حلاوة الإيمان

mainThumb

14-11-2009 12:00 AM

الدكتور حسن فالح البكور

لكل شيءٍ مادي طعمٌ خاص به، ومذاقٌ يم?Zّيزه عن غيره، وليس للبعض طعمٌ أو مذاق، وبعض المواد يكتسب المذاق من خلال مزجه بغيره ، أو صفة ذاتية فطرية تولّدت معه، فالمشروبات حلوة أو مرّة أو حامضة أو حّارّة على الأغلب تكون بإضافة مواد خارجة عن طبيعتها تجعلها حلوة المذاق أو مرّة.......، بينما نجد أن ثمة مواد أُخرى لها مذاقها الخاص بها دون إضافات خارجية، فالفلفل حارٌّ، والليمون حامض، والتفاح حلوٌ، ومثل ذلك اللبن، والعنب، والخوخ والحنظل، والرُّمان، وسوى ذلك كثير من آلاءِ االله ونعمه، ولعلّ?Z جميع المشروبات والمأكولات بطعمها الخاص بها لم يأت عبثاً أو صدفة، بل كان كذلك لتحقيق التوزان المادي والجسدي للإنسان، فلو كانت جميعها بمذاق واحدٍ لنجم عن ذلك خلل في التركيبة الكلية للإنسان ,فعلى سبيل المثال لا الحصر لو كانت جميع المأكولات والمشروبات حامضة، لحدث خلل كبير في عمل البنكرياس، ونقص السكريات يؤدي إلى ضرر خطير في الجسم، وكذلك العكس، وقس على ذلك كثيراً من الأمثلة، ومن هنا فإنّ جسم الإنسان مركّب من جوارح وأعضاء يتناسب عملها طردياً مع الطبيعة ذات المذاقات المختلفة التي خلقها الله سبحانة وتعالى، مصداقاً لقوله تعالى : " إنّ?Zا كلّ شيءٍ خلقناه بقدر " ذلك هو الجانب المادي في الإنسان.

وأما الجانب الآخر الذي يختصّ بحلاوة الإيمان فهو الروحي والمعنوي، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا?Z وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ نبياً ورسولاً,وفي حديث آخر يب?Zّين عليه السلام شروط تحصيل حلاوة الإيمان فيقول " ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يحب الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما،وأن يحب المرء لا يحبّه إلا لله, وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار ".ولعل المقصود بحلاوة الإيمان ليس الطعم الحقيقي المادي، وإنما شعور المؤمن بلذة الطمأنينة والسكنية والراحة والسّ?Zعادة والسرور والر?Zّضا عن الذات والنشوة, وكل الخصال الحميدة، ولن يشعر الإنسان بهذا إلا إذا اتّبع شروطاً خاصّة أوّلها : أن يكون حبّه لله ولرسوله في قمة أولوياته، فيؤدي فرائضه ويجتنب نواهيه ويأتمر بأوامره, ويقتدي بالرسول صلى الله عليه ولسم قولاً وعملاً، ويكثر من الذكر وقراءة القرآن والنوافل, والشرط الآخر أن يكون حبه للآخرين في الله تعالى وليس لمصلحة دنيوية، وأن يكون كرهه للكفر ككرهه من الوقوع في النار، عندها يستشعر المؤمن الصادق بلذة روحية وصفاء النفس والسريرة، فتغمر كل جوارحه وأعضائه ويشعر بمتعة روحانية ولذة نفسية تنساب في أوصاله كانسياب عذب المياه في مجراها أو الدّم في الشرايين, ولتقريب الصورة أكثر نسوق هذا المثال : " قد يشتهي المرء طعاماً بعينه، أو يتمنى شراباً خاصاً، أو يتوق إلى رحلة ترفيهية أو استجمامية، أو يسعى إلى الارتباط بشريكة حياته بمواصفاته الخاصة، أو يرنو إلى تبوّء مركز رفيع في إحدى المؤسسات المدنية الحكومية أو الخاصة، أو يطمح إلى الحصول على شهادة علمية عليا، تلك إذن أُمنيات وطموحات، هل وصل المرءُ فيها إلى اللذّ?Zة والنشوة قبل تحقيقها وإنجازها ؟بالطبع : لا، إنّها أُمنيات، وهل تنجز تلك الأُمنيات دون عملٍ أو سعي حثيث للحصول عليها ؟ الجواب : لا.

إن اللذة والإحساس بالمتعة وطعم الشيء مرهون بتحصيل الهدف، ولن نبلغ الهدف إلا إذا اجتهدنا في الإعداد له والتخطيط المناسب لبلوغه، فاللذة نتاج حقيقي وواقعي بعد أن ندرك الشيء المخبوء الذي نصبو إليه,فمن ينجح في عمله يحق?Zّق اللذة، ومن يأكل الطعام يحص?Zّل اللذة، ومن يحصد القمح يستشعر اللذة، وبناء على ذلك فإن حلاوة الإيمان ترتبط ارتباطاً عضوياً بإنجاز شروطٍ وأفعالٍ أمرنا بها الله ورسوله، فإن قمنا بفعلها واجتهدنا بالعمل بمقتضاها, تحقّق في نفوسنا وأرواحنا هذا الطعم الجميل الذي يغمر صاحبه بالسعادة والسرور.

وما أبلغ التعبير القرآني الذي شب?Zّه الإيمان بالشجرة، فقال عزّ وجلّ : " ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة..... " والشجرة الطيبة لها جذور، وأغصان، وأوراق، وثمر، ولعلنا نلحظ أن الثمر هو المرحلة الأخيرة من المكو?Zّنات الأساسية للشجرة، وهو نتاج أفعال سابقة وتراكمات متداخلة ,تتفاعل معاً لتنتج هذه الثمرة التي نتذوقها وتظهر حلاوتها,وهكذا الإيمان، فأغصانه الالتزام بأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، وأوراقه فعل الخيرات، وثمره عمل الطاعات، وحلاوته السعادة والسرور والطمأنينة.

ومن أراد أن يتذوق طعم الإيمان فعليه أن يحب الله ورسوله أكثر من نفسه وولده وماله، فقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه, أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:لأنت أحبّ إليّ من كل شيءٍ إلا من نفسي، فقال له النبي : لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحبّ إليك من نفسك، فقال له عمر : فإنه الآن ,والله لأنت أحبّ إليّ من نفسي، فقال النبي : الآن يا عمر ".وقال عليه السلام : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده والنّاس أجمعين ".

أين موقع الكثير من المسلمين اليوم في عصر المعلوماتية والثورة التقنية ؟ أين نقف من هذا كل?Zّه ونحن منهمكون في تقديس المال والعقارات ؟أين منزلتنا مما ورد آنفاً ,ونحن سائرون في دروب المتاهات لا ه?Zمّ?Z لنا – إلا من رحم

ربي – سوى الطعام والشراب ؟ولا غاية لنا غير متابعة أفلام الفضائيات الإباحية، ومجالسة رفاق السوء في المقاهي الليلية، ولا سبيل لنا سوى الانخراط في ركب الحضارات الغربية التي تتباهى بالحرية, وتتشدّ?Zق بالديمقراطية ؟ وإذا بحثت عن بعض الشباب, عثرت عليهم كجثث هامدة على قارعة الطريق كالهوام الشاردة في البريّ?Zة.وربما يجيب إن سألته عن الهويّة، أنا فخورٌ لأنني بلا هويّة، وإن استوقفته قليلاً وسألته عن الخلفاء الراشدين والصّحابة والتابعين وأولياء الله الصالحين، وغزوات المسلمين، ومعارك الشرف والكرامة والتحرير، يجيبك بلا استحياء ما سمعت بهؤلاء من قبل، وربما يتمادى في القول: دعنا من الماضي، فقد عفا عليه الزّمن، ولعلّه بأعصاب باردة يقول : إن شئت حدثتك عن أسماء المطربات والراقصات والمسلسلات وأبطال الملاعب وملكات جمال العالم، والأزياء، وأنواع الحلويات والأبراج والخّمارات.وإن سألت زيداً أو عمراً عن الصلوات المفروضات وأركان الإسلام والإيمان، يستغرق في الإجابة ساعات دون إجابات، ولو طلبت منه أن يُعد?Zّد القارات أو المحطيات لغرق في بحرٍ لُج?Zّي يغرق بالظلمات، ومثله كثير من الجماعات تنادي بالأعمال الصالحات وفي الخفاء تتو?Zّج أفعالها بالمنكرات، وتتساءل من خلال المكب?Zّرات والإذاعات نحن مؤمنون بالوثائق والشهادات، ولكننا نفتقد حلاوة الإيمان, فلا أمان أو اطمئنان ولا سرور وسكينة وأفراح، ما هكذا تورد الإبل يا تائهون في الفلوات، عودوا إلى رشدكم, يحببكم الله ورسوله, وييسّر لكم, ويرزقكم من حيث لا تحتسبوا, احفظوا الله يحفظكم، أعملوا بكتابه العزيز يوفقكم، سيروا على نهجه تهتدوا، اغرسوا الإيمان في نفوسكم, تتذوقوا حلاوته، ويحبّكم الله " قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله "



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد