أدلة وبراهين جديدة من ليبيا - محمد بدر الدين زايد

mainThumb

14-10-2018 11:00 AM

 أفرزت الساحة الليبية أخيراً تطورات عدة تؤكد مجدداً دوران الأزمة في هذا البلد في حلقات مفرغة، وأن أطرافاً كثيرة لا تريد الاعتراف بخطأ نهج معالجة الأمور، ولا الاعتراف بدلالة أن ما يجري من شأنه زيادة معاناة الليبيين الممتدة منذ سنوات عدة.

 
 
وأبدأ بالتعديل الوزاري الأخير الذي أجراه فايز السراج منذ نحو أسبوع، وشمل تعيين مزيد من الشخصيات «الإخوانية» في مواقع وزارية جديدة، والأهم أنها شخصيات مثيرة للكثير من الجدل، ومنها علي العيساوي وزيراً للاقتصاد، وفتحي باش أغا وزيراً للداخلية، الأول استُقبل تعيينه باحتجاج قبلي وسياسي من أوساط عدة كونه كان متهماً باغتيال اللواء عبدالفتاح يونس رئيس الأركان الليبي الأسبق وعدد من رفاقه في نهاية 2011، أما الثاني فمعروف عنه تأييده لعملية «فجر ليبيا» التي شارك فيها عناصر «الإخوان» وميليشيات أخرى متطرفة للسيطرة على مطار طرابلس، ومناطق من غرب ليبيا، والتي تحيط بها التساؤلات حتى الآن، خصوصاً حول دور كل من تركيا وقطر في تسهيل انتقال عناصر متطرفة من سورية لمساعدة العناصر الليبية ومن معها من عناصر غير ليبية في هذه المعركة. فلماذا يقوم السراج بهذه الخطوات، ويوغل أكثر في اعتماده على فصائل الإسلام السياسي، بما يتجاوز منطق اتفاق الصخيرات التي تستند إليها شرعية حكومته، بصرف النظر عن مناقشة هذا، وهي شرعية أساسها رعاية دولية أممية وإقليمية، تدعم تشكيل حكومة وفاق وطني تشمل الأغلبية التي صوتت للتيار المدني بمواصفاته الليبية، إضافة إلى ممثلي تيار الإسلام السياسي الذي خسر الانتخابات ولكنه يمتلك الميليشيات المسلحة الموجودة في شكل خاص في غرب البلادها وجنوب الآن، ولماذا يتخذ خطوات إضافية تجاه فصيل معين في هذه المعادلة بما ينقل رسالة محددة إلى مجلس النواب الليبي، وإلى كل مكونات هذا الشعب، بأن هذه ليست حكومة وفاق وطني، وإنما هي ما فرضه الغرب والمبعوث الدولي الأسبق برناردينو ليون لإعطاء فرصة أخرى جديدة للإسلام السياسي للمشاركة في الحكم رغماً عن إرادة الشعب الليبي الذي رفض الأمر في حالتي الانتخابات النيابية المتتالية بعد إطاحة القذافي.
 
في الواقع أن السبب بسيط، لأن هذه الصيغة ذاتها هي التي حققت ترتيبات وصول السراج لرئاسة هذه الحكومة الانتقالية حتى لو كان غير محسوب سابقاً على هذا الفصيل السياسي، ولكنها الترتيبات والفصائل التي تم إنتاج هذه الحكومة من أجلها.
 
ثم يأتي القبض على الإرهابي المصري الشديد الخطورة هشام عشماوي في درنة، وهو حدث بالغ الأهمية ليس فقط في الحرب التي توشك مصر على أن تعلن النصر فيها ضد الإرهاب الأسود، وإنما لأنه حدث يرد بقوة على من علا صوتهم من أنصار التيارات الإسلامية في ليبيا ومن يدعمهم في قطر وتركيا وبعض الأوساط الغربية بالتهجم على مصر بسبب قصفها مواقع الإرهابيين في درنة رداً على حادث اغتيال عدد من المسيحيين المصريين في جريمة بشعة يندى لها الجبين وتكفي لاصطفاف العالم ضد هذا الإرهاب، وهو ما لم يحدث، ليثبت مدى النفاق الدولي والمعايير المزدوجة. ولمن يريد أن يتذكر، كانت أصوات من يطلق عليهم البعض بالإسلام السياسي المعتدل في ليبيا، من «الإخوان» أساساً، الأعلى في ما وصفوه بالاعتداء المصري على سيادة ليبيا وأن مصر ليست لديها أدلة على خروج هؤلاء الإرهابيين من درنة، على رغم أن المعلومات عن تحول هذه المدينة إلى بؤرة لاستضافة هؤلاء الإرهابيين لقربها النسبي من مصر، كانت معلومات عامة متاحة ليس فقط لأي مختص أو إعلامي وإنما للعامة، ليضاف ذلك أيضاً إلى سلسلة أدلة ضخمة تدين هذه العناصر ومسؤوليتها عن استشهاد مئات من المصريين والليبين. وهذه ليست قضية جانبية في تشريح المشهد الليبي، بل هي قضية يجب أن تكون حاسمة في تقييم هذا المشهد وفهمه بدقة. مهم أيضاً تذكر أنه تم إلقاء القبض على شخص ليبي آخر برفقة عشماوي يدعى مرعي زغيبه، وهو وثيق الارتباط بتركيا ويمضي معظم وقته هناك منذ ما قبل 2011، وصلته وانتماؤه «الإخواني» معروفان، ليؤكد هذا مجدداً أن محاولة تصنيف بعض التيارات التي توظف الإسلام في السياسة بأنها معتدلة وأخرى متشددة هو إحدى الأكاذيب الكبرى التي تعطل مسيرة شعوب هذه المنطقة.
 
تطور آخر مهم جاء على لسان المبعوث الأممي غسان سلامة في حديثه لصحيفة «الحياة» يوم الثلثاء الماضي، عندما تحدث عن ضرورة التركيز على مسألة الميليشيات، وأزعم أنه كان موقفاً مصرياً ثابتاً ومنفرداً في هذا الصدد، وقال سلامة أن أمامها ثلاثة خيارات: الأول أن من يكون منهم مستعداً للتخلي عن تاريخه الميليشياوي يتحول إلى جهاز الشرطة الليبي، وهو خيار يتضمن أخطاراً كبيرة، والثاني من يريد العودة إلى الحياة المدنية، أو يفضل مغادرة البلاد، وأن الأمم المتحدة ستساعده في ذلك إذا لم يكن تورط في جرائم كبرى، إضافة إلى ذلك أكد عدم إمكان عقد الانتخابات وفقاً لخريطة الطريق التي أعلنها برعاية فرنسية منذ شهور عدة، وهو ما كنا توقعناه في حينه، ما دام لم يتم حل مشكلة الميليشيات ومن ثم ضمان احترام نتائج أي انتخابات في ليبيا كي لا يتكرر ما حدث في السابق. شخصياً، أعتقد أن التعامل مع مسألة الميليشيات التي يتبناها الجيش الليبي هي الحل الوحيد المنطقي الذي يجب أن يدعمه العالم وكل من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وهو الحل الذي تصر أطراف إقليمية وأخرى غربية على مقاومته ارتباطاً بكونها لا تريد إعاقة خطتهم لإرغام الشعب الليبي على قبول خيار الإسلام السياسي، وفي الواقع أنه لو بدأت خطوات جدية في اتجاه التعامل مع الميليشيات في غرب ليبيا وجنوبها فإن المشهد الليبي قد يتحول بسرعة شديدة أكثر مما يتوقعه كثر من المتفائلين.
 
ثم يأتي تطور آخر مهم وهو الحديث عن المبادرة الإيطالية، والاجتماع الذي توشك روما على عقده، ومرة أخرى يأتي هذا في ظل استمرار المبالغة الإعلامية الغربية والعربية حول التنافس الإيطالي – الفرنسي، الذي لا أشكك في وجوده ولكني أشكك في المبالغة حوله، وأياً كان الأمر لست منشغلاً كثيراً بهذا التنافس لاقتناعي بأن من سيكسب نفوذاً ومكانة في ليبيا هو من سيساعد في التخلص من ظاهرة الميليشيات، حتى لو كان قد شارك من قبل في دعمها أو تمكينها، وأظن أن من سيفهم هذا النقطة، وأن لا مستقبل لفكرة فرض رؤية سياسية لا يريدها الشعب الليبي، هو من سيفوز في النهاية بعلاقات ودية ومصالح مشتركة مع الدولة الليبية، ففي النهاية لا يمكن استمرار خلط الأوراق في ليبيا إلى الأبد.
 
* كاتب مصري
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد