رضاك
ستكتمل خمس وثلاثون سنة على زواجي الشهر القادم، وكان المخطط مقالات كثيرة على مدار السنة أزعج بها القراء وأحتفي من خلالها بهذه المناسبة «الفاخرة» في حياتي، وكان المخطط حفلاً كبيراً يجمع كل الأهل والأحبة والأصدقاء ولربما بعض الأعداء الذين سأحاول أن أغفر لهم والذين سأطلب منهم أن يغفروا لي في هذا اليوم المفصلي، «عفو عام» مني وأتمناه منهم بما أن القدر أوصلني لهذا العمر ولهذا العدد من سنوات المحبة والقرب والوصال والوئام. كنت سألبس فستان عرسي الذي يبلغ من العمر خمساً وثلاثين سنة، فأتيه به أمام حبيبي رغم ذوق الفستان الذي عفا عليه الدهر، وقماشه اللامع القديم، ثم كنت -كما عرائس هذه الأيام- سأستبدل به فستاناً أبيض آخر يمنح المراهِقة الغارقة في الحب التي لا تزال تسكن روحي فرصة لتعبر عن فرحتها بكل ما يليق وما لا يليق بسني عمرها. كنت سأرقص وكل أحبتي على أنغام الموسيقى لساعات الصباح الأولى، كنت سأجبر زوجي على عدة رقصات «سلو» على أغاني التي يصفها زوجي بالميلودرامية والمراهقاتية، ثم كنت سأُتبع هذه الأغنيات بأغنية «مسيطرة ح مشيك مسطرة» التي حفظت منها أول جملتين، أداعب بهما زوجي في كل فرصة ممكنة ليستقبلني دائماً بهذه الضحكة الرائقة الواثقة وكأنه يقول «أنت خاتم في إصبعي». كنت سأوقف الرجيم الدائم في حياتي يومها لأتذوق من كل أطباق الحلويات على المائدة. كنت سأحتفي بقطع الكيكة وإطعام زوجي منها تماماً كما يوم عرسنا. كنت سأضع مساحيق لم أعتدها مطلقاً على وجهي، لعلي أعود بالزمن إلى الخلف، فأكون العروس التي رآها في ذلك اليوم منذ خمس وثلاثين سنة. كنت سأفعل كل ذلك وأكثر…
ثم أتت حرب إبادة لم تعرف لها البشرية مثيلاً في العصر الحديث، حرب قلبت حياتنا من أعمق أعماقها، زلزلت كل ما كنا نؤمن به ونعتقد، خلخلت كل موازين المبادئ الإنسانية وكل ضمانات الشعور بالأمان، حرب حولتنا إلى الكفر بإنسانية الغرب والإيمان بوحشية الجنس البشري، حرب ضربت أعماق أرواحنا، فقذفتنا خمسين سنة إلى الوراء لنعيد تقييم كل ما اعتقدناه وآمنا به ودرسناه، بل وأنجزناه وحصلنا عليه. يجتاحني اليوم شعور شخصي بأنني لم آت إنجازاً، لم آخذ خطوة للأمام، وشعور عام بأن جنسنا كله لم يتحرك شبراً عن بدائيته وكأنه لا يزال يرزح في أحلك عصور البشرية ظلاماً. إنها أزمة منتصف العمر للبشرية بأكملها.
أتت حرب إبادة لتسلب كما سلبت الإيمان بمفاهيم حقوق الإنسان وبالتطور الحقوقي، كل شعور بالأمان، لتملأ كما ملأت نواظرنا بالدماء الطاهرة ووعينا بالجثث البريئة وأسماعنا بنداءات الاستغاثة القاهرة، لتدفن كما دفنت آلاف الجثث الصغيرة لأجنة لم تولد، لمواليد قذفوا تفجيراً خارج أجساد أمهاتهم، لرضع لم يعرفوا بعد من الحياة شيئاً، لصغار لم يختبروا بعد من السعادة شيئاً، لكبار عاشوا جحيم العجز عن إنقاذ أنفسهم أو صغارهم، أقول أتت كذلك لتسلب أرواحنا مشاعر الكرامة، أتت لتملأ نفوسنا بالعجز والقهر والغضب، أتت لتدفن كل مشاعر فرح حقيقية وكل فرصة ممكنة لعيش طبيعي مستقر.
فواجع الحياة كثيرة، تجبها الرغبة الأنانية الإنسانية في العيش والاستمرار. هي خمس وثلاثون سنة عشناها معاً، بحلوها ومرها ولحظات انتصاراتها وإخفاقاتها، حياة كافحنا كثيراً لإنجاحها ولتخطي صعوباتها، حياة بدأت صعبة بغزو الكويت الذي تلا زواجنا بشهرين، واستمرت نضالية بمحاولات إتمام دراسة زوجي ثم إتمام دراستي وتكوين عائلة وإحاطتها بالحب والرعاية، حياة امتلأت بنضالات النصف الآخر من العمر مع أبناء رائعين مميزين، أبناء كبروا ليحاجوا حججنا، وليتخطوا أفكارنا إلى ما هو أبعد، متحدين بذلك ما كنا واثقين من انفتاحه وتقدميته وصحته وتمامه، لتبدأ رحلة أخرى رائعة الجمال من التعلم من الأبناء ومحاولة تغيير الذات لتواكب الفكر الجديد بمتغيراته ولتنقح الأفكار القديمة من شوائبها. خمس وثلاثون سنة من الإصرار على النجاح، الإصرار على الاستمرار معاً، من التحمل والتنازل والغفران المتبادلين، من سويعات غضب وألم واجههما حب نجح دائماً في أن يجبّهما، ألا تستحق هذه السنوات شيئاً من التكريم والتقدير؟
اتفقنا على أن نحتفي احتفاء أسرياً محفوفاً بعشاء وموسيقى عود، نتذكر على وقعها الأيام التي كانت ونأمل ونحن نستمع إليها بالأيام التي ستكون. لن ألبس فستاناً مبهرجاً، ولن أضع المساحيق، ولن أرقص إلى ساعات الصباح الأولى، لن أقطع كيكة ولن أتذوق الحلويات، وفي الغالب سأبكي على كتف حبيبي كثيراً هذه الليلة. سأبكي دموع فرح عمر مضى سريعاً مليئاً بمحبة رجلي هذا وغفرانه ورعايته، سأبكي سنوات خطفتها الدنيا منا ولم نشبع بعد من أبنائنا صغاراً ملتفين حولنا فيها، لم نشبع بعد من فرحنا النقي المسترسل إبانها غير المثقل بهموم الدنيا المتراكمة مع مرور الزمن، سأبكي حباً يفيض على قلبي، يملأ جوانحي ضاغطاً على جنبات روحي، حباً لا تكفيه حياة واحدة ولا جسد واحد ولا عقل واحد، حباً يود أن يتجسد لهذا الحبيب في صورة أجمل وأقوى وأذكى وأعقل وأحكم امرأة، امرأة تليق به، يستحقها ولم يحصل عليها، ورغم ذلك وبكل جوانحه ولسبب لا أعرفه، أحب تلك التي حصل عليها. ثم سأبكي ضربات حظنا الغريبة، تلك التي تجعلنا لا نزال قادرين أن نحيا ونأكل ونشرب ونحتفل ولو احتفالاً صغيراً محفوفاً، والتي ذاتها تدفن على بعد كيلومترات قريبة منا أطفالاً جائعين عطاشاً، وكباراً مصابين عاجزين، على مرأى من عالم عصابي غريب يدير رأسه عن المشهد ليستمر بأنانية في الحياة. لن أتحول مؤقتاً إلى مراهقة متصابية في هذا اليوم، فالكارثة التي تمر بها الإنسانية دفعت بأعمارنا الجسدية والروحية إلى شيخوخة قتلت كل رغبة في الفرح، بل وكل استحقاق له.
ورغم كل ذلك، اتفقنا أن نفرح في ذلك اليوم، ولو ليوم، ولو تمثيلاً، وبعد أن اتفقنا، أعلمته بقرار غير قابل للنقاش، أخبرته أنني سأحتفي طوال الأربعة أسابيع السابقة ليوم زواجنا (بما أنني لم أستطع ولم أكن لأستطيع أن أحتفي على مدار السنة ونحن في عزاء كبير) بتغريدات ومقالات أقول فيها كل ما وددت قوله إبان الخمسة وثلاثين عاماً الماضية. أخبرته أنني سأثقله وأحرجه وأسرد حكاياته وأقول ما لا يود مني البوح به، أنني بدءاً من هذا المقال ومن ثلاث تغريدات على منصة إكس، سأحتفي بالحكي والسرد وقراءة الطالع وكشف المستور. وعلى عادته، قابلني بتلك الابتسامة، تلك التي تملأ روحي بالرضا والأمان وتفلت الفراشات في جنبات جسدي لتستقر في معدتي، لأبادله بابتسامة تقول «رضاك يا قلب قلبي، رضاك».
خطة تشغيلية لضمان استقرار المشتقات في المملكة
ألوان تناسب بشرتك: دليلك لاختيار الأنسب للملابس
قريباً عيون الصقر إنتاج القوات المسلحة الأردنية
المياه : الذكاء الاصطناعي خفّض الفاقد بنسبة 15%
رئيس الهاشمية يؤكد دعم البحوث التطبيقية الوطنية
الأمن العام يدعو المواطنين للبقاء في أماكنهم والابتعاد عن النوافذ
الطاقة النيابية تطلع على عمل صندوق تشجيع الطاقة المتجددة
شام الذهبي تحقق حلم أصالة في الدوحة
صور أقمار صناعية تكشف أضرارًا تحت الأرض في نطنز
الصخر الزيتي الأردني يؤمن 16٪ من كهرباء المملكة
الملك والملكة يصلان إلى الملعب لمؤازرة النشامى
التربية تفصل سبعة موظفين لتغيبهم المتكرر .. أسماء
إلغاء وتعليق رحلات إلى الأردن والمنطقة .. تفاصيل
احتيال بصوتك: بنوك أردنية تحذر
رحيل أربعة من رجال الأمن العام
عيسى تحت الأنقاض وبيان رسمي من عشيرة الطعمات بإربد
المجالي إلى التقاعد والخصاونة أميناً عاماً للدستورية
ارتفاع جديد بأسعار الذهب محلياً اليوم
سقوط بقايا صاروخ في أرض خالية ببيت رأس – إربد .. فيديو
الليمون يسجل أعلى سعر في السوق المركزي الإثنين
شابة إسرائيلية تتعرى بالطريق احتجاجاً على الحرب .. فيديو
هزات عنيفة في الأردن إثر قصف إيراني مكثف على تل أبيب .. فيديو
حدث خطير في تل ابيب وأنباء عن استهداف مبنى الموساد ومقتل قيادات .. فيديو