عن السلم والإذلال والمسؤوليّة الذاتيّة
عند تناول السلم كمفهوم وممارسة، يقفز إلى الصدارة تمييزان استهلكا كثيراً من الجهد، وغالباً ما أثارا تبايناً وخلافات. أمّا التمييز الأوّل فبين إرساء أسس صلبة للسلم وبين الاكتفاء بتحويل نتائج الحرب، كفعل عسكريّ، إلى واقع سياسيّ وقانونيّ. وأمّا التمييز الثاني فبين السلم كعلاج لنزاعات تُعاش في الحاضر، وربّما الماضي أيضاً، وبينه كمدخل إلى صيغة حياة تسود المستقبل، وفيها تنمو علاقات اقتصاديّة وثقافيّة وفي ما بين المجتمعات المسالمة.
ومَن هم على إلفة مع التاريخ الأميركيّ الحديث يدركون كيف كان للتمييزين المذكورين أن وسّعا شقّة الخلاف بين الرئيس الديمقراطيّ وودرو ويلسون ورئيس لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس الشيوخ الجمهوريّ هنري كابوت لودج، وكان كلٌّ منهما ينطلق من وجهة نظر متكاملة ومتماسكة. ذاك أنّ الأوّل سعى إلى صيغة لإنهاء الحرب العالميّة الأولى يكون عنوانها «سلام من دون انتصار»، بينما أصرّ الثاني على «استسلام ألمانيا غير المشروط». كذلك اقترن اسم الأوّل بإنشاء «عصبة الأمم» ومهمّتها الأساسيّة منع الحروب من خلال الأمن الجماعيّ ونزع السلاح وتسوية الخلافات الدوليّة عبر التفاوض والتحكيم. وكان ويلسون قد استمدّ الفكرة من كتاب إيمانويل كانط «السلام الدائم» الذي سبق له أن درّسه حين عمل أستاذاً في جامعة برينستون. وبدوره كره كابوت لودج، وهو «الانعزاليّ»، «عصبة الأمم» بوصفها تُخضع مصالح الأمن القوميّ الأميركيّ لاعتباراتها.
وفي أوروبا، وعلى نطاق أصغر، أثارت المسائل إيّاها نقاشاً كان نجمه جون ماينرد كاينز، الذي سيغدو بعد سنوات قليلة أحد أبرز اقتصاديّي العالم. فكاينز قدّم استقالته من عضويّته في الوفد البريطانيّ المفاوض في فرساي، بعد الحرب العالميّة الأولى، كما استقال من عمله الاستشاريّ في وزارة الخزانة البريطانيّة التي مثّلها في المفاوضات. أمّا السبب فكان احتجاجه على التنازلات التي فرضها الحلفاء، وبينهم بلده، على ألمانيا، وعلى حجم التعويضات المطلوبة منها التي رأى أنّ أعباءها ستُحمّل إلى مدنيّي ألمانيا الأبرياء. وإذ كتب لاحقاً «الآثار الاقتصاديّة للسلام»، فقد أخذ على معاهدة فرساي تغليبها الانتقام من ألمانيا على فرصة إصلاح الاقتصاد الأوروبيّ الذي دمّرته الحرب، مجادلاً بأنّ على الدولة المهزومة أن ترفض العقوبات المفروضة عليها، ومنتقداً الدول الكبرى لوقوفها وراء اتّفاقيّة اعتبرها غير أخلاقيّة، وهذا فضلاً عن توقّعه نتائج مُرّة للقسوة المفروضة على الشعب الألمانيّ.
وكان تعبير «مثاليّ» أكثر التعابير التي استخدمها «الواقعيّون» (أي في هذا السياق: الثأريّون) في وصف الرئيس ويلسون والاقتصاديّ كاينز. لكنْ سنة بعد أخرى راح يتبدّى حجم الدور الذي لعبته معاهدة فرساي وإذلالها الذي فُرض على الألمان في صعود النازيّة، كما راح يتأكّد أنّ ويلسون وكاينز كانا أبعد نظراً، بلا قياس، من الإذلاليّين.
والحال أنّ التجارب المذكورة لا تطابق أحوالنا لأسباب عدّة، إلاّ أنّها تشبهها في بعض الأوجه، لا سيّما في ضرورة الحضّ على أن لا تُختتم الانتصارات والهزائم بالإذلال. ونعرف، فيما الكلام يتزايد راهناً عن السلم والتطبيع مع إسرائيل، أنّ بنيامين نتنياهو وشركاء حكومته من الدينيّين المتعصّبين، أخصّائيّون في إذلال خصومهم حين يستطيعون ذلك، وأغلب الظنّ أنّهم يستطيعونه اليوم. لكنّنا نعرف أيضاً أنّ تبسيط الأمور وحصرها في بُعد عسكريّ أو أمنيّ قد يكون مصدراً شقيّاً لعذابات لاحقة قد يتسبّب بها سلم إذلاليّ.
فإذا استقرّت الحال على هذا النحو بدا كما لو أنّنا نُجرّ غصباً عنّا إلى السلم الإسرائيليّ بعدما جُررنا غصباً عنّا إلى حروب الممانعين. ففي الحدّ الأدنى، يمكن لصيغة كهذه أن تعزّز حجّة القائلين بأنّ قوّة إيران (أو ربّما تركيّا) مطلوبة ومرغوبة للتوازن مع الدولة العبريّة. وفي الحدّ الأقصى، قد يتّجه غضب الغاضبين إلى جماعات دينيّة وعِرقيّة في بلدانهم، هي تعريفاً ضعيفة وأقلّيّة. ونعرف أنّ تقاليدنا الرديئة التي تعود إلى أواسط القرن التاسع عشر تستسهل الربط بين تلك الأقلّيّات وبين طرف أجنبيّ. ومع كلّ عجز حيال الأخير (غير المقدور عليه) يتعاظم التجرّؤ على الأولى (المقدور عليها).
واعتبارات كهذه قد تفسّر وتبرّر الرغبة في أدوار أميركيّة أكبر، إذ تُعدّ الولايات المتّحدة الطرف الأوحد الذي يستطيع الضغط على إسرائيل، علماً بجواز الشكّ في ممارستها هذا الضغط وفي المدى الذي يبلغه ضغطها.
لكنّ اللوحة لا تكتمل من دون الالتفات إلى الدور الذاتيّ في تعزيز احتمال كهذا. فالتذاكي الغبيّ الذي يندفع أصحابه المهزومون إلى عدم الاعتراف بهزيمتهم، وعدم تسليمهم السلاح تالياً، لا يغري إلاّ بممارسة الإذلال حيالنا جميعاً، إن لم يكن مضاعفته.
ومن يسمع ترّهات الناطقين بلسان «حزب الله»، والتبجّح المَرَضيّ الذي يصدر عنهم، ومن يلاحظ البطء والتردّد الرسميّين في جمع سلاح الطرف المهزوم، يستنتج أنّ أقصى الإذلال الإسرائيليّ، لنا كلّنا، قادم لا محالة. أمّا صون الكرامة، أو ما تبقّى منها، فمعناه الوحيد اليوم المسارعة إلى طيّ هذه الصفحة السوداء.
هجوم دموي لمستوطنين يوقع شهيدين شمال رام الله
كم بلغ سعر الذهب في السوق المحلي السبت
موعد الترخيص المتنقل بلواء بني كنانة
موعد إنحسار الكتلة الحارة على المملكة
الفيفا يحدد ملعب نهائي مونديال 2030
ترمب في تكساس بعد الفيضانات القاتلة .. صور
انخفاض مؤشرات الأسهم الأميركية وارتفاع نفط تكساس
بدء تنفيذ مدينة ألعاب ترفيهية وسط لواء المزار الجنوبي
أبقار إسرائيلية تدخل جنوب لبنان وتحذيرات رسمية .. فيديو
استشهاد محمد شلبي إثر اعتداء مستوطنين شمال رام الله
انطلاق مهرجان صيف عمّان 2025 في حدائق الحسين
مخالفات عكس السير تودي بحياة مواطنين
وقف ضخ المياه عن مناطق في المملكة .. أسماء
بتوجيهات ملكية .. طائرة إخلاء طبي لنقل عائلة أردنية من السعودية
مدعوون لإجراء المقابلات الشخصية .. أسماء
مهم من التربية بشأن تصحيح امتحانات التوجيهي
دفعة تعيينات كبيرة في وزارة التربية - أسماء
استدعاء 350 مالك شاليه بجرش لهذا السبب
مهم من الحكومة بشأن انخفاض أسعار البنزين وارتفاع الديزل والكاز
الحكومة تمنح قروضاً بلا فوائد لهذه الفئة
تفاصيل القبول الموحد في الجامعات الأردنية لعام 2025
تحذير مهم من مهرجان جرش للجمهور
الاعتداء على الصحفي فارس الحباشنة أمام منزله في عمّان .. صور
مشاجرات دامية بالعاصمة خلال يوم واحد .. تفاصيل
تكفيل النائب الرياطي ومنعه من السفر
موجتا حر في تموز 2023 وحرارة تصل الى 40 درجة مئوية
ما مصير النائب المتهم بتهريب مستندات من مقر جماعة الاخوان المحظورة