الأمن السيبراني يتحول لقطاع اقتصادي استراتيجي بالخليج
السوسنة - في العقدين الأخيرين، تحوّل الأمن السيبراني من ملفٍّ تقني متخصص إلى واحدة من أهم قضايا الأمن القومي والاقتصادي في العالم. فمع انفجار الاعتماد على الرقمنة، وانخراط الدول والشركات في التحول الرقمي، تصاعدت الهجمات الإلكترونية بوتيرة غير مسبوقة، وتغيرت طبيعتها من محاولات اختراق فردية إلى عمليات عابرة للحدود تقودها جماعات إجرامية منظمة، وأحياناً جهات مدعومة حكومياً. وقدّرت تقارير دولية تكلفة الهجمات باستخدام برمجيات الفدية بنحو 4.34 ملايين دولار في عام 2022، بينما بلغت تكلفة اختراقات البيانات 4.35 ملايين دولار في المتوسط، ما يعكس حجم الخطر الذي يهدد الاقتصادات في كل القارات.
تاريخياً، كانت قطر من أوائل الدول العربية التي أدركت أهمية الأمن السيبراني كركيزة من ركائز الأمن الوطني. ففي عام 2005 أنشأت الدولة الفريق القطري للاستجابة لطوارئ الحاسب الآلي، وفي عام 2014 أطلقت أول استراتيجية وطنية للأمن السيبراني، تبعها تأسيس مراكز متخصصة داخل وزارة الداخلية وقطاعات أخرى.
ومع الطفرة الرقمية التي شهدتها البلاد بعد مونديال كأس العالم 2022، انتقلت قطر إلى مرحلة جديدة من المعالجة الاستراتيجية، تكلّلت بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني 2024–2030، وهي وثيقة شاملة تستند إلى مدخلات أكثر من 30 مؤسسة حكومية وأكاديمية وخاصة، وتتماشى مع رؤية قطر الوطنية 2030.
وتشير الأرقام إلى أن حجم سوق الأمن السيبراني في قطر بلغ مليار دولار عام 2022، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.6 مليار دولار بحلول 2026 بنسبة نمو سنوي تبلغ 12.7%، ما يعكس تسارع الطلب على حلول الحماية الرقمية في مختلف القطاعات.
وقال الدكتور خالد وليد محمود، الباحث المتخصص في السياسة السيبرانية ورئيس أول قسم الإعلام والاتصال في معهد الدوحة للدراسات العليا: «لا شك أن دول الخليج انتقلت في السنوات الأخيرة من مرحلة “تبنّي” الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة “تسييسه” ودمجه في استراتيجيات القوة الشاملة، لكن منظومات الحوكمة لا تزال في طور التشكل والتطور. الموجود الآن هو أن جميع دول الخليج لديها استراتيجيات وطنية للذكاء الاصطناعي ورُؤى رقمية مرتبطة برؤى 2030–2040، مع أطر عامة لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي وحماية البيانات».
وأوضح: «الإمارات أطلقت استراتيجية أي أي 2031 ووزارة متخصصة للذكاء الاصطناعي، السعودية أنشأت هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي، قطر ضمن رؤيتها 2030 تبنّت مسارات للذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة ولديها الوكالة الوطنية للأمن السيبراني، وباقي دول المجلس (الكويت، البحرين، عُمان) وضعت خرائط واستراتيجيات وطرقاً مشابهة.»
وأضاف: «لكن الإشكالية بتقديري هي أن حوكمة الذكاء الاصطناعي غالبًا ما تُصاغ في مسار منفصل عن حوكمة الأمن السيبراني، رغم أن الخطر أصبح متداخلاً (… )هذا يفتح الباب أمام ما تسميه بعض الأدبيات ديب انتروجن أي اختراق عميق لا يكتفي باختراق الشبكة، بل يتسلل إلى طبقة البيانات والنماذج، فيُحرِّف مخرجات الخوارزميات أو يستغلها لجمع معلومات حساسة أو اتخاذ قرارات مضللة.»
وتابع موضحًا: «يمكن القول إن دول الخليج تمتلك “أسسًا” لحوكمة رقمية، لكنها تحتاج إلى ترقية هذه الأسس إلى نموذج متكامل من ثلاث طبقات على الأقل: حوكمة البيانات (…) حوكمة النماذج والخوارزميات (…) وحوكمة البنية التحتية والسلسلة التوريدية، وذلك بالانتقال نحو هندسة انعدام الثقة زيرو-تراست في بيئات الحكومة والمال. الجواب على السؤال باختصار هو أن دول الخليج تمتلك بالفعل معايير وأطرًا أولية لحوكمة الذكاء الاصطناعي، لكنها ما تزال في “الموجة الأولى” من التنظيم.»
حول الردع السيبراني في الخليج
وحول سؤال الردع السيبراني، قال الدكتور خالد وليد محمود: «يتحرك الفضاء السيبراني في الخليج داخل “منطقة رمادية” يصعب فيها التفريق بين الحرب والسلم، حيث تتداخل عمليات التجسس والتخريب المحدود والحملات المعلوماتية دون إعلان مسؤولية، مما يضعف أثر الردع التقليدي. ومع أن البنية التحتية الحيوية من الطاقة والموانئ إلى القطاع المالي تبقى أهدافًا مغرية كما كشف هجوم فيروس شامون وما تلاه من هجمات فدية وتسريب بيانات، فإن الردع الممكن اليوم يقوم على مزيج من رفع كلفة الهجوم عبر فصل الأنظمة الحساسة وتعزيز المرونة، وإبقاء مستوى محسوب من الغموض حول القدرات الدفاعية والهجومية، والاستفادة من تشابك المصالح الاقتصادية مع الخصوم المحتملين، إضافة إلى ثقل التحالفات الدولية.» وأردف: «تمتلك دول الخليج مؤسسات وطنية متطورة نسبيًا وغرف عمليات مشتركة، لكنها ما تزال تواجه فجوة في الكفاءات المحلية المتخصصة وفي القدرات السيبرانية الهجومية–الدفاعية التي تشكل عنصرًا حاسمًا في الردع. لذلك يمكن بناء “ردع سيبراني متدرج” يخفف وتيرة الهجمات السيبرانية، لكنه لن يصل إلى منع كامل ما لم تُعزَّز القدرات البشرية الوطنية، وتُطوَّر قواعد اشتباك سيبرانية واضحة داخليًا وإقليميًا، ويُستخدم النفوذ الدبلوماسي لترسيم خطوط حمراء تُصعّب على أي طرف استهداف المنشآت الخليجية دون ثمن سياسي وأمني مرتفع.»
وفي سياق الحديث عن تأثير التشدد السيبراني على بيئة الاستثمار، قال الدكتور محمود: «في ظني أن هناك اعتقاداً خاطئاً بأن التشدد في الأمن السيبراني يخلق بيئة طاردة للاستثمار، بينما تُظهر التجارب العالمية أن الأمن إذا صُمّم كميزة تنافسية وليس كعبء تنظيمي يمكن أن يجذب شركات التكنولوجيا بدل أن يبعدها.»
في السنوات الأخيرة، تحوّل الأمن السيبراني من مجرد أداة تقنية إلى ساحة سباق اقتصادي وسيادي في الخليج، تتصدر السعودية فيه المشهد بإمكانات متنامية واستثمارات قياسية. الأرقام الأخيرة الصادرة عن الهيئة الوطنية للأمن السيبراني تعكس حجم الجهد المبذول، حيث أظهر تقريرها عن «أبرز المؤشرات الاقتصادية في قطاع الأمن السيبراني بالمملكة 2025» نمو سوق الأمن السيبراني في المملكة بنسبة 14% خلال 2024 مقارنة بالعام السابق، ليصل إجمالي الإنفاق على المنتجات والخدمات السيبرانية إلى 15.2 مليار ريال سعودي.
حجم السوق
البيانات تشير إلى أن القطاع العام أنفق نحو 4.8 مليارات ريال، بما يمثل 32% من السوق، بينما سجل القطاع الخاص إنفاقًا قدره 10.3 مليارات ريال أي 68% من إجمالي حجم السوق. هذا التوازن بين القطاعين يعكس إدراكاً وطنياً واضحاً بأن الهجمات السيبرانية لم تعد تستهدف المؤسسات الرسمية فحسب، بل تمتد إلى الشركات والمصارف والبنى الاقتصادية الحيوية، ما يجعل الاستثمار في الأمن الرقمي ضرورة استراتيجية.
ويأتي النمو الاقتصادي للقطاع ملموساً، إذ سجّل 18.5 مليار ريال مساهمة في الناتج المحلي السعودي لعام 2024، بارتفاع 19% عن العام السابق، منها 9 مليارات مساهمة مباشرة من الشركات العاملة في المجال، و9.5 مليارات مساهمة غير مباشرة من خلال سلاسل القيمة والخدمات الداعمة. وتمثل هذه المساهمة 0.40% من الناتج المحلي الإجمالي و0.71% من الناتج المحلي غير النفطي، ما يضع السعودية في موقع متقدم عالمياً باعتبار الأمن السيبراني ليس مجرد أداة حماية، بل قطاع اقتصادي متكامل يضيف قيمة حقيقية.
وبالنسبة للقوى العاملة، يشهد القطاع نمواً ملحوظاً، إذ بلغ عدد المتخصصين فيه أكثر من 21 ألف مختص خلال 2024، بمعدل نمو 9% عن العام السابق، مدعومًا ببرامج تدريبية ومبادرات وطنية لتأهيل الكفاءات. والأكثر لفتاً للانتباه هو نسبة مشاركة المرأة السعودية في القطاع، التي بلغت 32%، متجاوزة المعدل العالمي البالغ 24%، ما يعكس نجاح المملكة في دمج الكوادر النسائية ضمن القطاع التقني الأكثر حساسية وأهمية.
حلول عمليات الأمن السيبراني
يظهر التقرير توازناً في الإنفاق بين المنتجات والخدمات السيبرانية، إذ بلغت نسبة الإنفاق على المنتجات 51% بقيمة 7.7 مليارات ريال، مقابل 49% خدمات بقيمة 7.5 مليارات ريال. وتشمل هذه المنتجات والخدمات خمسة مجالات رئيسية، منها أمن الشبكات، أمن الأجهزة الطرفية، حلول عمليات الأمن السيبراني، الاستشارات الإدارية في الأمن السيبراني، وأمن البيانات، موزعة على أكثر من 100 منتج وخدمة. هذا التوزيع يعكس رغبة المملكة في بناء صناعة سيبرانية وطنية قوية، قادرة على تلبية الاحتياجات المحلية والتوسع نحو أسواق إقليمية وعالمية.
في هذا السياق، يوضح الخبير السيبراني السعودي المهندس حمد الحارثي أن المملكة “تسابق الزمن في حماية تحولها الرقمي، وتبني نموذجاً عربياً غير مسبوق”. ويضيف حول الإنفاق القياسي على الأمن السيبراني: “الأرقام التي نراها اليوم ليست ترفاً، بل ضرورة عالمية. كلما زادت رقمنة الخدمات الحكومية والمالية، ارتفعت قيمة التهديدات. السعودية تدرك ذلك جيداً وتستثمر في حماية اقتصادها من الأساس.”
وحول مساهمة القطاع في الناتج المحلي، يشير الحارثي إلى أن: «حين يصبح الأمن السيبراني قطاعاً اقتصادياً يحقق عائداً للمملكة، فهذا يعني أننا لا نستهلك التقنيات فقط، بل ننتجها ونبتكرها. الاتجاه اليوم نحو تحفيز الشركات المحلية لتطوير حلول سيبرانية وطنية». ويضيف عن القوى العاملة ونسبة مشاركة المرأة: «النمو الوظيفي في القطاع نتيجة مباشرة للاستثمار في التدريب وبناء القدرات. أما مشاركة المرأة فهي من أعلى المعدلات في العالم، وهذا عنصر قوة وليس مجرد رقم».
لماذا يهتم الأردنيون بالدكتور فيصل فياض
اللجنة الأولمبية توافق على مشاركة متزلجين روسيين
وكالة الفضاء الأوروبية تزيد ميزانيتها للحاق بسباق غزو الكون
مباحثات لإنهاء أزمة مقاتلي حماس المحاصرين في أنفاق رفح
العمل أمام الشاشات .. كم من الوقت آمن وكيف نحمي أعيننا؟
خطوات فعّالة لتقليل الشخير المزعج
النفط يرتفع قليلا مع ترقب مسار محادثات السلام في أوكرانيا
مجالس الأمناء… حجر الأساس في تطوير التعليم
الأمن السيبراني يتحول لقطاع اقتصادي استراتيجي بالخليج
الأردن يفتتح تصفيات كأس العالم لكرة السلة بفوز على سوريا
الشهيد وصفي التل .. الفارس الذي هزم الغياب
تقاضى مبالغ مالية مقابل ترخيص محلات .. والمحكمة تصدر قرارها
دليلكم للتعرف على سمك الناجل وكيفية تحضيره
ما هي مكونات المارشميلو .. طريقة تحضيره في المنزل
فاقدون لوظائفهم في وزارة الصحة .. أسماء
كسر الرتب زلزل الرواية الإسرائيلية عن هولوكوست غزة
توجيه مهم من التربية لمديري المدارس
تعيين وتجديد وإحالة للتقاعد بهيئة تنظيم الاتصالات .. أسماء
أساتذة جامعيون يمتنعون عن معادلة شهاداتهم الجامعيّة
قرار حكومي لتنظيم عمليَّة التنبُّؤات الجويَّة