمية الثانية بسنة اختفت طائرة استطلاعية كان يقودها واحد من أعظم كتاب فرنسا، وانتهت باختفائها حياة قصيرة لرجل -إذ مات وهو في الرابعة والأربعين من عمره – اختُصرت في محورين أساسيين: الطيران والكتابة. وظل اختفاؤه في الأجواء مثار تكهنات حتى لحظة العثور على السوار، وبعدها بعامين تم العثور أيضا على حطام طائرته، صاحبَ ذلك اعتراف ضابط ألماني بعد عشر سنوات من قصة السوار، بأنه هو من أسقط طائرة كاتب لطالما كان معجبا بكتاباته، فنشر هورست ريبرت، الطيار في سلاح الجو الألماني في مذكراته: «يمكنكم التوقف عن البحث، أنا من أطلق النار على سانت إكزوبيري».
والحقيقة – وعالَم الأدب يحيي هذه السنة الذكرى الثمانين لمقتله (سنة 1944) – لم يكن مفاجئا جدا موت سانت إكس بتلك الطريقة التراجيدية، فقد تعرّض قبل ذلك إلى عدة حوادث مميتة، نجا منها بأعجوبة منها: غرق طائرة مائية عند هبوطها، وسقوط فوق رمال الصحراء، وصولا إلى تحطم طائرة لحمولتها الزائدة. ولكن كل ذلك لم يردع الصبي الذي قاد طائرة في الثانية عشرة من عمره أول مرة زاعما للحارس أن أمه وافقت على ذلك. والغريب أن الطيران لم يكن رغبته الأولى، فقد أراد الالتحاق بالبحرية ففشل، ثم دخل لفترة كلية الفنون الجميلة لمتابعة دروس في الهندسة المعمارية، ولكنه تركها ليصبح عاملا في البريد الجوي الفرنسي يطير بين باريس والمغرب باتجاه افريقيا، معتمدا حتى الثلاثين من عمره على أمّ باعت كثيرا من أملاك العائلة لإشباع رغبات ابنها.
توالت حياة سانت إكزوبيري في سلسلة من الأعمال في مجال الطيران بشقّيه المدني والعسكري، وكتب عن تجربته في الطيران العسكري كتابه «الطيار الحربي» الذي نشره في أمريكا أثناء الحرب العالمية الثانية، إلى أن مات، كما كان متوقعا لأمثاله وهو يحلق بطائرة استطلاعية، بعد أن أنجز قبل موته أصغر أعماله حجما وأعظمها قيمة على الإطلاق، «الأمير الصغير».
منذ تلك البداية المدهشة، حين يلتقي المؤلف في بداية القصة بعد سقوط طائرته في الصحراء بصبي صغير لا يتجاوز السادسة من عمره أبيض الوجه، شعره كثيف أشقر، يرتدي معطفا أخضر اللون طويلا. يطلب منه أن يرسم له خروفا، ولا يتمكن الكاتب من إقناع الصبي برسمته، حتى يفكر خارج الصندوق فيرسم صندوقا ويخبر الصبي الصغير، أن الخروف في داخله فيقتنع الطفل حينذاك، منذ تلك البداية والقراء مسحورون بهذه القصة ذات الثلاثة والتسعين صفحة في طبعتها الأصلية، التي أصبحت أكثر الكتب ترجمة في العالم بعد الإنجيل، إذ ترجمت إلى أكثر من 600 لغة ولهجة محلية، وبعض مترجميها كانوا من حملة جائزة نوبل، بل ترجمت القصة حتى إلى لغات ميتة مثل اللاتينية، وبيعت منها مئتا مليون نسخة وصدرت عن 1300 دار نشر، هذا غير الطبعات المزورة التي لا تعد ولا تحصى.
يكفينا في التعريف بهذه القصة الملهمة وصف الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر بأنها أفضل كتاب أدبي في القرن العشرين. ومن المفارقات أن سانت إكس لم يعش بعد صدور «الأمير الصغير» ـ في نيويورك باللغتين الإنكليزية والفرنسية في آن واحد – سوى سنة واحدة، فلم يشهد مجد الكتاب، وكيف تحوّل إلى كتاب ملهم للكبار قبل الصغار، بل لم يتقاضَ المؤلف عن قصته سوى ثلاثة آلاف دولار وإن كانت إحدى رسوماتها التخطيطية الأصلية قد بيعت بعد ذلك بعشرات آلاف الدولارات. والمتابع يذهل مما دار حول هذه القصة الصغيرة من دراسات وأعمال، فمنذ ثمانين سنة لا يزال هناك ما يقال عنها، حيث خضعت لتأويلات لا تنتهي، فلا يستغرب القارئ حين يجد كتابا عن «العلوم السياسية للأمير الصغير» أو الأبعاد الفلسفية فيها، كما كانت هذه القصة محبوبة السينما، إذ اقتبس منها أكثر من عشرة أفلام، وكذلك الأمر بالنسبة للمسرحيات والأوبرا الموسيقية، والرسوم المتحركة، كما تصدرت واجهة ورقة الخمسين فرنك الفرنسية، في حين احتل سانت إكس الواجهة الأخرى للورقة.
وللإنصاف لم يكن أنطوان دو سانت أكزوبيري صاحب الكتاب الواحد، بل كتب قبل «الأمير الصغير» عدة كتب أغلبها مستمد من عالم الطيران وأجوائه، فقد كان يرى في رفاق المهنة الأخوّة والحكمة والإحساس بالمسؤولية، كما ذكر في روايته «بريد الجنوب» وهي أول رواياته الفعلية نشرها سنة 1929 عن طيار ينقل البريد من باريس إلى السنغال، مرورا بالدار البيضاء المغربية وهو ما كان يفعله سانت إكس نفسه، يقع في حب امرأة متزوجة ويذهبان في مغامرة لم تناسبهما، فيعيدها إلى زوجها. ثم نشر بعد «بريد الجنوب» بسنتين رواية «طيران ليلي» قدم لها صديقه أندريه جيد الحاصل على جائزة نوبل بعد ذلك، وهي رواية أنضج من الأولى عن رئيس شركة البريد الجوي في الأرجنتين – وبالمناسبة فقد عمل سانت أكزوبيري هناك – ذلك الرئيس الذي كان يدفع موظفيه إلى أقصى حدود التفاني في أداء مهمتهم، ويفرض عليهم أن يتصرفوا «كما لو أن هناك شيئا يفوق الحياة البشرية من حيث القيمة» فالبريد مقدس، ومن الضروري أن يصل إلى وجهته كل يوم، في الوقت نفسه، دون خوف من الموت الذي يترصدهم في رحلات طيرانهم الليلية. وقد حصلت الرواية على جائزة «فيمينا» أهم جائزة في الأدب الفرنسي بعد الغونكور، وبيعت إلى هوليوود ليُنتج عنها فيلم، وأهم شيء أنها افتكت اعتراف المثقفين الفرنسيين بموهبة أنطوان بعد أن كانوا يعتبرونه طيارا متطفلا على الأدب. وبما أن النجاح يجرّ النجاح، فمع بداية الحرب العالمية الثانية سنة 1939 سقطت طائرة أنطوان دو سانت إكزوبيري مع صديقه في الصحراء الليبية، وبقي ثلاثة أيام في الصحراء عرضة للشمس والعطش، لولا أن أنقذه البدو وبجملة واحدة من كتابه يقول فيها «أيها الماء، ليس لك طعم ولا لون ولا رائحة، لا يُمكن تعريفك، يمكن تذوّقك فقط، دون أن نعرفك.
أنت لست ضروريا للحياة: أنت الحياة»، نستطيع فهم ما عاناه يومذاك، ومن هذه التجربة التراجيدية يتأمل سانت إكس في الصداقة والبطولة والطائرة والطيار، وما يرتبط بذلك من القيم الإنسانية الكبرى، فكان هذا الكتاب مثل سابقه جديرا بالجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية وجائزة الكتاب الوطني الأمريكية. أمران لم يُمحيا من ذاكرة أنطوان دو سانت إكزوبيري: وفاة أخيه وهو مراهق، وقد بلغ من تأثره بهذه الوفاة أن رفض عرض ناشره تغيير نهاية قصة «الأمير الصغير» وأصر على أن يموت الأمير بلدغة ثعبان وهو طفل، بل وصف مشهد موت الأمير الصغير، كما رسخت في ذاكرته صورة وفاة أخيه «لبث هنيهة جامدا في مكانه لا يتحرك ولا يصيح، ثم هوى برفق كما تهوي الشجرة». ومن يتتبع تفاصيل القصة القصيرة يجد كثيرا من عناصر سيرة المؤلف الذاتية فيها. أما الأمر الثاني فأثر سكان الصحراء عليه، سواء بدو الصحراء المغربية أو بدو ليبيا، فقد تعلم كثيرا من الحكمة من البدو المغاربة في صحراء طرفاية في أقصى الجنوب المغربي، ومن تأثره بهم كتب مرة «الحقيقة بالنسبة للإنسان هي ما تجعل منه إنسانا». كما انحفر في وجدانه وإلى الأبد موقف الشهامة الإنساني من البدوي الليبي، الذي أنقذه من الموت مع صاحبه فكتب عنه «أما بالنسبة لك أيها البدوي الليبي الذي أنقذتنا، سوف تتلاشى إلى الأبد من ذاكرتي. لن أتذكر وجهك أبدا. أنت رجل وستظهر لي بوجه كلّ الرّجال في آن واحد. ما حدَّقتَ فينا قطُّ، ومع ذلك تعرَّفتَ علينا. أنت الأخ الحبيب. وأنا بدوري سأتعرّف عليك في كل الرجال». وقد خلّد مواقف سكان الصحراء الذين عرفهم عن قرب في كتبه.
ثمانون عاما مرّت على نهاية كاتب كتب قبل وفاته قصة للأطفال فهام بها الكبار، وحملت أرقى معاني الشرط الإنساني على لسان أمير صغير قادم من كوكب بحجم غرفة لا يسع سوى ثلاثة براكين صغيرة وبعض النّباتات وزهرة تتدللّ عليه. وبعد هذه التحفة الأدبية كأن أنطوان دو سانت أكزوبيري، أحس أنه قد أنجز مهمته فكتب رسالة قبل يوم واحد من مقتله إلى صديقه المقاوم بيير دالوز جاء فيها: «إذا كنت سقطتُ، فلن أندم على شيء على الإطلاق. إنّ تلة النمل الأبيض المستقبلية تخيفني. وأنا أكره فضائلهم الآلية. لقد خُلقتُ لأكون بستانيا».
شاعرة وإعلامية من البحرين
الحالة الجوية ودرجات الحرارة المتوقعة الجمعة
تربية الكرك تعقد اختبارا لقياس مهارتي القراءة والكتابة
إنقاذ معتمرة مصرية توقف قلبها أثناء الطواف بالكعبة
قرى الأطفال سوريا ترفع دعوى لكشف المفقودين
حرب جديدة قد تندلع والأردن يحذر من الجحيم: السيناريوهات المحتملة للمنطقة
ما هو عدد الأسرى الفلسطينيين المتوقع الإفراج عنهم .. السبت
منتخب الإيبيه الأردني يشارك بالجائزة الكبرى بالدوحة
صحيفة: وقف النار في غزة يكشف استمرار سيطرة حماس
الفراية يلتقي المدير الاقليمي للمنظمة الدولية للهجرة
سلطة إقليم البترا تشارك بمعرض سياحي في مدريد
بريطانيا: السجن 52 عاما على مراهق قتل 3 فتيات
اتفاق وقف النار بين حزب الله والاحتلال قد ينهار .. ساعات حاسمة
الساعات الحاسمة .. قائمة الأسيرات الجمعة وعودة الآلاف إلى غزة الشمالية السبت
بحضور الملك وولي العهد .. جاهة لطلب الأميرة سارة بنت فيصل
ترفيعات في الديوان الملكي .. أسماء
ولي العهد من محبته لموسى التعمري .. ماذا فعل
أردنيون مطلوبون للقضاء .. أسماء
العمل:قرار يخص العمالة السورية فقط
نشرة الطقس في الأردن حتى الأربعاء
القضاء يبرئ د. بني سلامة من قضية رفعها محامي اليرموك
دعوة للمكلفين بضريبة الأبنية والأراضي ومالكي العقارات
ضعف مطري غير مسبوق في الأردن مع انتصاف المربعانية
غزيون يرفعون لافتة كتب عليها "الأردن منا ونحن منهم"
نشرة الطقس في الأردن من الجمعة حتى الاثنين
مهم للأشخاص الذين يعانون من ارتفاع فواتير الكهرباء
إحالة أمين عام وزارة الشباب إلى التقاعد
الأردن .. إطلاق المرحلة الثانية للتعرفة الكهربائية المرتبطة بالزمن
سابقة تاريخية .. القضاء ينتصر لأستاذ جامعي في اليرموك للمرة الخامسة