الشموسة .. كلاكيت المشهد الاخير

الشموسة  ..  كلاكيت المشهد الاخير

18-12-2025 12:21 PM

كتب نادر خطاطبة
سذاجة ان نحمل الضعف الرقابي في مؤسسة وظيفتها الاساسية "وضع ومتابعة القواعد الفنية لضمان جودة وسلامة السلع والخدمات "، في مؤسسة لشخص المدير، ومن السذاجة ألاعتقاد بوجود مؤسسات حكومية تتمتع فعلا باستقلال إداري ورقابي، حتى وإن نصّ تشريعها على ذلك، فحتى تجربتنا مع مؤسسات يُفترض أنها أهلية وديمقراطية، كـمجالس النواب والبلديات المنتخبة، يتجلى لنا بوضوح افتقارها لهذا الاستقلال، بدلالة ما يجري على الأرض في ممارسة مهامها، من تدخلات وتداخلات.

فالاستقلال الإداري، إن وُجد في النصوص القانونية، تُقابله في الواقع وسائل إلزام متعددة من الأعلى، لا نُسميها ضغوطا بقدر ما هي “ميزة” يُلوّح بها صاحب القرار، حتى وان تعارضت مع القانون، تارة بالعصا، واخرى بالجزرة.

سياق حديثنا، فرضه قرار إحالة الفاضلة عبير البركات، مديرة مؤسسة المواصفات والمقاييس، على التقاعد، الذي هو تقاعد قسري، على خلفية حوادث وفيات وإصابات مرتبطة بما يُعرف بمدافيء "الشموسة» .

البركات تولّت مهامها في كانون اول عام 2019، وأُحيلت للتقاعد في الشهر ذاته من عام 2025، أي بعد ست سنوات خدمة، وهي فترة طويلة نسبيا لشخص يتبوأ هرم الادارة في المؤسسات الرسمية الاردنية ، وسارت أمورها على ما يرام طيلة المدة، الى ان حلت "لعنة الشموسة"، لتتعالى الأصوات، محملة اياها، المسؤولية، وبدا واضحا أن الجميع يضغط باتجاه إيجاد كبش فداء للحادثة، وتحقق الامر رسميا، بقرار الحكومة احالتها للتقاعد، وسحج كثر للقرار، والبسوا الحكومة ثوب الانتصار للارادة والمطالب الشعبية.

امس كتبنا عن وثيقة النائب وسام ربيحات، التي صرخ بها في اكثر من لقاء ووسيلة، لكن الكل تجاهلها، رغم ان الحكومة رفعت شعار التحقق والتحقيق في مسالة الصوبات، والوثيقة تشير إلى أن الإشكالات مع هذه الصوبات بدأت ما قبل عام 2020، وكانت ترفض لسقوطها مخبريا وعلميا، وميكانيكيا بفحوص السلامة العامة، لكنها فجأة دخلت الأسواق، عام 2021 بقرار “استثناء”، وهنا بيت القصيد، اذ ان الاستثناء يقود مباشرة إلى صاحب القرار، وهو قرار مؤكد لا تملكه السيدة البركات، كما انها لا تملك رفضه، لاعتبارات ان الآمر الناهي، الضاغط، والمطوّع، لما يُسمّى الاستقلال الإداري، هو صاحب الاستثناء حتى لو كان شفويا، كيف لا، وهو يمتلك بالتشريع ايضا، ما يعطيه الحق في التجاوز على الاستقلال الاداري، وجعله اشبه بالمنّة او المنحة التي يعطيها لمن يشاء، ويستردها متى يشاء، خاصة ان لم يتجاوب المرؤوس المستقل نظريا، مع رغبات تعسفية وفاسدة لمن هو أعلى منه وظيفيا.

مؤكد ان السيدة البركات تملك مخزونا هائلا يجيب عن كل الاسئلة الغامضة، ولديها التبرير المدعم بحقائق تبريء ساحتها، لكنها لم تفعل، ولسنا بمعرض حثها او استفزازها لتفعل، على العكس تماما، فالصمت، قياسًا على التجارب، هو الأجدى. وتحمّل أخطاء الغير، المعصوم عن المساءلة قد يجعلها، لاحقا سفيرة، وربما وزيرة وإن حدث ذلك، نأمل أن تتسم بسعة الصدر، لأن الرأي العام سيثور تجاهها، ثورة العارف ببواطن الأمور، لكنه يدّعي الجهل بها، ربما مواساةً لذاته من ثقل الضغط الجاثم على صدره.

السيناريوهات مكرورة، وابطالها يتداورون المشاهد، ونحن مجبرون على الحضور، لا كجمهور فاعل، وانما كومبارس يعيش في ظل نهج عقيم يجهض اي مبادرة قبل ان تولد .. وسلامتكوا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد