مدافئ قاتلة: حكايات شتاء أردني مثقل بالفقد

مدافئ قاتلة: حكايات شتاء أردني مثقل بالفقد
شتاء يسرق الأرواح… حين يتحول الدفء إلى مأساة

12-12-2025 05:09 PM

في كل شتاء، أجد نفسي أسترجع تلك الوجوه التي غابت فجأة… عائلات أردنية كانت تنعم بالدفء داخل منازلها، قبل أن تتحول وسائل التدفئة إلى فخ قاتل يسلب الأرواح بصمت. أرى أن المأساة لم تعد مجرد حوادث فردية، بل أصبحت ظاهرة مؤلمة تتكرر موسمًا بعد آخر، حتى كادت تتحول إلى فصل ثابت من فصول الحزن الشتوي في بلدنا.

هذا العام، أعتقد أن الألم كان أعمق، والصدمة أشد، خصوصًا بعد الحادثة المفجعة في منطقة الهاشمية بمحافظة الزرقاء، حيث استيقظنا على خبر وفاة خمسة أفراد من عائلة واحدة، أم وأطفالها الذين لم تتجاوز أعمارهم أربعة عشر عامًا، نتيجة تسرب غاز المدفأة. لم تمضِ أيام حتى تكررت المأساة ذاتها في المكان نفسه تقريبًا، ورحلت عائلة أخرى بالطريقة ذاتها. مشاهد تعصف بالقلب، وتجعلنا نتساءل: إلى متى؟

أستنتج هنا أن الخطر لا يكمن في المدفأة نفسها، بل في طريقة استخدامها، وفي غياب الوعي أو التهاون في إجراءات السلامة. فبرابيش الغاز، ومانعات التسرب، وأسطوانات الغاز القديمة، وحتى تهوية المنازل… كلها تفاصيل صغيرة لكنها قد تحدد الحياة أو الموت. ولذلك، أرى أنه لا بد من إعادة النظر بجدية في كيفية التعامل مع وسائل التدفئة في البيوت الأردنية.

مديرية الأمن العام، التي تتعامل كل عام مع مثل هذه الحوادث المؤلمة، تجدد تشديدها على ضرورة اتباع إجراءات السلامة: فحص الخراطيم باستمرار، استبدال مانعة التسرب مع كل أسطوانة جديدة، تهوية المنزل دوريًا، والأهم عدم ترك المدفأة مشتعلة أثناء النوم. ورغم بساطة هذه الإجراءات، إلا أن تجاهلها —ولو مرة واحدة— قد يصنع مأساة لا تُمحى من الذاكرة.

يجب علينا، كأفراد وكأسر وكمجتمع، أن ندرك أن الدفء ليس أثمن من الأرواح، وأن الاحتياط ليس رفاهية بل ضرورة. ويجب أن نعيد التفكير في ثقافة الاستخدام اليومي للمدافئ، وأن نرسّخ في بيوتنا ووعينا أن السلامة مسؤولية مشتركة.

قد لا نستطيع منع البرد، لكننا بالتأكيد قادرون على منع الكارثة… فقط إذا لم نتهاون.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد