الثوب التراثي الأردني: ذهب لا يصدأ في أسواق التحدي والعصرية

mainThumb

25-05-2025 05:17 PM

عمان - السوسنة

في زوايا سوق "عصفور" بوسط البلد في عمّان، تتناثر ألوان الخيوط التي تحيك قصص الجدات والذاكرة، مطرزة على أثواب تقليدية تحولت من موروث ثقافي إلى سلعة اقتصادية ذات قيمة وطنية وتصديرية، رغم مزاحمة الموضة والرقمنة.

في مشهد متكرر منذ أكثر من عقدين، تقف نساء وسياح وأردنيون مغتربون أمام محال الأثواب المطرزة، باحثين عن قطعة تروي هوية مدينة أو محافظة، أو تحمل رمزية وطنية اجتماعية. فالثوب الأردني لم يعد مجرد زي تقليدي، بل نافذة على حكاية مجتمع، وسوق نشطة توظف أكثر من 30 ألف شخص، بين صانع وتاجر وموزّع.

محمد الحلو، عضو مجلس نقابة تجار الألبسة، يقول إن لكل منطقة أردنية طرازها الخاص من الأثواب، تعكس بيئتها ونقوشها المحلية، مشيراً إلى تطور أدوات الحياكة من الخيوط والإبر اليدوية إلى الماكينات الحديثة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، التي سهلت الإنتاج لكنها أثّرت على رمزية الثوب اليدوي.

ويضيف الحلو أن سوق الأثواب التراثية في الأردن يضم أكثر من ألف محل، تتركز في العاصمة عمّان، وخاصة في وسط البلد، حيث تباع أثواب يدوية وآلية، مصنوعة من أكثر من 20 نوعاً من الأقمشة المستوردة، أبرزها من الصين ومصر وكوريا. ويشهد الطلب على هذه الأثواب ارتفاعاً في الصيف، حيث تكثر المناسبات الوطنية والاجتماعية، كما يزداد الإقبال من المغتربين والسياح العرب.

ويتراوح سعر الثوب بين 10 و130 ديناراً، حسب كمية التطريز ونوع القماش وجودته، ومدى استخدام الأحجار والزينة، كما يتوقف على عدد الألوان والخيوط. ويُعتبر الثوب الأردني هدية ثمينة ومعبّرة، بحسب الحلو، الذي يؤكد أن الطلب من الخارج في تصاعد، خاصة من أوروبا وأميركا ودول الخليج.

أسعد القواسمي، عضو مجلس إدارة غرفة تجارة الأردن، يلفت إلى أن تجارة الأثواب في الأردن تعود لعقود طويلة، مع تحديثات تواكب العصر في التصاميم والألوان. ويقدّر القواسمي عدد المحال في عمّان بنحو 250، ونحو 100 محل في باقي المحافظات. ويضيف أن "الثوب لم يعد رمزية تراثية فحسب، بل مفخرة وطنية ترتديها النساء في المناسبات، وقد انتقل إلى مرحلة التصدير ومحاكاة الموضة العالمية."

ويحذر القواسمي من انتشار منصات إلكترونية تحاول تقليد الثوب الأردني دون الوصول إلى ذات الجودة والنقوش، مما يؤثر على المنافسة. إلا أن السوق المحلية تبقى جاذبة بفضل خصوصية الثوب وارتباطه بالمناسبات الوطنية، مثل الشماغ للرجال.

الدكتورة فاطمة النسور، الباحثة في التراث الأردني، تعمل على إعادة إحياء الأزياء التقليدية مثل "الخلقة السلطية"، بالتعاون مع مؤسسات دولية. وتقول النسور إن تصميم الثوب الحديث يحافظ على هوية الألوان والنقوش، وإن اختلف نوع القماش ليتلاءم مع العصر.

وتؤكد النسور أن الإقبال على الأزياء التراثية ارتفع بين الشابات، خاصة مع تزايد الوعي بقيمته الثقافية، لكن الأسعار المرتفعة للأثواب اليدوية تظل عائقاً أمام تعميمها. وتدعو النسور إلى دعم رسمي أوسع لهذا المنتج الثقافي، من خلال الترويج له عبر السفارات والمعارض الدولية.

بدوره، يرى محمود مناصرة، مدير عام "مطرزات الكرنك"، أن وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت على نشر وعي واسع حول الثوب التراثي، مشيراً إلى تساوي الإقبال بين المواطنين والسياح. لكنه يشير أيضاً إلى تحديات تواجه السوق، مثل ضعف القدرة الشرائية، وقلة العمالة المحلية المدربة، وغياب دعم حكومي فعّال.

ويضيف مناصرة أن كثيراً من الأثواب المباعة خارج الأردن لا تحمل الطابع الأصلي، ما يعزز الحاجة لحماية الهوية البصرية للثوب الأردني، وتدريب كوادر جديدة على فنون التطريز اليدوي.

في النهاية، الثوب الأردني ليس مجرد قطعة قماش، بل قصة وطن، تروى بخيوط مطرزة في صمت، تلمع على أكتاف الأمهات والحفيدات، وتتنقل بين الأسواق المحلية والصادرات العالمية، متحدياً تقلبات الاقتصاد، وجموح العصرنة، ليظل ذهباً لا يصدأ .    

إقرأ المزيد : 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد