قراءة سياسية لأخر تقرير لمعهد أبحاث الامن القومي الإسرائيلي

mainThumb

09-11-2025 04:41 PM

قد تشهد أمريكا يوما ما تحولاً دراماتيكيا تجاه إسرائيل ان بقيت اسرائيل على حالها تصنع الحروب وتقتل وتدمر وتأخذ القانون الدولي بيدها وتريد من الإدارة الامريكية ان تحميها امام راي عام دولي متغير ,اعتقد ان هذا سيأخذ بعض الوقت لكن نستطيع ان نقول ان ملامح هذا التحول قد بدأت في انحاء كثيرة بالعالم وفي داخل أمريكا أيضا , فقد ضجر الشعب الأمريكي أكاذيب اسرائيل وفي ذات الوقت بدا يفكر في جدوى الدعم الامريكي الرسمي غير المحدود لها وهي التي مازالت ترتكب جرائم حرب باسم اليهود بحق الفلسطينيين ,وبدأ الشعب الأمريكي واليهود الامريكان يدركوا ان هذه الجرائم التي ترتكب باسمهم ما هي الا جرائم بحقهم أيضا فاليهود في العالم يعرفوا ان الصهيونية في إسرائيل والعالم هي من تجيز قتل البشر وارتكاب جرائم تشوه الديانة اليهودية. في امريكا وبعد انتخاب (زهران ممداني) حاكماً لنيويورك وبعد استضافته من قبل الجالية اليهودية في نيويورك بدأت هناك حسابات إسرائيلية تخشي ان يؤثر تغير المزاج الشعبي الأمريكي على صانع السياسة الامريكية يوما ما تجاه اسرائيل ,وهناك خشية بان تتغير النظرة الامريكية الرسمية لدولة الاحتلال اذا ما استمرت هذه الدولة في الكذب والتنكر لحقوق الانسان ,وإذا ما استمرت في التحريض والكراهية وشن الحروب تحت وازع عنصري وانتقامي من الفلسطينيين سواء كانوا مسلمين او مسيحيين وهذا ما حذر منه الرئيس ترمب حليف إسرائيل الكبير اكثر من مرة معتبراً اسرائيل قد تدخل في عزلة حقيقية وقد تصبح دولة منبوذة وغير محترمه ليس من قبل العديد من شعوب العالم وانما في أمريكا نفسها ووعد بان يعيد لإسرائيل مكانتها بالعالم اذا ما قبلت في صنع السلام حسب خطته.

في قراءة لاهم تقرير مطول صدر عن مجلس الامن القومي الإسرائيلي ونشرته (صحيفة هآرتس) اظهر ان إسرائيل بدأت تستشعر ان صورتها باتت مشوهة بالعالم وبدأت تستشعر انها في عزلة لذا بدأت بإعداد برامج خاصة لتحسين صورتها وتستثمر في ذلك ملايين الدولارات خاصة في أمريكا لإدراكها ان اليمين الأمريكي المحافظ بدأ يغير من تأييده لإسرائيل وقامت بالاتصال بالعديد من الشركات الإعلامية لتخطيط حملات تستهدف ملايين المسيحيين الذين يترددون على الكنائس وتخصيص برامج لإرسال ملايين الرسائل عبر السوشيال ميديا وقامت باستئجار رئيس حملة (الرئيس ترمب) الانتخابية للقيام بمهمات إعلامية للتأثير على رواد هذه المنصات اثناء بحثهم عن الحقيقة او تعاطيهم مع اخبار تشوه إسرائيل. ان دلالات هذا التقرير تشير الي هناك قلق إسرائيلي كبير من تأثير السوشيال ميديا على مكانة وسمعة اسرائيل بين الشعوب وخاصة الشعب الأمريكي الذي بات ينتقد سياسة الرئيس ترمب الداعمة لدولة الاحتلال وهي تمارس الإبادة الجماعية والتجويع والتميز العنصري ولإدراك إسرائيل ان هذه المنصات الغير مسيطر عليها باتت تشكل قوة إعلامية غير مباشرة في تغذية الشعوب بأفكار تؤكد انتهاك اسرائيل لحقوق الانسان وخاصة حق الانسان الفلسطيني في العدل والمساوة والحياة بكرامة وحق تقرير المصير.

ان دعوة التقرير الي استثمار فترة ولاية الرئيس ترمب بوصفة الحاكم الأكثر تأييدا لإسرائيل وسياسته بالمنطقة وباعتبار سياسته الخارجية تعيد تشكيل الشرق الأوسط والساحة الدولية لصالح إسرائيل ويفيد التقرير بان إسرائيل تخشي من ان يأتي يوما ما لا تحقق فيه اسرائيل ما تحققه اليوم بوجود الرئيس ترمب وهو الذي يسعي في الفترة الحالية لترسيخ تفاهمات مرحلة ما بعد الحرب على غزة وبلورة تفاهمات أوسع مع واشنطن والإقليم يمكن ان تحسن من صورة إسرائيل . ولعل تحذير التقرير من تحول محتمل في السياسة الامريكية مستقبلا أي ما بعد عهد الرئيس ترمب هو تحذير في مكانه لأنه اذا حدثت هناك بعض التغيرات الداخلية سوف يكون هناك انعكاسات سلبية على العلاقة بين اسرائيل وواشنطن لكن في اعتقادي ان هذا لن يؤثر كثيرا على التحالفات الاستراتيجية بين البلدين. التقرير هو بمثابة ورقة موقف إسرائيلي من خطة الرئيس ترمب لإنهاء الحرب على غزة حيث اعتبرها متلائمة بدرجة كبيرة مع المصلحة الإسرائيلية الواسعة نحو مسالة استعادة المختطفين وانهاء الحرب وابعاد حماس عن الحكم في القطاع ونزع سلاحها الي جانب فتح قنوات ارتباط جيدة مع دول المنطقة لكبح جهود عزل اسرائيل دوليا ومن هذا المنطلق فان التقرير أشار الي انه إذا أصبحت إسرائيل مقبولة في المنطقة فإنها ستكون مقبولة في العالم وعلى الساحة الدولية وهذا لن يتحقق في ظل استمرار الحرب على الفلسطينيين لذلك هناك قناعة رسمية اسرائيلية بضرورة انهاء الحرب على غزة بما يحقق اهداف هذه الحرب من خلال خطة ترمب لهذا يروي معدو الورقة ان تبني إسرائيل لخطة ترمب ضروري كي يدفع ترمب بمبادرات إضافية لتحصين الامن القومي الإسرائيلي.

والجديد في التقرير انه يوصف إسرائيل كدولة تابعة للولايات المتحدة الامريكية ويركز على ضرورة مواجهة واقع اشكالي بدأ في التطور الشهور الأخيرة وهذا التطور ناتج عن تحولات ديموغرافية واجتماعية وسياسية عميقة في الولايات المتحدة الامريكية ,ويحذر التقرير من ان التيار التقدمي في داخل اليسار الأمريكي بات اكثر حضوراً ويقرأ الصراع بشكل مختلف تماما عن المرحلة الماضية وفي مقابل ذلك أيضا يسجل التقرير تحولات ما حادثة داخل اليمين المحافظ فحركة (ماغا) التي كانت داعما أساسيا لترمب وكان لها الفضل في فوزة باتت تتحفظ على الانخراط في الصراعات الخارجية مع ظهور تيارات راديكالية تعتبر إسرائيل دولة تجر الولايات المتحدة الامريكية الي حروب لا تخدم مصالحها . يستند التقرير الي العديد من استطلاعات الرأي أهمها استطلاع ( بيو) في مارس الماضي الذي اظهر ارتفاع الآراء السلبية تجاه إسرائيل الي 53% وتدني التأييد لإسرائيل الي مستوي لم يسبق ان وصل اليه منذ 25 عاما وهناك أيضا استطلاع ( غلوب) الذي سجل هبوط في التأييد العام لإسرائيل بنسبة 46% وهو الأدنى منذ ربع قرن أيضا ,وأفاد استطلاع (لجامعة ميرلاند) بان 41% من الأمريكيين يرون ان إسرائيل ترتكب (إبادة جماعية ) وجرائم مشابهة في غزة وبناء على مجمل تلك المعطيات التي اكدت ان هناك تحول في السياسة الامريكية قد يحدث في المستقبل اتجاه إسرائيل فان التقرير اوصي باستغلال الفرص الممنوحة الان في ظل إدارة الرئيس ترمب بما يحقق ترسيم خطوط سياسية عريضة لانفصال إسرائيل عن كيان فلسطيني مستقل منزوع السلاح وبسيادة محدودة على أساس اتفاقات ابرهام التي توصلت اليها إدارة ترمب في العام 2020 .

لعل صدور مثل هذا التقرير يدلل بشكل قاطع ان اسرائيل تأخذ بالحسبان التغيرات في أمريكا بشيء من الريبة , ولعل ازدياد انتقاد الدعم الا متناهي لإسرائيل حتي في ظل حكومة اليميٍن التي يراسها ترمب في الوقت الذي يبرهن سلوك اسرائيل على اكثر من مستوي ان اسرائيل لا تحترم التوجهات الرسمية الامريكية في منطقة الشرق الأوسط مؤخراً وبسبب الحرب على غزة وارتكاب العديد من الجرائم التي من شانها ان تؤثر على الناخب الأمريكي في المستقبل بما يؤثر على الدعم الاستراتيجي المستمر لإسرائيل وهذا يعني انه قد يكون هناك تحول حقيقي قادم في الولايات المتحدة الامريكية لذلك فان إسرائيل تصر على عدم التراجع عن سياستها الحالية التوسعية ولا تريد ان توقف الحروب قبل ان تحدث تغير في المنطقة العربية المجاورة لها ويمكنها من تغير الخارطة الجيوسياسية في غزة ولبنان وسوريا باستخدام القوة غير المتناهية دون مقابل أي انها تتنكر لحقوق هذه الشعوب وخاصة حقها في تقرير مصيرها ولا توافق حتي الان عن التخلي عن فكرة الاحتلال والاستيطان والتجويع والحصار لتحقيق أهدافها. في المقابل تعتقد حكومة تل ابيب ان قبول خطة ترمب للسلام الذي يبدأ من انهاء الحرب في غزة وإعادة اعمارها بخطة أمريكية غريبة يمكن ان تحسن سمعتها وبالتالي ترمم مكانتها لدي الجمهور الأمريكي والغريب انها تثق ان ترمب شخصيا سيعمل على إعادة إسرائيل الي الحضن الدولي لتصبح دولة لها احترامها وبالتالي تعيد علاقاتها مع غالب الدول التي باتت مؤخرا تميل لعقاب إسرائيل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وبدأت تدعم بشكل غير مسبوق حق الفلسطينيين في التحرر وإقامة الدولة ورأينا كيف ان كثير من الدول الوازنة بالعالم باتت تؤكد أهمية تطبيق حل الدولتين كأساس لأنهاء الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد ان تنتهي مسالة تعافي غزة وإعادة اعمارها.

Dr.hani-nalysisi@yahoo.com

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد