تحالف فرعون موسى مع الملك حدد

mainThumb

26-02-2019 07:51 PM

 الحلقة التاسعة 

 
من هو فرعون موسى وعلاقته بالملك حدد بن بدد الأدومي ؟
 
 الملفت للنظر ان الآثار المصرية صمتت تماما عن هذا الموضوع الخطير الذي تحدث عنه القران الكريم بالتفاصيل، كما تحدثت التوراة عن ذلك بالتفاصيل المملة، الا وهو: موضوع بني إسرائيل وموسى في مصر وفي الخروج والغرق – مع ما هو معروف عن الكتابات المصرية – على جدران المعابد والآثار – من دقتها في تسجيل الأحداث المصرية كلمة وصورة مع أسماء الملوك والفراعنة والكتبة وعلية القوم ونسائهم. 
 
ولكن المؤرخ  سميثSmith  يعلل سكوت الآثار المصرية عن الحديث عن قصة خروج بني إسرائيل من مصر وعلاقة الفرعون بالأدوميين بعامة والملك حدد بن بدد بخاصة , بانها كانت عملية تقلل من شان الفرعون وتجعله بشرا بينما   كان اهل مصر  يعبدونه على انه ربهم الأعلى , وفي القران الكريم نجد قصة سيدنا موسى وكيف امره الله ان يذهب الى فرعون الذي ادعى الالوهية : (اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (17) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ (20) فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ (22) فَحَشَرَ فَنَادَىٰ (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ (25) سورة النازعات )
يقول المؤرخ سميث المذكور أعلاه عن قصة الخروج – أي خروج بني إسرائيل من مصر – بأنها من وجهة النظر المصرية الفرعونية لا تزيد عن كونها فرار مجموعة من العبيد الآبقين من سادتهم المصريين الفراعنة وما كانت هذه بالحادثة التي تسجل على جدران المعابد أو التي تقام لها الآثار لتسجيلها (J.W. Smith God & man in Earthy Israel. P38) 
   (December 23, 1805 – June 27, 1844) was an American religious leader and founder of Mormonism and the Latter Day Saint movement.) 
 
 والباحث ( د احمد عويدي العبادي ) يرى ان المصريين شمخوا بأنفسهم من ان يذكروا او يدونوا قصة القوم الاذلاء وهم بنو إسرائيل ونظر ( الفراعنة ) ان من العيب على المصريين في التاريخ ان المستضعفين المستعبدين  تسببوا بغرق الفرعون الذي قال ( انا ربكم الأعلى ) وبالتالي اعتبروا الامر لا يتعدى كونه فرار مجموعة من العبيد الآبقين والسفهاء والمخربين والسفهاء بحيث ان خروجهم كان خيرا للعباد والبلاد  , وبذلك فان الفراعة يكابرون بالمحسوس , لكنهم تعاملوا مع الحدث حسبما هي نظرتهم الفوقية لأنفسهم ونظرتهم الدونية لبني إسرائيل , رغم ان المعاناة مع موسى عليه السلام استمرت أربعين سنة .
 
وقد بين الله سبحانه في كثير من الآيات الكريمة نظرة الفوقية والاستضعاف الفرعونية لبني إسرائيل وكيف كان يذبح ابناءهم ويستحيي نسائهم فانقذهم الله وجعلهم أئمة وجعلهم الوارثين : (طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) سورة القصص  ) . 
 
   كما أنه من المؤكد أن التسجيلات الفرعونية لم تكن – كما نقول بلغة عصرنا – صحافة حرة تسجل الأحداث كما وقعت او كما يريدها الكاتب، بل لا بد ان التدوين من كلمة وصورة وتماثيل كلها كانت تحت رقابة صارمة من اعلى سلطة عند الفراعنة، فلا تسجل إلا ما يسمح به الفراعين أنفسهم ويكون فيه تمجيد لهم وتبخيس لمقدار غيرهم. وحيث كان الفراعنة يدّعون أنهم الهة او انصاف الهة او من نسل الآلهة، وانهم في جميع الحالات والفرضيات الهة على الأرض.
 
    وان ما ادعاه فرعون التسخير انه ربهم الأعلى، فليس من المتصور اطلاقا ولا المسموح به أن تسجل على المعابد الفرعونية دعوة موسى لإله واحد أحد أكبر وأعظم وهو الله رب العالمين، لان ذلك مناقض لعقيدة تأليه الفرعون. وليس من المسموح به تسجيل الآيات والمعجزات التي اتى بها موسى من العصى وأنها حية تسعى ومن اليد البيضاء ومن الجراد والقمل والدم والفيضان والضفادع، لان تحقيق ذلك بأمر الله سبحانه يعني نفي الوهية فرعون من حيث اتى، الذي تعذر عليه رفع الضر عن قومه فاضطروا للطلب من موسى ان يدعو ربه لرفع الضر عنهم فدعا ربه فاستجاب له. 
 
قال تعالى: (اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (17) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ (20) فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ (22) فَحَشَرَ فَنَادَىٰ (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ (25) سورة النازعات 
 
   كما أنه من غير المعقول تسجيل فشل الفرعون في القضاء على الفئة المستضعفة المستعبدة وهم بنو إسرائيل وموسى وهارون ومنع خروجهم من مصر سالمين هكذا، لأن ذلك برهان على نقص وعجز الفرعون الاله، هذا فضلاً عن غرقه أثناء مطاردتهم مما يعني ضعفه، إذ أنها أحداث تبرهن على اكذوبة الوهية فرعون وصدقية نبوة موسى عليه السلام، وبالتالي يجب فرض تعتيم إعلامي وتاريخي وتدويني كامل عليها وعلى كل ما يتعلق بها والعمل على محوها من ذاكرة الأمة وتاريخها ومدوناتها وهو أمر غير مستغرب. بل ويحدث في أيامنا هذه. وكم من حقائق عملت الرقابة والمخابرات على إخفائها عن الشعوب وحتى في زمن ثقافة وسائل التواصل الاجتماعي.  وكم من احداث جسام ومصيرية ومذابح وابادة حدثت بعيدا عن اعين الرقباء ولم يعلم بها أحد في حينه ولا بعد حدوثها الا في حالات نادرة 
 
ولكن الله سبحانه اظهر هذه الحقيقة وهي غرق فرعون وجنوده وهروب بني إسرائيل سالمين في اللحظة الأخيرة والحرجة (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) سورة الشعراء. وتجاوزهم البحر الأحمر باتجاه سيناء وارض ادوم الأردنية في طريقهم الى ارض الميعاد التي لم يحققها جيل الخروج. (وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) سورة الشعراء وقد بين القران الكريم ان الفرعون قد غرق وان الله انجاه بجثته ليكون لمن خلفه اية، وثبت بالطب الشرعي وجود بقايا املاح في فم الفرعون مما يثبت موته غرقا الامر الذي أدى الى اسلام الطبيب الفرنسي الذي وجد دقة الآية الكريمة على مومياء فرعون: 
قال تعالى أيضا: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) الآن وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) سورة يونس.
      واختلف العلماء والفقهاء في هوية فرعون الخروج من يكون ؟؟  هل هو رمسيس الثاني او ولده مرنبتاح. ولكن وبعد تدخل علم التشريح تبين ان مومياء الفرعون التي تنطبق عليها المواصفات الواردة في القران الكريم هي مومياء مرنبتاح (الفرعون الابن) على انه هو فرعون الخروج – وهي النظرية التي تلقى قبولاً واسعاً لدى علماء الآثار المصريين والأجانب على السواء، وبلغ التعصب ببعض مؤيدي هذه النظرية إلى حد أنهم ينكرون غرق الفرعون الذي خرج بنو إسرائيل في عهده.
 
كانت علاقة الملك حدد بن بدد ملك المملكة الأردنية الأدومية مع الفرعون رمسيس الثاني وولده من بعده مرنبتاح علاقة ممتازة ومميزة وتحالف كونهم جميعا ثموديون ولديهم عدو مشترك هام وهو دولة المصريين في وسط وجنوب مصر، وهي الدولة التي كانت تشكل خطرا على فرعون وحدد في ان واحد، فضلا عداوتهم لبني إسرائيل الذين كانوا يشكلون الخطر المحتمل الذي قد يبرز في اية لحطة ضد الفرعون وضد الملك حدد بن بدد وهو الامر الذي كان.
 
   لقد مات رمسيس الثاني قبل الخروج عن عمر ناهز التسعين عاما بعد ان رأى أولاده يموتون في حياته، وبقي منهم مرنبتاح الذي تولى عرش مصر الفرعونية وهو في عمر يزيد على السبعين سنة، وكلاهما كان على علاقة وصداقة وتحالف مع ملوك ادوم وبخاصة الملك حد بن بدد , وان  مرنبتاح هو من استمر على نهج ابيه في التحالف مع الأدوميين والملك حدد بن بدد من جهة، والعداوة لبني إسرائيل وموسى من جهة أخرى، فضلا عن وضعه حدا لأية تعديات او تحديات يمكن للدولة المصرية في الجنوب من ان تشكله من خطر على الفرعون ودولته , او على الملك حدد ودولته .   
 
 ومن الواضح ان حدد بن بدد ربما كان له دور كبير في اقناع الفرعون بالإبقاء على بني إسرائيل في مصر وتسخيرهم في الأعمال الشاقة والرديئة من جهة ولكي يتخلص الملك حدد من خطرهم على بلاده من جهة أخرى، لان حدد بن بدد كان يدرك وعلى يقين ان موسى كان نبيا وانه مؤيد بنصر الله، فرغب ان تبقى المشكلة فرعونية مصرية لا ان تمتد وتصل الى الأدوميين. لم يكن لدى حدد قوة كقوة فرعون ليحول دون خطرهم فرغب في ابقائهم في حضن الفرعون، ولكن قدر الله سبحانه كان امرا اخر.  ولا شك ان حدد بن بدد قد حزن كثيرا لغرق الفرعون وتدمير جيشه، وشعر بالخطر الحقيقي من خروج بني إسرائيل باتجاه ادوم فصارت المشكلة أدومية بعد ان كانت مصرية خالصة.  (وللحديث بقية)


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد