ترامب والدعاية المجانية للشيوعية

mainThumb

06-11-2025 10:16 PM

إعلان انتصار زهران ممداني، من أصول مهاجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، عمدةً مدينة نيويورك، تُفتَح صفحة جديدة في مسار مواجهة تقدم اليمين العنصري والشعبوي في العالم الغربي الذي يقوده دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية، وجورجيا ميلوني رئيسة وزراء إيطاليا.

السلاح الفكري والسياسي الوحيد الذي استخدمه دونالد ترامب ضد ممداني لوقف تقدمه في استطلاعات الرأي، والخوف من انتخابه عمدةً لنيويورك، هو نعته بـ"الشيوعية". كما حاول، بشكل غير مباشر، التلاعب بالمشاعر الرجعية المعادية للمسلمين، والتحريض في اليوم الأخير على ما أسماه بـ"اليهود" للإدلاء بأصواتهم لخصوم ممداني، إلا أنّ السلاح الأبرز ظل اتهامه بالشيوعية.

ممداني ليس شيوعياً، بل كما يصف نفسه بأنه اشتراكي ديمقراطي مثل عضو الكونغرس الأمريكي بيرني ساندرز، والبرنامج الشيوعي بعيد كل البعد عن برنامج الاشتراكية الديمقراطية التي تتبناها الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الحاكمة لحقبة طويلة في البلدان الاسكندنافية مثل السويد والدنمارك والنرويج وفنلندا، والتي سميت بدولة الرفاه.

بيد أنّ ترامب، بالرغم من مساعيه في تسويق نفسه باعتباره نصير العمال في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالرغم من شعاراته حول إعادة الرخاء الاقتصادي لأمريكا ووعوده بخلق الوظائف، إلا أنّه في الحقيقة أماط اللثام عمّا كان يخفيه وراء الأكمة، وهو تمثيل مصالح وول ستريت في نيويورك، الذين وقفوا كجدارٍ مرصوص للحيلولة دون انتخاب ممداني.

وقد شهدت الولايات المتحدة تظاهرات في مئات المدن الأمريكية ضد دونالد ترامب و إيلون ماسك عندما تم تعيين الأخير مستشارًا للبيت الأبيض، وكان أحد أبرز شعاراتها: "العمال فوق المليارديرات". جاءت تلك الاحتجاجات رفضًا لتشريع قوانين تهدف إلى إعفاء الأوليغارشية الأمريكية من الضرائب على حساب عمّال وكادحين أمريكا، وتجريم المهاجرين وترحيلهم، والمعاداة السافرة للنساء، والحطّ من القيمة الإنسانية للمثليين، وحرمان الملايين من أبناء الطبقة العاملة والمحرومين من التعليم عندما شرع ترامب في قطع الموازنة عن التعليم الفيدرالي.. وكلها شواهد تُظهِر بوضوح على أيّة أرضية يقف دونالد ترامب وتياره العنصري الذي يمثّل مصالح كبريات الشركات مثل أمازون و إنفيديا و شركات الوقود الأحفوري وستارلينك، وانسحب من مجلس حقوق الإنسان واليونسكو وفرضت عقوبات على محكمة الجنائية الدولية لان الجميع أدانت إسرائيل وجرائمها في غزة.

جاء انتخاب ممداني ليرد على سياسات ترامب، إنه أي ممداني يريد تجميد الإيجارات، وأن يكون هناك نقل مجاني، ونزع الخوف من المهاجرين، إذ يعتبر حق السكن والإقامة من الحقوق المصانة في العهدين الدوليين لحقوق الإنسان.. إلخ. وأضاف أيضًا أنه يجب أن تكف إسرائيل عن سياستها العنصرية وأن تُقِرَّ بقانون المساواة بين البشر في إسرائيل، والدفاع عن تأسيس دولة فلسطينية مستقلة، وأيضًا أضاف أنه لو جاء بنيامين نتنياهو إلى نيويورك سيلقي القبض عليه حسب مذكرة الاعتقال الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية.

إنّ ترامب يخشى من هذا البرنامج السياسي والاجتماعي، لأنه يقتطع من امتيازات الضرائب التي تستفيد منها شركات ترامب وشركات جماعته في وول ستريت التي يمثّلها سياسيًا واقتصاديًا، كما أنّه يسحب البساط من تحت شعاراته الشعبوية التي تُخفي خلفها خططًا لطرد مئات الآلاف من الموظفين والعمّال، وزيادة مديونية الدولة الأمريكية على حساب الشرائح الاجتماعية المحرومة، ليزيد الطين بلّة أكثر مما فعله سلفه جو بايدن.

وأكثر ما أرعب ترامب هو أن الغالبية ممّن أسماهم "يهود"، والذين لا يعرّفون أنفسهم كيهود بل معادين للصهيونية و الفاشية الإسرائيلية، قد صوّتوا لممداني. أي أنهم أوقفوا ماكينة الدعاية الإعلامية الكاذبة القائمة على تسويق المظلومية الإسرائيلية واتهام كل معارض لها بمعاداة السامية.

وإذا كانت هذه هي الشيوعية، أو كانت هذه هي الاشتراكية، كما يصفها ترامب، فالمعتوه وحده يرفض أن يكون حرًا من العوز الاقتصادي والحرمان الاجتماعي والمساواة الحقوقية والسياسية.

وهناك نقطة لا بد من التنويه لها؛ إنّ انتصار الحركة التي أسهمت في إيصال زهران ممداني إلى منصب عمدة نيويورك جاء في أعقاب صعود اليمين في العالم، سواء في أوروبا أو في الولايات المتحدة. وهذه الحركة تُعد جزءًا من تيار إنساني عالمي، ولا سيما في الغرب، وقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وأرغم إحدى عشرة دولة أوروبية — كانت مصطفّة خلف السردية الإسرائيلية — على الاعتراف بدولة فلسطين مستقلة، وفرض معادلة لوقف الهمجية الإسرائيلية التي كانت ترقص على أحواض دماء سكان غزة. حقًا، إنه إيذانٌ بأن فجرًا جديدًا يشرق على الإنسانية. وكما قال ممداني في كلمة انتصاره: إنّ نورًا يسطع في نيويورك وسط ظلام سياسي.

وأخيرًا، إنّ ترامب — دون أن يدري — وبسبب عشقه الأيديولوجي الأعمى لرأس المال، بوصفه الممثل السياسي الأكثر جرأة وإخلاصًا للطبقة البرجوازية الأوليغارشية الأميركية، غاب عنه أنّه يعمل، من حيث لا يشعر، كداعية مجانية للشيوعية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد