علماء "الحركة الاسلامية" : المسيرات السلمية فرض كفاية

mainThumb

03-03-2011 04:48 PM

أصدر مجلس علماء جماعة الإخوان المسلمين بيانا ،أوضح فيه ان المظاهرات والمسيرات والاعتصامات والمهرجانات والإضرابات وما شابهها مباحة شرعياً وتصل في بعض الاحيان إلى فرض الكفاية.


وتاليا نص البيان ..


الحكم الشرعي في المظاهرات


المظاهرات والمسيرات والاعتصامات والمهرجانات والإضرابات وما شابهها هي طريقة من طرق التعبير الجماعي عن الرأي في قضية من القضايا العامة للأمة، أو قضايا شريحة أو أكثر من الأمة.

وهي طريقة قديمة لكنها لم تكن شائعة، ولكنها انتشرت كثيرا في عصرنا، واحتاجت إلى بيان الحكم الشرعي فيها.

ولعلماء عصرنا في هذه المسألة رأيان:

الرأي الأول: أنها مشروعة (مباحة أو مستحبة أو فرض كفاية) ولكن بضوابط، وعلى هذا جمهور العلماء من كافة المذاهب، منهم علماء الأزهر، وعلماء الإخوان المسلين وعلى رأسهم الشيخ حسن البنا، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعلى رأسهم الشيخ القرضاوي، وكثير من علماء التيار السلفي مثل الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، والشيخ سلمان العودة، والشيخ محمد الحسن الشنقيطي، وقد قام عمليا بذلك كثير من علماء مصر والشام والعراق والخليج وبلاد المغرب العربي والسودان، وكثير من دول العالم الإسلامي خلال قرن من الزمان، واستدلوا لذلك بما يلي:

1. أنها وسائل وأساليب، وهي تأخذ حكمها من حكم أهدافها، فما دام الهدف مشروعا فهي مشروعة، ما لم يرد نهي عنها بذاتها، ومعلوم أنه ليس في القرآن والسنة ما ينهى عنها.

2. أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن للمسلمين في مكة بذلك، فبعد أن أسلم حمزة ثم عمر رضي الله عنهما قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ألسنا على الحق، إن متنا أو حيينا؟ قال: بلى، فقلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لَنَخرجَنَّ، فخرجنا في صَفَّين: حمزة في صف، وأنا في صف - له كديد (تراب ناعم من شدة المشي) ككديد الطحن - حتى دخلنا المسجد، فلما نظرتْ إلينا قريش أصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها قط. فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الفاروق".

وقد روي ذلك عن عدد من الصحابة منهم: أنس بن مالك، وابن عباس، وأسامة بن زيد، وجابر بن عبد الله، وثوبان رضي الله عنهم، وصحيح أنه ليس منها طريق صحيح، ولكن ثلاثة طرق منها فيها ضعف يسير، وبحسب قواعد المحدثين فإن الحديث بمجموع هذه الطرق يصبح حديثا حسنا لغيره، وهو حديث مقبول، وممن ذكره في السيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

3. أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بجهاد الأمراء الظلمة، ففي الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيكون أمراء من بعدي يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، لا إيمان بعده.

4. أنها طريقة من طرق التعبير والتأثير وإعلان الموقف، والتواصي بالحق والصبر وهذا واجب شرعا.

5. أنها نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطرقُها وأساليبها لا تنحصر، بل تتجدد بتجدد العصور، وأجر من يقوم به عظيم عند الله تعالى، للحديث الصحيح (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، و رجل قام إلى إمام جائر فأمره و نهاه فقتله).

6. أنها نوع من التعاون على البر والتقوى، فالتظاهر هو التعاون، وقد أمرنا الله تعالى بذلك، قال تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} ولم يحدد الله سبحانه وتعالى لهذا التعاون طرقا معينة لا يجوز غيرها.

7. أنها من قبيل المطالبة بالحقوق العامة أو الدفاع عنها، وقد أمر الشارع بذلك، وعد من يقتل دون ذلك شهيدا، ففي الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي قَالَ فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي قَالَ قَاتِلْهُ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي قَالَ فَأَنْتَ شَهِيدٌ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ قَالَ هُوَ فِي النَّارِ. فهل يكون الدفاع عن حق فردي مشروعا ويكون الدفاع عن حق الأمة كلها محرما؟!!!

8. أن كثيرا من الدساتير حتى في الدول الإسلامية تنص على أن المظاهرات السلمية من حق الشعب، وهذا يُعد عقدا بين الحاكم والشعب، والمظاهرات إنما هي تطبيق لهذا العقد بين الطرفين.

9. أن فيها نصرة معنوية للمسلمين الذين احتلت بلادهم، ويعانون من القهر والظلم وينتظرون من المسلمين على – الأقل - موقفا قويا واضحا معلنا، وتنشرح صدورهم عندما يرون جماهير المسلين يقومون بمسيرات ضخمة لنصرتهم، وإلا فهو عدم الاهتمام بآلامهم وقضاياهم، والخذلان لهم، فالمظاهرات تطبيق لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ).

10. أنها نوع من الجهاد في سبيل الله يغيظ أعداء الإسلام ويخيفهم ويلقي الرعب في قلوبهم، قال تعالى {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين}.

11. أن المسلمين خرجوا رجالا ونساء وأطفالا لاستقبال النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل المدينة المنورة مهاجرا، فهي تظاهرة شعبية للتعبير عن حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللإسلام.

12. أن سبب استحباب الرمل في الطواف إظهار قوة المسلمين حينما شاع بين المشركين أن المسلمين أصابهم الوهن والمرض، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يهرولوا في الأشواط الثلاثة الأولى إظهارا لقوتهم أمام المشركين.

13. أن المسلمين خرجوا لملاقاة جيش المسلين العائد من غزوة مؤتة مستنكرين عليهم، يحثون في وجوههم التراب، يقولون: يا فُرار، ولم ينكر النبي صلى الله عليهم وسلم هذا الخروج الجماعي، بل صحح لهم الشعار فقال: ولكنهم الكُرار إن شاء الله.

14. أن السلف الصالح قد خرجوا على الحكام الظلمة – حتى بالسلاح - كما حدث في ثورة الحسين بن علي رضي الله عنهما، وثورة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، وقد شارك فيهما آلاف من الصحابة والتابعين، وثورة ابن الأشعث التي شارك فيها الجمهور الساحق من العلماء، فكيف إذا رأى المسلمون كفرا بواحا؟.

وأما الضوابط الشرعية فهي:

1. أن يكون هدف المظاهرة مشروعا.

2. الالتزام بالأحكام الشرعية أثناء المظاهرة، مثل عدم إلحاق الأذى بالأشخاص والممتلكات العامة والخاصة، وألا يرفع المسلم شعارات غير جائزة، وعدم المزاحمة بين الرجال والنساء.

3. أن يغلب على ظن المتظاهرين أن ما تحققه المظاهرات من مصالح أرجح مما فيها من مفاسد.

الرأي الثاني: أنها محرمة، وهو رأي بعض أتباع التيار السلفي فقط، واستدلوا لذلك بما يلي:

1. أنه لا دليل على جوازها، وأنها ليست من طريقة السلف الصالح.

ويؤخذ على ذلك:

أ‌- أن الأصل في الوسائل والأساليب الجواز وليس التحريم.

ب‌- أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر ذلك كما سبق، وأن السلف الصالح قد قاموا بذلك وبما هو أشد منه، كما سبق بيانه.

ت‌- أنه لا يشترط في مشروعية طرق التعبير عن الرأي أن تكون مما فعله السلف، بل إن للأمة أن تبتكر من طرق التعبير ما تراه مناسبا ومؤثرا ما لم يخالف حكما شرعيا واضحا.

2. أنها خروج على ولي الأمر.

ويؤخذ على ذلك أن المظاهرات:

أ‌- ليست بالضرورة ضد ولي الأمر، فإنها قد تكون لتأييد موقف ولي الأمر، فهل يحرم ذلك؟.

ب‌- وقد تكون ممارسة لحق اتفق عليه الحاكم مع الشعب من خلال الدستور.

ت‌- وقد تكون لبيان الرأي العام لولي الأمر، فهو أشبه باستطلاعات الرأي، فهل يحرم ذلك؟.

ث‌- وقد يكون ولي الأمر لا تنطبق عليه شروط ولي الأمر أصلا، فهل يحرم الاحتجاج عليه؟ أو تكفي نصيحته سرا؟.

ج‌- وقد يكون ولي الأمر ظالما لا بد من الاعتراض على ظلمه وانحرافاته، ولا يكفي في ذلك النصيحة الخاصة، فالنصيحة الخاصة إنما تكون في المخالفات غير العلنية، أما المخالفات الشرعية العلنية فلا بد فيها من قول الحق علنا، وهكذا فعل الإمام أحمد بن حنبل حيث أعلن موقفه من مسألة خلق القرآن مخالفا بذلك الرأي الذي اعتمده ولي الأمر، وكان الناس يتجمعون بالباب بالمئات وربما بالآلاف ينتظرون قوله، ولم يكتف بنصيحة بينه وبين ولي الأمر، بل قاد المعارضة، وقد يقول قائل: لكنه لم يخرج في مظاهرة، والجواب: هل هناك فرق في إعلان الموقف الجماعي بين أن يكون الناس واقفين أو سائرين أو جالسين ؟.

وهذا ما قامت به الحركة الوهابية في الجزيرة العربية، بل لقد تجاوزت ذلك بالخروج بالقوة المسلحة على ولي الأمر، فهل يجوز الخروج على ولي الأمر بالسلاح ولا يجوز التعبير بالمظاهرات السلمية؟.

3. أنها تقليد للغرب وتشبه بغير المسلمين.

ويؤخذ على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شرع لنا في مواقف متعددة الأخذ عن غير المسلين وبخاصة في الوسائل التي لا تتعارض مع الإسلام، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ برأي سلمان الفارسي رضي الله عنه في حفر الخندق وهي طريقة فارسية، واتخذ صلى الله عليه وسلم خاتما لما أخبر أن ملوك العجم لا يقبلون كتابا إلا مختوما، بل وأخذ صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء بفعل اليهود وقال: نحن أولى بموسى منهم، ولا شك أننا اليوم نأخذ بكثير من الوسائل التي سبقَنا إليها الغرب دون نكير.

4. أن فيها فوضى وتخريبا للممتلكات واختلاطا.

ويؤخذ على ذلك:

أ‌- أن كثيرا من المظاهرات ليس فيها شيء من ذلك، وأن ذلك يراعى في الضوابط.

ب‌- أن هذا حكمٌ لا على المظاهرات بل على بعض ما يمكن أن يرافقها، ونحن إنما نبحث في حكم المظاهرات نفسها، وبأنه يمكن أن يوضع لها من الضوابط الشرعية ما يبعدها عن كل مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية.

ت‌- أننا نجد شيئا من الاختلاط بهذا المعنى في الأسواق بل وفي الحرمين، وفي الحج من طواف وسعي ورمي.

5. أن فيها إصابات واعتقالات.

ويؤخذ على ذلك:

أ‌- أنها ما دامت مشروعة فهذه تضحيات في سبيل الله تعالى، وإنما ينبغي تجنب التضحيات إن لم تكن الأهداف تستحق ذلك، فكم في الجهاد في سبيل الله تعالى من جراح وإصابات وتضحيات، وقد ضرب لنا كثير من الصحابة رضي الله عنهم جميعا أروع الأمثلة في تقديم التضحيات في سبيل الله تعالى، وبعضها لم يكن في المعارك وليس لها ضرورة، فهذا أبو ذر بعدما أسلم يقول للنبي صلى الله عليه وسلم – كما في صحيح البخاري - (وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَجَاءَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيهِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَقَالُوا قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ فَقَامُوا فَضُرِبْتُ لِأَمُوتَ فَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ) ثم فعل ذلك في اليوم الثاني ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك.

ب‌- أن في الظلم كثير من الانتهاك للأنفس والأموال والأعراض، فكم في ظل الأنظمة الفاسدة الظالمة من اعتقالات للآلاف، وتعذيب لهم، وقتل للمئات وربما للآلاف، بل وربما لعشرات الآلاف، وهي في كثير من الأحيان أكثر بكثير من الإصابات في المظاهرات، ولمثل ذلك أمر الله تعالى بقتال البغاة، قال تعالى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}.

6. أنها لم ترجع حقا، فهي بلا طائل.

ويؤخذ على ذلك أنه كلام غير صحيح، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بإنكار المنكر باللسان، بل وبالقلب، والمظاهرات تغيير للمنكر باللسان، كما أن الواقع يدل على أنه كثيرا ما أخذت الشعوب حقوقها أو بعضا منها من خلال المظاهرات إن أحسنت تنظيمها، وفي العصر الحديث بدأت النهضة الأوروبية قبل قرنين بالمظاهرات، كما أنه قد تم تغيير عدد من أنظمة الحكم حتى في العالم العربي والإسلامي بالمظاهرات، فهكذا تم إسقاط نظام عبود ثم نظام النميري في السودان، وهكذا تم إسقاط نظام الشاه في إيران، وهكذا تم إسقاط نظام زين العابدين بن علي في تونس، ونظام مبارك في مصر، وها هو نظام القذافي يتهاوى بسبب المظاهرات، إلخ.

الترجيح:

لا شك أن رأي جمهور العلماء هو الراجح لما تبين من خلال مناقشة الأدلة، وأما القول الثاني فإنه تجاهلٌ للنصوص الصحيحة، وفهمٌ لبعضها بطريقة خاطئة، وتكريسٌ للظلم، وإعانةٌ للظالمين على المظلومين، وإساءةٌ للإسلام، وتكريسٌ للقول بأن الدين أفيون الشعوب، وأنه نصير الدكتاتورية، ويتجاهل حقوق الإنسان، وحريته في التعبير، إلى آخر ذلك من التشويه لصورة الإسلام النقية الصافية كما عرفها ومارسها السلف الصالح، بل هو إساءة حتى لصورة السلف الصالح رضي الله عنهم ورحمهم الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين
مجلس علماء الإخوان المسلمين في الأردن
‏28‏ ربيع الأول‏، 1432ه
‏03‏/03‏/2011م


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد