أزمة الزيتون تتفاقم: إنتاج ضعيف وأسعار مرتفعة وانتشار الغش

mainThumb

13-11-2025 04:57 PM

عمان – السوسنة – روان قواقنة - يشهد موسم الزيتون في الأردن للعام الحالي 2025 واحدة من أصعب المواسم في تاريخ القطاع الزراعي، حيث تراجعت كميات الإنتاج إلى مستويات وُصفت بـ"الكارثية"، في ظل موجات الجفاف والتغيرات المناخية التي ضربت بساتين الزيتون في معظم المحافظات. هذا التراجع غير المسبوق انعكس مباشرة على الأسعار التي استقرت عند حدود 140 دينارًا للتنكة الواحدة من زيت الزيتون البلدي الأصلي، في حين تكبّد المزارعون خسائر فادحة طالت آلاف الأسر الأردنية التي تعتمد على هذا الموسم كمصدر رئيسي للرزق.
ووفقًا لتقديرات مديرية زراعة جرش، فقد انخفض إنتاج ثمار الزيتون في المحافظة بنسبة تقارب 90% مقارنة بالعام الماضي، حيث يُتوقع إنتاج نحو 1200 طن من ثمار الزيتون فقط، ما يعادل 180 طنًا من زيت الزيتون.
وقالت مديرة زراعة جرش، المهندسة علا محاسنة، إن المساحة المزروعة بأشجار الزيتون في المحافظة تبلغ حوالي 123 ألف دونم، وتتنوع فيها الأصناف بين "القبيسي" و"السوري المحسن" وأنواع أخرى، مضيفة أن فرق الإرشاد الزراعي تنفذ جولات ميدانية لتوعية المزارعين بكيفية تحسين جودة الزيت وتقليل نسبة الحموضة.
وأكدت محاسنة أن المديرية تعمل على تعزيز قنوات التسويق وتحسين العائدات وتقليل الفاقد من خلال الإرشاد والمشاريع الزراعية المختلفة، التي شملت إنشاء قنوات ري ومشاريع للحصاد المائي.
من الميدان، عبّر المزارعون عن خيبة أملهم من هذا الموسم. يقول أبو محمد، أحد المزارعين في شمال المملكة، لـ"السوسنة":كنت أجني أكثر من مئة تنكة زيت في المواسم السابقة، أما هذا العام فلم أحصل إلا على خمس تنكات بالكاد تغطي تكاليف الإنتاج".
أما أبو ليث، فيصف الموسم في حديث لــ "السوسنة " بأنه "محزن ومؤلم"، مضيفًا أنه اضطر هذا العام لاستخدام زيت الصحراء المروي الذي بدأ يغزو الأسواق بكثرة، نتيجة شح الإنتاج وارتفاع الأسعار.
استقرار سعر تنكة الزيت البلدي الأصلي عند 140 دينارًا وضع المستهلكين والمزارعين على حد سواء أمام تحديات كبيرة؛ فالمزارع لم يتمكن من تعويض تكاليفه، فيما باتت الأسعار مرتفعة على شريحة واسعة من المواطنين، خاصة أن الزيت يُعد سلعة أساسية في كل بيت أردني.
وفي محاولة لتخفيف الأزمة وضمان استقرار السوق، أعلنت وزارة الزراعة فتح باب استيراد زيت الزيتون وفق شروط دقيقة تهدف إلى حماية المستهلك والحفاظ على جودة المنتج.
ومن أبرز هذه الشروط:
ألا تتجاوز سعة العبوة 4 لترات.
أن تُرفق الإرساليات بشهادات منشأ وتحاليل مخبرية معتمدة دوليًا.
مطابقة الزيت للمواصفة القياسية الأردنية رقم 3/2012 الخاصة بزيت الزيتون البكر الممتاز.
تقديم تعهد عدلي بقيمة 25 ألف دينار بعدم خلط الزيت أو إعادة تعبئته داخل السوق المحلي.

ومع ارتفاع الأسعار، استغلّ بعض المحتالين الوضع لخلط زيت الزيتون بأنواع أخرى من الزيوت النباتية أو حتى بالماء والأصباغ لإيهام المستهلكين بأنه زيت أصلي.
في هذا الإطار، نفّذت مديرية شرطة جرش بالتنسيق مع محافظة جرش عملية أمنية واسعة أسفرت عن ضبط شبكة متخصصة في غش الزيت داخل أحد الشاليهات بالمحافظة. وتمّت مصادرة 250 تنكة زيت مغشوش وعدد من الخزانات وأدوات التعبئة.
وقال محافظ جرش الدكتور مالك الخريسات إن توجيهات وزير الداخلية تقضي بتكثيف الرقابة على المعاصر ومصادر البيع لضمان عدم التلاعب بزيت الزيتون، مؤكدًا أن الحملات "لن تتوقف حتى القضاء على كل أشكال الغش والفساد".
كما ضبطت الإدارة الملكية لحماية البيئة بالتعاون مع مؤسسة الغذاء والدواء في مدينة الرمثا شقة تُستخدم لتخزين وتحضير الزيت المغشوش، وضبطت فيها 26 تنكة زيت ومواد وأدوات للخلط والتعبئة بطرق مخالفة للمواصفات.
وحذّر مصدر رسمي المواطنين من شراء الزيت من الأسواق العشوائية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، داعيًا إلى الشراء من مصادر موثوقة ومعاصر مرخصة، وإجراء فحص الحموضة والجودة قبل الاقتناء. كما شدد على ضرورة الإبلاغ عن أي شبهات غش حفاظًا على صحة المستهلك وسمعة المنتج الأردني.
يُجمع الخبراء على أن تراجع الإنتاج وازدياد الغش يمثلان تهديدًا مباشرًا لـ"الذهب الأخضر" الذي طالما شكّل رمزًا للخصب والأصالة في الريف الأردني. وبينما تكافح العائلات لتجاوز الخسائر، يأمل المزارعون أن يحمل الموسم المقبل بوادر خير تعيد الثقة لهذا القطاع الحيوي، وتعيد للزيت الأردني مكانته كمنتج وطني عالي الجودة ومصدر فخر على المستويين المحلي والعالمي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد