عمان – السوسنة – أنوار العرفي - تعد ظاهرة التدريس الخصوصي من الظواهر التي تفتك بالعملية التربوية وتؤدي إلى خللها بعد ان اتخذت مساراً تجارياً واصبح الطالب سلعة لدى المدرسين، و منتشرة بصورة كبيرة في المجتمعات و تشكل عبئاً إضافياً على عاتق العائلة وخسارة مادية كبيرة .
و تحول الكثير من المدرسين إلى التدريس الخصوصي كعمل اضافي مضني، يحل عقدة الراتب الحكومي الذي يقولون انه لا يسد رمق الجوع، ولا يوفر ابسط الحاجات المعيشية للفرد وعائلته، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المواطن الاردني.
تقول المواطنة منال نعيم لــ السوسنة أنها لجأت إلى أعطاء ابنها الدروس الخصوصية لأنها لم تكمل دراستها ولا تستطيع فهم المنهاج فكانت الدروس الخصوصية الحل الامثل لمساعدة ابنها على الفهم والدراسة وتحصيل علامات ممتازة.
وتضيف الأم فاتن سليمان لـ السوسنة أن التدريس الخصوصي أصبح يشكل أزمة مالية تضاف إلى الأزمات المتراكمة التي تصيب ميزانية الأسرة بالعجز نتيجة المبالغ الكبيرة التي تقدم على طبق من ذهب للمدرسين في كل عام، مشيرة إلى أن التدريس الخصوصي هو آخر حل تلجأ إليه لأن التعليم أصبح تجارة علنية.
وتبين الأم تماضر الفقيه أنها لجأت لإعطاء إبنتها الدروس الخصوصية لأنها لا تمتلك القدرة على إعطاء وتقديم المعلومة لها بشكل صحيح و لكي لا تشتتها، مبينة أن ابنتها تحسن مستواها بعد أخذ هذه الدروس.
وتؤكد المعلمة بتول العلي أنها لجأت إلى التدريس الخصوصي في سبيل تأمين لقمة العيش في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة مشيرة إلى امتلاكها شهادة جامعية بتخصص اللغة العربية ولكنها لم تجد وظيفة حكومية.
وتوضح المعلمة سناء الخياط أنها تعطي الدروس الخصوصية لأن بعض المدرسين في المدارس لايعطو للدرس حقه أثناء الحصة المدرسية مما يضطر الطالب إلى اللجوء للدروس الخصوصية ليضمن نجاحه مشيرة إلى أن معلمين المدارس هم الأكثر حاجة إلى دروس التقوية حتى يصبح الطلبة بغنى عنها.
وقال الناطق الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم وليد الجلاد لــ السوسنة إن مسألة التدريس الخصوصي أصبحت مشكلة عصرية تواجه كافة افراد المجتمع الأردني ، موضحا أن الأسباب التي دفعت إلى تفاقم ظاهرة التدريس الخصوصي تعود إلى حالة نفسية وهمية، يرى فيها الطالب أنه التحق بمؤسسة تقدم له دروسا تمكنه من ارتياح ضميره ويعوض ما لديه من اهمال لفترة طويلة ليتعلم على يد شخص روج له أنه يشفي العليل، ويتبعها شراء دوسيات أعادت ترتيب المادة الخاصة بالمبحث بطريقة تؤكد أن المنهج غير سليم وما الدوسية الا استنساخ لمحتوى الكتاب بوجهة نظر تؤكد للطالب سلامتها.
و أضاف الجلاد أن من الأسباب أيضا هي عدم قناعة الطلبة بمعلميهم وموادهم، وعدم وجود بنية معرفية تراكمية سليمة لدى الطالب فهي هشة بشكل عام، لأن هذا الجيل لديه مساحات من التشويش تفوق تصور الفرد مثل الهاتف والمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأشار إلى بعض السلبيات المتعلقة بالدروس الخصوصية، منها الشرح بطريقة مختلفة عما يجري في المدرسة يؤدي إلى “تشويش” الطالب بدل تسهيل الأمر عليه، بالإضافة إلى “تضييع” الوقت في الدروس إلى جانب “اتكالية” الطالب في الفهم والاستيعاب على المدرس الخصوصي فيما بعد.
وبين الجلاد أن هذه الظاهرة هي كارثة علمية تؤثر على التعليم في الاردن ونحن نرفض تربويا ذللك، وبالتالي تؤثر هذه الظاهرة على المدارس الحكومية التي بدأ ينسحب منها الطلبة تدريجيآ ولايقومون بالأنتباة في الدرس بسبب أعتمادهم على مدرسيهم الخصوصي وهذا يؤثر أيضا على الطلبة حيث يتشتت فكرهم بين الأساتذة في مدارسهم ومدرسيهم الخصوصي..
ويضيف المعلم سيف عماد لــ السوسنة أن من بين العوامل التي ساهمت في خلق جيل الدروس الخصوصية هو نمطية الأمتحان وقدرة محترفي الدروس الخصوصية على توقع وتخمين أسئلة الأمتحان وبالتالي يلجأ الطالب على الحصول على درجات مرتفعة لكن المشكلة الأكثر خطورة أن الطالب يصبح غير مهتم بما يدور داخل الفصل المدرسي .
وتقول أستاذة علم الإجتماع في جامعة اليرموك الدكتورة منيرة الشرمان لــ السوسنة أن الأسباب التي دفعت إلى تفاقم ظاهرة التدريس الخصوصي من عام إلى عام كثيرة تتمثل في اعتبار المعلمين التدريس الخصوصي عمل إضافي وتجارة رابحة لتحسين الدخل ورغبة الأهالي في حصول أبنائهم على علامات عالية بالإضافة إلى عدم حب الطلاب للدرس الذي يعطى بالمدرسة وكأن المدرسة أصبحت بيئة طاردة وليست جاذبة للتعلم.
وتضيف الشرمان أن صعوبة المواد الدراسية وعدم إلمام الطلبة بالمعرفة السابقة والمتطلبات السابقة لفهَم المواد تدفعهم إلى أخذ الحصص الخصوصية وأشارت إلى عدم مراقبة مديري المدارس للمعلمين أثناء تدريس الطلبة أدى إلى ضعف التعليم وارتفاع نسبة اللجوء للتعليم الخصوصي .
وتشير إلى الدور الكبير الذي يقع على عاتق المدرسة والأسرة في الحد من هذه الظاهرة التي اثقلت كاهل العائلة وشكلت خسارة مادية كبيرة وتتمثل في توضيح أهمية المدرسة للطالب وضرورة الاعتماد على شرح المعلم وليس على الدروس الخصوصية وعدم تشجيع الاسرة الأبناء على التوجه للدروس الخصوصية ورفضهم لها وتخصيص الأسرة الوقت الكافي لتعليم أبنائهم ومساعدتهم.
وتؤكد الشرمان على ضرورة مراقبه الأداء التدريسي للمعلمين من قبل مديريهم بإستمرار بالإضافة إلى تقليل عدد الطلبة في الصف مما يؤدي إلى زيادة فرصة فهم الطلبة للمواد.
وتبين الشرمان أن التدريس الخصوصي سلاح ذو حدين يجد فيه الطالب الجانب السلبي والجانب الإيجابي وتتمثل صورته الإيجابية في تأمين راتب كافي للمعلم لسداد حاجاته الأساسية ودعم معلومات الطلبة وتأكيدها اما السلبية تتمثل في ضعف إنتاجية المعلم في الصف بسب اعتماده ان الطلبة يتوجهون للتدريس الخصوصي وعدم تركيز الطلبة أثناء الحصة المدرسية وتقليل اعتماد الطالب على نفسه بالإضافة إلى ضياع وقت الطالب .
ويقول الخبير والمستشار التربوي عايش النوايسة لــ السوسنة أن الدروس الخصوصية باتت ظاهرة تعليمية بارزة في الحياة التعليمية المدرسية وأحياناً الجامعية وهي بكل صورها ظاهرة سلبية برزت نتيجة تركيز التعليم في الأردن على المعرفة والتحصيل الدراسي، فالإختبارات المدرسية والثانوية العامة تركز على المعرفة والحفظ والتلقين في جانب تقييم الطلبة وتوزيعهم في نهاية المطاف وفق مقدار التحصيل الذي يصلون إليه.
ويضيف النوايسة أن هنالك أسباب أخرى أدت إلى برزو الظاهرة منها تراجع دور المعلم في الغرفة الصفية وإعتماده على الدروس الخصوصية لزيادة دخله وغياب المهنية التربوية والمساءلة والمتابعة، كما انها أصبحت "برستيج" اجتماعي إذ لا بد لطلبة الثانوية العامة من أخذ هذه الدروس حتى لو لم يكن بحاجة إليها.
ويشير إلى أن ظاهرة الدروس الخصوصية أربكت الأسرة والمجتمع والنظام التعليمي القائم، ودفعت بعض المعلمين للتخلي عن أدوارهم الحقيقية في إعطاء المادة الدراسية وتدريسها، وتقصيرهم في عملهم، وعدم اهتمامهم بتوضيح المضامين الغامضة، وتحيزهم إلى طلاب دون غيرهم بسبب أنهم يأخذون عندهم الدروس الخصوصية.
ويؤكد النوايسة على أن الظاهرة قد فرضت نفسها فرضاً على مجتمعنا في الآونة الأخيرة، إلى الحد الذي يكاد لا يخلو بيت من بيوتنا من شبحها البغيض ، فهي كابوس يجثم فوق الصدور فبمجرد أن يبدأ العام الدراسي الجديد ، نجد أن هذه الظاهرة قد انتشرت ظلالها القاتمة لتنسحب في عدة اتجاهات وتطال جميع الأطراف، ولي الأمر أولاً ، والطالب ثانياً والمعلم ثالثاً ، والنظام المدرسي رابعاً ، والمجتمع بشكل عام.
ويبين أن هذه الظاهرة مقلقة وخطيرة ، وخاصة عندما نجد أن هناك تعليماً رسمياً في ساعات الصباح قائم على نظام تعليمي له قواعده وأسسه وضوابط تنفيذه يقابله نظام خصوصي يتعلق بمعلمي المواد الدراسية المختلفة بعد الانتهاء من التعليم الصباحي موازي للتعليم الرسمي ولكنه في البيوت .
ويوضح النوايسة أن الطلبة ينتقلون من المدرسة مباشرة إلى البيوت ، الأمر الذي جعل الطلبة غير مكترثين بالتعليم داخل المدرسة ، بل لا يهمهم ما يحدث داخلها من تعليم لأنهم مستندين على الدروس الخصوصية التي يبذل المعلم فيها كل ما يستطيع مقابل بعض المميزات المادية.
ولفت إلى الملخصات المنتشرة بصورة دوسيات إذ أن الدوسية اسهل وأيسر طريقة لحفظ المعلومات، لذلك نجد طلبة الثانوية العامة والصفوف الدنيا الأخرى يقبلون عليها بشدة وهذا أوجد تنافسا بين المكتبات لإقتناء الدوسيات.
ويؤكد النوايسة أنه حسب حقوق الملكية الفكرية لوزارة التربية والتعليم "لا يجوز استنساخ اي جزء من الكتب المدرسية وإعادة طباعته ولذلك فإن كل ماهو موجود بالمكتبات يعد مخالفا".