من أمريكا إلى الجزائر
في فبراير/شباط 1965، صعد مالكوم إكس إلى منصة، من أجل مخاطبة أنصاره، في مانهاتن. وقد احتشد في القاعة ما لا يقل عن أربعمئة شخص من أنصاره ومن المتعاطفين معه. ولا واحد منهم تخيل أن الرجل يخطو إلى اللحظات الأخيرة من حياته. عندما انطلقت رصاصة فأصابت بطنه، من غير أن يفلح الحرس الشخصي في اعتراض الفاعل. ثم توالت الطلقات التي أصابت صدره كذلك وساقيه. فقد وجد نفسه وسط عاصفة من الرصاص، جراء عملية جرى التخطيط لها شهرا قبل تنفيذها. وعندما وصلت الجثة إلى المستشفى تبين من التشريح، أن الضحية قد اخترقتها 21 طلقة. لأن أعداءه قرروا ألا يخرج الرجل من القاعة إلا بعد أن تفارق روحه بدنه.
لم تنفع الإسعافات ولا الحرس الشخصي، وصار مالكوم إكس في عداد الموتى، ثم دخلت أمريكا مرحلة جديدة في مسار نضال السود من أجل حقوقهم. فقد كان مالكوم إكس رمزا في نضال السود، مدافعا عن حريتهم وكرامتهم وحقهم في العيش في مساواة مع الآخرين. وعقب دفنه إثر جنازة، لم تشهد أمريكا مثيلًا لها في ذلك الزمن، اندلعت اشتباكات بين السود والشرطة، مثلما عمت الاحتجاجات في أحياء يقطنها أمريكيون من أصول افريقية. وفي الأشهر التالية سوف يفضي هذا الغليان إلى ميلاد حركة «الفهود السود»، التي أرادت أن تواصل النضال الذي سبقها إليه مالكوم إكس. من أجل الرد على عنف الشرطة ومن أجل تحسين أوضاعهم جراء تفشي الفقر والتمييز، الذي عانى منه ذوو البشرة الملونة. ورفعت الحركة شعار: الحرية، العمل، السكن والتعليم وإنهاء عنف الشرطة. كما إن الحركة ذاتها لم تكتف بنشاطها في السياسة، بل توسعت في مشاريع اجتماعية، بإنشاء عيادات طبية، ما أتاح لها قاعدة شعبية وزاد عدد المتعاطفين معها.
توسع حضورها بما خلف قلقا في الأوساط الأمنية، فصارت تحت مجهر مكتب التحقيقات الفيدرالي وتعرض أعضاء منها إلى الاعتقال، وكذلك إلى الملاحقات. كما لم تسلم من عنف الشرطة في هذه الأثناء. ما حتم عليها أن تفكر في بديل من أجل أن تواصل نشاطها، بعدما ظن قادتها أن مصيرهم سيؤول إلى السجن لا محالة. وعندما اكتشفوا كتاب «معذبو الأرض» لفرانز فانون، الذي يشرح فيه انعكاسات الاستعمار على المجتمعات الخاضعة، ويقدم فيه أطروحة نفسية عن شروط الحفاظ على الهوية، فكرت حركة «الفهود السود» في الخروج من أمريكا، والانتقال إلى أفريقيا، على ألا يطول مكوثها في المنفى، ثم تبعث نشاطها من الداخل. فحزموا حقائبهم وتوجهوا إلى الجزائر، التي دعمت نضال الأقليات، وأتاحت لهم الحق في اللجوء، مثلما وفرت لهم السكن ومركزا لهم في مواصلة عملهم. وتحولت الحركة إلى رمز عالمي في نصرة قضايا السود، ولا يمكن أن نحكي عن هذا النضال من غير العودة إليها. تحولت هذه الحركة إلى موضوع في فيلم وثائقي بعنوان: «الفهود السود في الجزائر»، للمخرج محمد أمين بن لولو، وهو الفيلم الذي توج بجائزة الجمهور في مهرجان الجزائر الدولي للسينما الشهر الجاري.
ضد النسيان
هذا الفيلم لا يدعي مطاردة الحقيقة، كما لا يدعي أن يقدم تحقيقا عما جرى في هذه الحركة منذ صعودها إلى أفولها، ولا يبغي كذلك أن يصير وثيقة بصرية بقدر ما يراهن على الخصوصية الفنية، في سعيه إلى إعادة تشكيل الواقع، من خلال إعادة صياغة الأحداث كما جرت على الأرض، قبل أكثر من نصف قرن من الآن. يدور الفيلم بين أمريكا عندما ضاقت فيها الحريات وصارت تضطهد السود، والجزائر عندما صار يُطلق عليها «مكة الثوار»، فقد أعاد الفيلم للجزائر وجهها، مثلما أضاء ماضيها. فعقب الاستقلال في 1962، وعقب حرب تحرير نصّبت البلاد نفسها مقصدا للحركات التحررية في العالم الثالث، وكذلك مأوى للمضطهدين في بقاع أخرى من العالم. مع ذلك فإن سيناريو الفيلم لم يتخذ منحنيات، ولم يخرج عن السياق، بل جاء في كتابة خطية تصوب النظر في الجوانب الحاسمة من الموضوع، من غير استطراد، يقتفي أثر الفهود السود، من دون أن يتشتت في مواضيع ثانوية أخرى من شأنها أن تشتت تركيز المشاهد.
هذا الوضوح خدم الفيلم رغم تشابكات المرحلة التاريخية التي يتحدث عنها. فقد جعل من موضوع واحد هدفا له، مستعينا بالأرشيف وكذلك من خلال مساءلة مختصين في القضية، من الجزائر ومن أمريكا (فقد تضمن الفيلم لغتين: عربية وإنكليزية). ومن النقاط التي تحسب له أنه تضمن محاورة مع إيلين مختفي (97 سنة)، وهي مناضلة أمريكية شهيرة، عملت مترجمة مع الفهود السود عقب استقرارها في الجزائر. كما إن هذه المرأة كانت من منظمي المهرجان الثقافي الافريقي (1969)، وهو أكبر حدث تحرري عرفته افريقيا في القرن الماضي.
إنه فيلم يطارد التاريخ من غير أن يثقل على المشاهد بالتأويلات، أو بالإحالات السياسية، بل يعيد ربط الأحداث مثلما جرت على أرض الواقع. يحول المجريات إلى مادة إنسانية، بدل أن تنزاح إلى هامش سياسي. بالاعتماد على الصورة وعلى السرد في تتبع تطور الأحداث. ثم إنه فيلم جاء في معارضة النسيان، لأن الجزائر تكاد أن تنسى ماضيها، جراء توالي الأحداث وغياب التوثيق بالصوت والصورة، لأن الأجيال الجديدة تكاد لا تعرف شيئا عن حركة «الفهود السود»، وأنها مكثت في الجزائر بضع سنين، في زمن ضاقت فيه الحريات في أمريكا. وقد حققت في الجزائر بعض أهدافها، وبلغت نصف الطريق في مساعيها من أجل كرامة ذوي البشرة الملونة، قبل أن يجري حل الحركة في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي. كما إنها حركة لعبت دورا من أجل وقف الحرب في فيتنام، وإن لم تفلح في مبتغاها فقد خففت من الآلام، لهذا يبدو من المهم مشاهدة هذا الفيلم، من أجل ترتيب الذاكرة وألا تتحول إلى فتات، فيدخل التاريخ ممر النسيان.
كاتب جزائري
50 مليون دينار حجم الاستثمار في السلط الصناعية
الولايات المتحدة الأمريكية وحقوق الإنسان
إصابة عائلة بحالة اختناق بسبب مدفأة كاز مشتعلة
دعوة أرجنتينية لضم نجم النشامى علي علوان لبوكا
اتحاد الكرة ينظم ورشة متخصصة في اللياقة البدنية
الإعلام النيابية تزور نقابة الصحفيين
بحث التعاون بين مجموعة أبو غزالة والسفارة الصينية
رئاسة الوزراء تعقد ورشة حول تقييم الأداء الوظيفي
المربعانية بين الموروث الشعبي والعلم .. جدل يتجدد سنوياً
أمانة عمّان: تحويلات مرورية في الشميساني
اعلان توظيف صادر عن المحكمة الدستورية
الحكومة تعلن عن وظيفة قيادية شاغرة
ماسك ينشر قائمة الدول الأكثر توقيفا لمعلقين على الإنترنت
مدعوون للتعيين وفاقدون لوظائفهم في الحكومة .. أسماء
عندما تصبح الشهادة المزورة بوابة للجامعة
وظائف شاغرة في الضمان الاجتماعي والبحرية الأردنية .. تفاصيل
كتلة هوائية شديدة البرودة تضرب المملكة بدءاً من الاثنين
الضمان: تعديلات تشريعية مرتقبة للمنتسبين الجدد وتعديل سن التقاعد مطلع 2026
إحالة مدير عام التَّدريب المهني الغرايبة للتقاعد
المملكة على موعد مع منخفض جوي جديد .. أمطار وزخات ثلجية وصقيع واسع ليلاً
مهم بشأن الرسوم المدرسية للطلبة غير الأردنيين
صرف 5 ملايين دينار معونة شتوية لأكثر من 248 ألف أسرة

