انتظروا غزة ـ 3

mainThumb

13-05-2008 12:00 AM

يجب ألا يساورك شك في أن لبنان اليوم هو ساحة من ضمن ساحات المواجهة الأميركية الإيرانية. ويجب أيضا ألا يساورك شك في أن ما يحدث في غزة هو ساحة مواجهة إسرائيلية إيرانية. كما يجب ألا يساورك شك في أن العراق أصلا هو الساحة الأكبر للمواجهة الإيرانية الأميركية. العالم العربي اليوم ليس لاعبا وأنما أصبح ساحة للعب. إيران لها عنوان جغرافي وسياسي، وواشنطن لها عنوان جغرافي وسياسي أيضا، إن كانتا تريدان مواجهة بعضهما البعض. أما أن تكون المعركة على الجسد العربي بالدم العربي، فهذا غير مقبول إطلاقا، وعلى العرب إن كانوا جادين أن يقولوا لكل من أميركا وإيران «العبوا بعيد.. شوفولكو حتة تانية العبوا فيها، ليس على أجسادنا وليس بدمائنا». إن يشهر العربي سلاحه في وجه العربي بدعوى مقاومة إسرائيل، فهذا كذب. إننا اليوم دمى في حرب بالوكالة بين أميركا وإيران، وأدوات في مواجهة مشروعين لتخريب المنطقة، مشروع أميركي ومشروع فارسي، والضحية هم العرب. الأطراف غير العربية اليوم هي التي تحرك خيوط اللعبة، أميركا وإسرائيل وتركيا وإيران.

كم من الإيرانيين، وكم من الأميركان، وكم من الأتراك، وكم من الإسرائيليين، ماتوا في حروب وصدامات المنطقة، بالمقارنة بعدد الموتى من العراقيين واللبنانيين والفلسطينيين. على العرب اليوم أن يحزموا أمرهم، إن كان بقي لديهم أمر، ليقولوا: العبوا بعيدا عنا، بدمائكم لا بدمائنا، بمواردكم لا بمواردنا.

اللعبة باتت مكشوفة تماما. فماذا ينتظر العرب؟ هل ينتظرون أن يفخخ مسلحو «حزب الله» الوضع في لبنان، ثم تسقط حكومة فؤاد السنيورة.. ليصرخوا بأن الجيش اللبناني والقوات الدولية الموجودة في لبنان لن يتمكنا من ردع «حزب الله» المدعوم من إيران لذا يجب التدخل الخارجي، فتضرب إسرائيل أهدافا في سورية بدعوى أنها شحنات من الأسلحة في طريقها إلى «حزب الله».. ألن يكون ذلك بداية لحرب بين سورية وإسرائيل، ولساحة عربية أخرى تدخل ضمن مساحات الخراب؟

إن كان العالم مقتنعا بأن إيران هي التي تدعم «حزب الله»، فلماذا توجه الضربة إلى سورية، أليس لإيران عنوان؟ ألم يقل قائد القوات الأميركية السابق في العراق وقائد المنطقة المركزية الحالي الجنرال ديفيد باترييس، في شهادته أمام الكونغرس، إن ما يحدث في العراق وفي المنطقة، هو «حرب بالوكالة». لماذا لا يجعلونها حربا بالأصالة لا بالوكالة، ويأخذون حروبهم بعيدا عنا وعن دنيانا وبيوتنا وأولادنا؟

إن ما يحدث في لبنان اليوم هو أمر لا يرتبط باللبنانيين، إنه رجع لصدى تحرشات إقليمية أخرى، صدى لحرب الوكالة، حرب أكبر من لبنان وربما أكبر من المنطقة.

دعاة الخراب في العالم العربي يعولون على التوتر الحالي بين الدول والجماعات الراديكالية في المنطقة في هذا السياق الملتهب إقليميا، يتمنون لنموذج مثل «حزب الله» و«حماس» أن يظهر في مصر مثلا، بأن يكون للإخوان المسلمين ميليشيا شبيهة، وأن يتفجر الوضع في ما تبقى من بلدان العرب المستقرة.

نحن اليوم، رغم التفاؤل الذي أبدته وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في حواري معها الأسبوع الماضي والذي نشرته «الشرق الأوسط»، أقرب إلى الحرب منا إلى أجواء السلام، رغم إصرار الرئيس الأميركي جورج بوش ووزيرة خارجيته على التوصل لتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين قبل نهاية العام.

قصة فلسطين اليوم أصبحت كرقم في لعبة قمار عالمية، نضع كل أموالنا على هذا الرقم، منتظرين أن يصيب، وفي كل مرة لا يأتي، يصبروننا بأن الكرة أصابت الرقم الذي بجواره وقد يأتي في اللفة القادمة. خمسون عاما ولم يأت الرقم، صرفنا كل طاقتنا ومعظم أموالنا في لعبة الروليت الدولية، ونحن في انتظار رقم فلسطين. ضربة الحظ هذه لن تأتي إلا إذا خرجنا من عقلية المغلوب على أمره في ساحة اللعب إلى عقلية اللاعب، أو على الأقل، أن نرفض اللعب ونطالب الآخرين بأن يلعبوا بعيدا عنا.

لم يعد مقبولا أبدا أن يتحدث العرب بلغتهم القديمة وينقسمون فيما بينهم بين مقاوم وممانع. ويتهم بعضهم البعض بين العمالة للإيرانيين والعمالة للأميركيين، ليس في الوقت متسع لهذه السذاجة والرعونة. ولا يكفي أيضا أن يروح عمرو موسى ويجيء لنحس بأننا نفعل شيئا. المطلوب هي تلك الوقفة الصارمة، من كل العرب (المعتدلين) و(الممانعين)، بأن يقولوا لكل من أميركا وإيران: العبوا بعيدا.

لكن السؤال هو كيف؟ عرف الأميركان في السابق، ويعرفون اليوم، أن الشارع العربي، والجامعة العربية، والقادة العرب، غير راضين عن مشروعهم للمنطقة المسمى بالفوضى الخلاقة. تكلم العرب، كتابا وساسة ومفكرين، بوضوح ضد المشروع الأميركي، وبالطبع يتكلمون بشكل دائم وواضح لا مراء فيه فيما يخص إسرائيل. المطلوب اليوم هو أن يتكلم العرب، كتابا وساسة ومفكرين، بالوضوح نفسه عن المشروع الإيراني في اللعب المدمر على الوتر الطائفي في دولهم. التلميح لن يجدي بعد أن تحولت بيروت إلى غزة أخرى، أي (غزة ـ 2). فهل ننتظر أن تصبح مدينة عربية أخرى (غزة ـ 3)، قد تكون في البحرين أو الأردن أو في مصر؟ تفخيخ إيران للجسد العربي في دولة عربية أخرى هو بداية انفراط النظام العربي بأكمله. (غزة ـ 3) هي النقطة التى ستنقلب فيها الموازين، وندخل في حرب أهلية إقليمية لا محلية، حرب سنة وشيعة كان البعض يستبعدها ويصورونها على أنها من صنع خيالات مريضة، لكنها اليوم واقع في لبنان، دعك عن الجانب المسيحي في الموضوع، الصراع اليوم في لبنان أخذ شكله الواضح الذي لا لبس فيه، شيعة ضد السنة أو العكس.

سألت مرة مسؤولا غربيا عن استراتيجية دولته تجاه العرب، فقال: «سندعهم يهزمون أنفسهم أولا ثم نتدخل في ما بعد»، وأضاف: «سندع الإيرانيين يلينوننهم أولا soften them up». العرب اليوم بين مطرقة إيران وسندان الأميركان.. ولكن على الأقل فيما يخص السندان الأميركي، فإن العرب واعون له، ويتكلمون بوضوح وإسهاب، قد يصل أحيانا حد المبالغة، عن خطورة المشروع الأميركي في المنطقة. أما المطرقة الإيرانية فكثير منا ما زال يصر على أنها لن تهوي على رؤوسنا وأنها صنعت لتهوي على رؤوس (الكفار) فقط، فإيران نجحت فعلا في كسب قلب العالم العربي تحت غطاء مقاومة إسرائيل و(الشيطان) الأميركي.. ولكن مرة أخرى سأسأل: أين هو الدم الإيراني الذي سال في المعركة مع الأميركيين أو الإسرائيليين؟ كم من الإيرانيين قتلوا بسلاحهم؟

يجب فك الالتباس في الذهنية العربية من موقفها تجاه إيران. فحديث العرب عن إيران، يختلف كثيرا عن حديثهم عن الأميركان.. حديث فيه تردد وتشويش كبير، لكون إيران تشاركنا الدين ذاته، لكن ما تقوم به إيران اليوم يحتاج إلى وعي عال على مستوى الأفراد والحكومات. فإن لم يتخذ العرب موقفا واضحا من إيران في هذه الأوقات الصعبة التي تشهدها المنطقة، كما هو موقفهم الواضح من الأميركان، سيصبح ما يعرف بالعالم العربي اليوم مجرد مناطق نفوذ تتنازعها أميركا وإيران.

القصة باختصار ليست في لبنان، عنوان القصة الكبير هو واشنطن وطهران.

* نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد