العالم العربي وكهف أفلاطون

mainThumb

04-11-2025 12:40 AM

افترض أفلاطون في نظريته الشهيرة، وجودَ أشخاص مقيدين منذ ولادتهم في كهف، وخلفهم نارٌ يعكس ضوؤها ظلال الأشياء التي خلفهم من أشجار وصخور، فيبقوا ماكثين في الكهف الذي اعتبر عالمهم وحقيقتهم الراسخة دون غيرها، ليتمكّن أحدهم من فكّ قيده والخروج من الكهف ليرى الشمس والأشجار والحياة بطبيعتها، فيعود ويخبر رفاقه بالحقيقة التي أنكروها، واتهموه بالجنون.
جسدت نظرية كهف أفلاطون هذه، العلاقة بين الوهم والجهل الذي سيطر على الناس، حيث جرى إقناعهم أنهم يعيشون ضمن هذه الحقيقة دون غيرها، وخروج أحدهم يمثل التمرّد على الجهل والانطلاق نحو التفكير والتحرّر من قيود الجهل، إلّا أنه قد يقاوَم فكرياً، وقد يتعرض للأذى جسدياً وقد يتهم بالجنون من أصحاب العقل الجمعي الذي سيطر عليه الجهل والتعمية، هذا التفسير ليسَ وحده ما تحمله النظريّة، إذ إنّها تذهب أبعد من ذلك فلسفياً في الحديث عن الحواس، وحدود العالم الماديّ، وغيرها، لكنّ الشاهد من إيرادها هنا أنّ ثمّة مقاومة دائمة لمن يستطيع الإفلات من حدود الوهم المرسوم والمُقدَّم بوصفه الحقيقة الوحيدة.
كثير من الدول في عالم ما يسمى اليوم بالعالم المتحضّر، خرجت من كهوفها، بل إن أوروبا سمّت العصور الوسطى بالعصور المظلمة، التي عاشت خلالها في ظروف سيطر فيها رجال الدين على الناس، وانتشرت الأمراض والحروب والجهل، إلى أن وصلوا إلى عصر النهضة وقيادة العالم بعد أن خرجوا من كهف أفلاطون المظلم .
عربياً، كثير من الشعوب العربية ما زالت تعيش في كهف أفلاطون، لدرجة قاسية، ومن يحاول التمرد على الوهم قد يؤذى في حياته، سواء بأيدي رفاقه أو بأيدي أعدائه ممن يرغبون ببقائه في هذا الكهف للسيطرة على مقدّراته؛ في الجزائر مثلاً، نجح الشعب بالانعتاق من كهف أفلاطون الفرنسي الذي وضع البلاد كاملة فيه لمدة 132 عاماً، إلا أن الثمن كان باهظاً للخروج من الظلام إلى النور بفاتورة غالية فاقت 5 ملايين شهيد طوال مدة الاستعمار، فيما دفع السوريون حديثاً الثمن باهظاً بأكثر من مليون شهيد من الانعتاق من كهف النظام السابق، أمّا السودانيون فما زالوا إلى اليوم يدفعون الثمن بالدم والأرواح للانعتاق من ظلم ذوي القربى لإبقائهم داخل كهوف أفلاطونية متعدّدة لا كهف واحد. فيما تبقى فلسطين حبيسة الكهف من أكثر من سبعين عاماً، وتبقى معركة التحرير مستمرة، ولا بدّ أن تسطع شمس الحقيقة على الوهم مهما طال الزمن .
وأخيراً، نحمد الله على أردننا العزيز الذي يجسد الواقع والحقيقة، بطيبة شعبه ووعيه وإدراكه لما يدور حوله، ويتحمل الظروف المحيطة ويبقى دائماً سنداً للوطن والقيادة لتجاوز أحلك الظروف التي تضرب المنطقة، لذا فإنّه لن يسمح لأيّ أحدٍ أن يدخله إلى كهف أفلاطون.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد