التطبير سياسة إعادة إنتاج الهوية الطائفية
البحث عن الهوية يشكّل الهاجس الأكبر لأطراف أحزاب الإسلام السياسي الشيعي التي تهيمن على السلطة في العراق، ويأتي التصعيد في الخطاب الطائفي كجزء من هذا المسار. ويكمن مسار هذا البحث بالبقاء في المعادلة السياسية. فبعد سلسلة الضربات الموجعة التي تلقاها ما يُعرف بـ"محور المقاومة والممانعة"، والذي أصبح غائبًا إلى حد كبير عن الخطاب السياسي لتلك الجماعات المنضوية ضمن الفلك القومي الإيراني بقيادة أيديولوجية ولاية الفقيه، برزت الحاجة إلى خطاب بديل يُعيد ترتيب أوراق النفوذ والوجود.
جاء هذا التحول خاصة في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، والهزيمة العسكرية لحزب الله اللبناني وما تبعها من انتكاسات سياسية في لبنان، وتقزيم نفوذ الحوثيين، وتراجع الميليشيات الولائية في العراق واختفائها خشية الاصطدام بالعاصفة الإسرائيلية. في ضوء ذلك، صعد الخطاب الطائفي ليحل محل خطاب المقاومة والممانعة، في محاولة يائسة للحفاظ على ما تبقى من الامتيازات السياسية وضمان استمرار حضور هذا التيار في المشهد الإقليمي.
التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر ليس بمنأى عن التحولات العاصفة التي تمر بها حركات الإسلام السياسي الشيعي في المنطقة، خصوصاً بعد الحرب الإسرائيلية على إيران وتصاعد المخاوف من مؤامرات تهدف إلى إسقاط النظام الإسلامي هناك.
في هذا السياق، يسعى التيار الصدري إلى تجديد هويته الطائفية وإعادة تأكيد وجوده السياسي. وبعد أن غيّر مقتدى الصدر اسم تياره إلى "التيار الوطني الشيعي"، بدأ يروّج لخطاب يسمح بإحياء بعض الطقوس المثيرة للجدل، أبرزها "التطبير" - وهو طقس يتم خلاله ضرب الرأس بآلة حادة جلدا للذات وحزناً على مقتل الحسين بن علي، حفيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في يوم عاشوراء.
وقد اختلف الفقهاء والعلماء في الطائفة الشيعية حول مشروعية "التطبير" بين التحريم والإباحة. ونشأ هذا الطقس في الحقبة الصفوية وتحديدا في ظل حكم إسماعيل شاه الصفوي الذي اعلن تبنيه المذهب الاثني عشري الشيعي، بعد تحول الدولة الصفوية الحاكمة في إيران من المذهب السنّي إلى الشيعي، كجزء من محاولة بلورة هوية مذهبية مميزة في مواجهة الدولة العثمانية السنّية، في سياق صراع جيوسياسي واضح.
ومن منظور العلم، وحقوق الإنسان، والمجتمع المدني والمتحضر، فإن طقس "التطبير" يُعدّ شكلاً من أشكال إيذاء النفس، ويجب منعه ومحاسبة المحرّضين عليه. بل إنه، وفق معايير الطب النفسي الحديث، يُقارن بمحاولة انتحار جزئية، ما يضع مرتكبه تحت المراقبة الطبية والنفسية، وبرعاية قانونية، حتى تجاوز تلك المرحلة.
بوجه عام، يعتمد التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر على المناسبات والطقوس الدينية لإعادة تأكيد حضوره الاجتماعي، وبالتالي تعزيز شرعيته السياسية. ففي مثل هذه المناسبات، يسعى التيار إلى تجديد صورته أمام جمهوره، ويبرز طقس "التطبير" كجزء من هذا السعي، كما هو الحال لدى باقي قوى الإسلام السياسي الشيعي التي تتنافس بشدة خلال شهر عاشوراء لإثبات "الحقانية الطائفية".
تستخدم هذه القوى طقوس عاشوراء، والزيارات الدينية والمواكب، كأدوات لإظهار النفوذ الجماهيري، وغالباً ما يتم تضخيم الأرقام بشكل كبير عند الإعلان عن أعداد المشاركين. فعلى سبيل المثال، أعلنت بعض الجهات العام الماضي أن أكثر من 20 مليون شخص شاركوا في إحياء أربعينية الإمام الحسين في مدينة كربلاء. لكن عند مقارنة هذا الرقم بإمكانيات المدينة من حيث البنية التحتية، والخدمات اللوجستية، والمساحة الجغرافية، فلا يمكن بأي حال مقارنتها بمدينة مكة التي تستضيف سنوياً موسم الحج، ويصل عدد المشاركين فيه إلى حوالي مليونين فقط، رغم التنظيم الهائل والإمكانيات المتقدمة المتوفرة هناك.
هذا التفاوت بين الأرقام المعلنة والواقع العملي يشير إلى استثمار سياسي وطائفي واضح في هذه المناسبات، حيث تُستخدم لإبراز القوة والشرعية الزائفة أكثر مما تعكس واقعاً دقيقاً أو موضوعياً.
ومن هنا يمكن الاستنتاج أن هذه المناسبات الدينية تُستغل لإعادة صياغة معادلة المحاصصة السياسية، وتبرير أحقية هذه الجماعات في البقاء في السلطة وتدويرها فيما بينها.
مقتدى الصدر، الذي أجاز مؤخرًا ممارسة طقوس التطبير، لم يعد أمامه خيار بعد أن نأى بنفسه عن المواجهة مع "الشيطان الأكبر" (الولايات المتحدة) وحليفتها إسرائيل، وامتنع عن اتخاذ موقف صريح من الحرب الإسرائيلية على إيران تحت شعار "الدفاع عن العراق"، سوى التشبث بهويته الطائفية لتثبيت وجوده السياسي.
فبعد أن هُزم في "ثورته العاشورائية" عشية تشكيل حكومة السوداني على يد خصومه في "الإطار التنسيقي"، وأُقصي من تشكيل الحكومة بقرار المحكمة الاتحادية عبر ما عُرف بـ"الثلث المعطّل"، بالإضافة إلى فشله العسكري في معركة المنطقة الخضراء، أصبح يبحث عن كل فرصة لتأكيد حضوره وتجديد هويته السياسية الطائفية، تمهيدًا للعودة إلى السلطة. وقد تجلى ذلك في عدة تحركات، منها: الدفع لتمرير قانون يكرّس عيد الغدير مناسبة رسمية- هو يوم إعلان أحقية علي بن أبي طالب بالخلافة التي جاء في خطبة النبي محمد- السماح لأنصاره باقتحام السفارة السويدية على خلفية حادثة حرق المصحف، تمرير "قانون السلة الغذائية" تغيير اسم تياره إلى "التيار الوطني الشيعي"، وأخيرًا، السماح بممارسة التطبير علنًا. كل هذه الخطوات ليست سوى جزء من استراتيجية إثبات الوجود، وإعادة التأكيد على أحقيته في زعامة الطائفة والقيادة السياسية في العراق عبر بوابة الهوية الطائفية.
أما مقاطعة التيار الصدري للانتخابات، والمطالبة في بيانه الأخير بشروط مشاركته من خلال حل المليشيات وانتهاء الفساد والقضاء على الفاسدين، فليست سوى محاولة لذر الرماد في العيون، وامتهان النفاق السياسي بحرفية عالية أسوة بأخوته الأعداء في العملية السياسية. فالميليشيا التابعة له، "سرايا السلام"، لا تزال تسيطر على مدينة سامراء، حيث مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري، وتمارس هناك حملات اعتقال واسعة والاخفاء القسري لأهالي المدينة دون أي أوامر قضائية منذ سيطرتها على المدنية تحت عنوان محاربة داعش، وتقوم بمصادرة الممتلكات، و بأعمال قتل وترهيب بحق كل من يعارضها. ومع ذلك، لا نجد أي حكومة متعاقبة تجرؤ على مساءلتها، بل يسود صمتٌ مريب من الجميع.
وفي الوقت الذي يدّعي فيه الصدر محاربة الفساد، كان هو نفسه جزءًا من منظومة الفساد. فقد دعم نوري المالكي خلال انتفاضة شباط 2011، وشارك وزراؤه الخدميون في عمليات فساد ضخمة في عهده. كما ساهم في إنقاذ حكومة حيدر العبادي عام 2015 من قبضة التظاهرات التي رفعت شعارات مثل: "باسم الدين باگونا الحرامية"، و"من دخل بيها أبو عمامة صار البوك للهامة".
ولم يكتفِ بذلك، بل أعاد تثبيت العملية السياسية ذاتها من خلال تدخل ميليشياته، التي أضاف لها اسمًا جديدًا آنذاك، "أصحاب القبعات الزرقاء"، لقمع انتفاضة تشرين وتسهيل تشكيل حكومة مصطفى الكاظمي.
التيار الصدري وزعيمه اليوم يقفان في انتظار ما ستؤول إليه تداعيات الحرب الإسرائيلية على ايران هذه الحرب، طمعًا في استغلال اللحظة المناسبة للانقضاض على السلطة من جديد.
إن الشعبوية، التي يتّبعها التيار الصدري كمنهج، تتميّز بهوية قومية محلية تُسمّى بالوطنية، وتعتمد في خطابها على استثارة أكثر التصورات والمشاعر الرجعية والمنحطة والمتخلّفة، على غرار التيارات الشعبوية الأخرى في العالم. وما إحياؤه لطقس مثل "التطبير" سوى جزء من استراتيجية ممنهجة للتأكيد على هويته الطائفية، والتحضير للعودة السياسية في أجواء إقليمية ملتهبة تسير نحو مزيد من الاستقطاب.
إن "التطبير"، في هذا السياق، ليس مجرد طقس ديني، بل أداة سياسية جهنمية تُستخدم لتكريس التخلف. لذلك، من واجب كل من يسعى إلى كرامة الإنسان والدفاع عن حقوقه أن يرفض هذه الممارسات التي تحطّ من قيمة الإنسان، وتشجّع على الإذلال الذاتي.
إن الدفاع عن كرامة الإنسان – باعتباره أثمن ما في المجتمع – لا يتحقق إلا عبر بناء دولة علمانية حديثة، تقدّم الإنسان على الدين والطائفة والقومية والعرق والجنس، والعقل على الخرافة، والحرية على الطاعة العمياء.
الاعتداء على الصحفي فارس الحباشنة أمام منزله في عمّان .. صور
اتفاقية شراكة ثقافية أردنية - عراقية في عمّان
نتنياهو يصل إلى البيت الأبيض والغضب يتملّكه قبيل لقاء بترامب
حصيلة فيضانات تكساس تتجاوز 90 قتيلاً
أول تعليق من القسام على هجوم بيت حانون
إيران توجه تحذيراً مباشراً إلى أمريكا
تفاصيل مقتل 5 جنود إسرائيليين وإصابة 10 في غزة
ارتفاع عدد الشهداء في غزة منذ فجر الاثنين إلى 61 شهيداً
ليلو وستيتش يكتسح إيرادات 2025
محمد عطية يطلب حذف فيلمه بعد الوفاة
محمد رمضان يرقص على الحصان ويشعل كواليس من ضهر راجل
حبس وغرامة تصل لـ 500 دينار لمرتكب هذه المخالفة
مطالبون بتسديد أموال مترتبة عليهم لخزينة الدولة .. أسماء
الأشغال تدعو مرشحين للإمتحان التنافسي .. تفاصيل
مهم بشأن ارتفاع أسعار اللحوم والزيوت ومنتجات الألبان
1039 قطعة أرض للمعلمين في سبع محافظات
وقف ضخ المياه عن مناطق في المملكة .. أسماء
بيان عاجل من السفارة الأميركية في عمّان
بحيرة طبريا تقترب من أسوأ مستوى في تاريخها
التسعيرة المسائية للذهب في الأردن .. تفاصيل
التربية .. بدء استقبال طلبات التعليم الإضافي الخميس
الحكومة تمنح قروضاً بلا فوائد لهذه الفئة
منح الجنسية الأردنية لكل مستثمر يعمل على تشغيل 150 عاملاً أردنياً
محافظ الكرك يوقف برد الشفا بسبب منشور الكحول