شريان مائي جديد للأردن في قلب الصحراء

mainThumb

19-06-2025 01:17 AM

يواجه الأردن تحديًا مصيريًا يتمثل في شح المياه، حيث يُعد من أفقر ثلاث دول مائيًا في العالم، ويبلغ نصيب الفرد أقل من 100 م³ سنويًا، مقارنة بالحد الأدنى العالمي البالغ 500 م³. في هذا السياق، يبرز مشروع "الناقل الوطني لتحلية المياه من العقبة إلى عمان" كاستجابة استراتيجية، تهدف إلى تحقيق أمن مائي طويل الأمد، يعيد رسم الخريطة الاقتصادية والديموغرافية للمملكة.

المشروع يطمح إلى تحلية 300 مليون متر مكعب من مياه البحر الأحمر سنويًا في مدينة العقبة، ثم نقلها بأنبوب رئيسي يبلغ طوله 450 كيلومترًا عبر سبع محافظات حتى العاصمة عمان، لتغذية أكثر من 5 ملايين نسمة. ومن المتوقع أن يغطي نحو 35٪ من الطلب الوطني على المياه بحلول 2030، مما يجعله أكبر مشروع مائي في تاريخ الأردن.

في يناير 2025، وُقّع عقد الشراكة مع ائتلاف Meridiam–Suez الفرنسي، بنظام البناء والتشغيل والنقل (BOT) لمدة 26 عامًا، باستثمار يقدَّر بأكثر من 2.5 مليار دولار. وتمويل المشروع يعتمد على آلية "التمويل المركّب"، حيث يتوزع بين القطاع الخاص (50٪)، والتمويل الدولي (35٪)، والحكومة الأردنية (15٪). وقد ساهمت جهات دولية متعددة، مثل الاتحاد الأوروبي، وبنك الاستثمار الأوروبي، وUSAID، وهولندا، بمنح وقروض بقيمة تجاوزت 500 مليون دولار حتى الآن.

دخل المشروع مرحلة ما قبل البناء، وبدأت منذ الربع الأول من 2025 أعمال المسح البيئي والهندسي، في انتظار "الإغلاق المالي" في يوليو 2025، وهو المرحلة الحاسمة لتأمين التمويلات وتوقيع العقود التنفيذية النهائية. وإذا تم الالتزام بالجدول الزمني، يُتوقع بدء التشييد في نهاية 2025، والانتهاء في أواخر 2028.

لكن الطريق إلى الإنجاز ليس مفروشًا بالمياه. إذ يواجه المشروع تحديات لوجستية وتمويلية كبيرة، أبرزها كلف التشغيل المرتفعة، والتعقيد الفني لأنظمة التحلية والنقل، إضافة إلى التغيرات البيئية المحتملة في منطقة البحر الأحمر. كما تثار تساؤلات مجتمعية حول آليات التسعير، وضمان العدالة الجغرافية في توزيع المياه.

مع ذلك، لا يقتصر المشروع على معالجة أزمة المياه، بل يحمل أبعادًا اقتصادية وتنموية واسعة. فهو مرشّح لخلق أكثر من 8,000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وتحفيز الصناعات المرتبطة بالمياه والطاقة. كما يرسل رسالة ثقة إلى المستثمرين الدوليين حول قدرة الأردن على تنفيذ مشاريع ضخمة وفق معايير الحوكمة العالمية.

على صعيد إقليمي، يُقارن المشروع من حيث الأثر بمشروع "رأس الخير" السعودي أو محطة "سيدني لتحلية المياه" الأسترالية، إذ يجسد رؤية طموحة للدول الشحيحة بالمياه لتحقيق الاكتفاء دون الارتهان للخارج أو للطقس.

في المحصلة، لا يمثل مشروع الناقل الوطني مجرد بنية تحتية مائية، بل هو تحول في فلسفة الدولة: من إدارة الندرة إلى صناعة الأمن، ومن التكيّف إلى الاستباق. إنه رهان أردني على الحياة في وجه العطش، ورسالة بأن الأمل يمكن أن يُضخ بأنابيب من الفولاذ، تنقل أكثر من الماء، تنقل السيادة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد