لهذا ومثله يهرب المعلمون

mainThumb

15-03-2010 12:00 AM

محمود الهواوشه

إلى متى تستر الشمس بغربال، إلى متى نجرد من أنفسنا مدافعين عن الآخرين بما نراه نحن لا بما يرونه هم, متى نخرج رؤوسنا من الرمال ونرى الحقيقة، ونستر عوراتنا ولا نعلق مشاكلنا على أسباب ومبررات لا وجود لها إلا في عالم الذين دوما يزينون الأشياء وكل شيء عندهم تمام يا (فندم ).

تمت حوسبة التعليم وإدخال الطلاب إلى العالم الرحب, فنعِمّ ذلك- ولكن خطوط الانترنت دوما معطلة- جميل ذلك التعليم المحوسب ولكن الأجمل من ذلك أن نجد من يملّك الطالب زمام القيادة، والمشاركة الفاعلة، ويوجهه لما فيه خير الوطن. وليس بمقدورنا الاستغناء عنه, وعن سماع صوته في جنبات المجتمع يؤسس ويُعِد إلا في المجتمعات المتخلفة, فهو قاعدة الانطلاق والإطلاق الأولى في أي مجتمع، فلا وجود ولا تقدم لأي مجتمع ليس فيه معلم. مشكلة أن لا نسمع صوته، اتركوه يفكر ويصرح بهمومه، لا أن تفكروا عنه وتقتلوا همّته.

صناع القرار تشهد وزارة التربية والتعليم هروبا كبيرا من قبل المعلمين الذين على رأس عملهم, وتشهد نفورا وعزوفا من الالتحاق بمهنة التعليم عند الأجيال الجديدة ولو إلى أعمال أقل. لا أريد أن أبرر أو أضع الأسباب فهي واضحة وكثيرة، ولكن لا تجد أذنا صاغية عند المسؤولين الذين يعلمون الأسباب الحقيقية، ولكنها توضع في طي الأدراج- ويكفي أن أقول: المجتمع يعيش على طريقة العقارب؛ فالأبناءُ يأكلون الآباء, حتى أصبحنا نشكو قلة المعلمين، - فها هم الذين علّمهم المعلم وفتح مداخل عقولهم يتمتعون بالأفضلية عليه معنويا وماديا، مع أنهم أقل منه تحصيلا علميا وأثرا حضاريا على مستقبل الوطن، وفي كل خير- حتى أننا نجد معلمين يعملون بعد الدوام كحلاقين أو سائقي (تكسي) أو في مطاعم و... لتأمين أدنى متطلبات العيش الكريم، فأين الوقت الذي يعدون فيه دروسهم في البيت، والكل يعلم أن مهنة التعليم توجب العمل في البيت إعدادا لليوم التالي إذا أردنا تعليما مثمرا، أي أن المعلم في عمل طوال اليوم، كما أن المعلم الجاد لا يجد الوقت الكافي في ظل تزايد الأعمال الكتابية والأنشطة المطلوبة منه في المدرسة والبيت. فكيف يروق لأحد أن يدخل مهلكة نفسية وجسدية لا تتوفر الظروف الملائمة لخدمتها معنويا وماديا، إلا إذا كان العمل في التربية من باب (التدريس ولا المقعد).

التعليم همّ نفسي لدى المعلم وتعب جسدي خاصة بعد الاقتصاد المعرفي الذي زاد أنصبة المعلمين حتى أصبح المعلم يدرس في أكثر من مدرسة، وعلى الطالب أن يتحمل الاستماع للمادة الدراسية لمدة حصتين أو ثلاث في اليوم الواحد بسبب سياسة إشراك المعلم مع أكثر من مدرسة للتوفير في موازنة الدولة، مع أن بعض المؤسسات لا تعادل واحد بالمائة من عدد المعلمين ومع ذلك نفقاتها المالية أضعاف أجور المعلمين

لا ادري في ظل الأعباء المتزايدة على المعلم كيف يجد متسعا من الوقت لممارسة التدريس المنتج المعتمد على استراتيجيات حديثة واستخدام لتقنيات الحاسوب. والأصل أن تخفف أنصبة المعلمين حتى يستطيعوا التعامل مع تكنولوجيا التعليم الحديثة بشكل فعال بدلا من الرجوع إلى أسلوب التلقين لضيق الوقت والإرهاق.

التعليم همّ نفسي لأن الأب يقلق من تربية أطفاله فكيف بالمئات من الطلاب, كما أن المعلم يتعامل مع عقل بشري شديد التقلّب، ولو كان يتعامل مع آلة جامدة يوجهها كيف يشاء لهان الأمر عليه، وإن نسي المعلم امرأ كان في مشكلة، وإن اخطأ مصيبة,لأن الثمار العظيمة من سليم الغرس، فلا يجوز الخطأ من المعلم. ويجوز تجاهل حقوقه التي أقرتها دساتير الأمم المتحضرة. ولأننا الأكثر تقدما ووعيا حضاريا أوجدنا أندية المعلمين كتصور أكثر تقدما من نقابة المعلمين.

إن مشكلة الهروب والعزوف عن التعليم أسبابها واسعة على الراتق وظهرت بوادرها في نقص بعض التخصصات العلمية أولا ثم تبعها النقص في التخصصات الإنسانية, والمشكلة في المستقبل أكبر, إنها ليست قصة تخصصات علمية نادرة الوجود مع أنها كثيرة لكن العمل في قطاع التربية والتعليم أخر ما يتم التفكير فيه إلا إذا تقطعت السبل- وهناك مشكلة في عدم الإقبال على دراسة التخصصات المحكومة للتربية مهما كانت وتوضع في ذيل قائمة الاختيارات الجامعية من قبل الطلبة وأكثر من ذلك بدأت ظاهرة العزوف عن اختيارها نهائيا هروبا من الأثر السلبي للمثل الشعبي القائل (التدريس ولا المقعد). الذي ينطلق من النظرة إلى التعليم بمستوى عمر الطالب وليس بمستوى الأثر الحضاري للمعلم، والذي ساهم في تلك النظرة سياسات متراكمة، تهتم بالمؤسسات حسب امتلاك الأثر السلطوي في المجتمع وليس حسب الأثر الحضاري، ولهم في ذلك العذر فأين نحن من البناء الحضاري، ويهرب المعلم بعدا عن المتاعب والمحاكم من جراء طفل عابث أو ولي أمر لا يجد أسهل من الادعاء على معلم وهو لا يطيق صخب طفل واحد في بيته.

كلنا يعلم إن اختيار التخصصات التعليمية في ذيل الاختيارات الجامعية وللطلاب الأقل حظا من التحصيل العلمي ونعلم مسبقا إن المدرسين الجدد سيكونون على سوية متدنية من التحصيل العلمي. والأدهى والأمرّ من ذلك إن لا نناقش المشكلة على مستوى الوطن ونضع لها الحلول - فهذا مستقبل وطن - وكأن صناعة العقول في أسفل سلم الاهتمامات وتصوروا معي إن العقل اقل وأخر ما نهتم به فما مصير أمة هكذا تفكر.

وعلى المعلم إن يعطي ولا يأخذ, وان يتألم ولا يشكو فهو بالنهاية موظف لا يحق له أن يشكو فيُبين, ومن السخرية إن المعلم يدفع فاتورة المكالمات وان كانت لأغراض تربوية بينما الدوائر الأخرى تدفع عن موظفيها. وبهذا ومثله من المتاعب نقوم للمعلم تبجيلا.

hawawshah2010@gmail



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد