فكاهة الفضائيات .. وقضاة اللحيدان

mainThumb

14-09-2008 12:00 AM

تناقلت وسائل الإعلام خلال اليومين الماضيين خبراً مؤداه أن الشيخ صالح اللحيدان، رئيس مجلس القضاء الأعلى السعودي، قد أجاز قتل أصحاب القنوات الفضائية العربية التي تنشر "الخلاعة والمجون، أو الفكاهة والضحك وإضاعة الوقت بغير فائدة ولا أجر". وقد وردت هذه الفتوى في حديث أدلى به الشيخ اللحيدان لإذاعة سعودية محلية جواباً على سؤال من أحد مستمعيها عن موقفه من برامج هذه القنوات في شهر رمضان التي تحمل "فتناً كثيرة" و"برامج سيئة" للمسلمين، حسب رأي السائل.

وقد أجاب اللحيدان على سؤال "المستمع" دون تردد، وبالحرف الواحد: "لاشك أن هذا بلاءٌ وشر وفتن، لكن أصحاب القنوات يكون عليهم وزر، ومثل أوزار من تأثروا بدعوتهم ودعايتهم، والخطر عليهم عظيم، وأنا أنصح أصحاب هؤلاء القنوات الذين يبثون الدعوة للخلاعة والمجون أو فكاهة أو ضحك، أو إضاعة الوقت بغير فائدة ولا أجر، وأحذرهم من مغبة آثار ما يعتقدون وما يعرض ويعمل هؤلاء، وما يقعون فيه، فمن وقع في شيء مما يعرض من هذه الفتن بسبب ما عُرض وشاهد يكون عليه وزر عمله ويكون على دعاة ذلك الشر والبلاء مثل أوزار هؤلاء دون أن ينقص من أجر هؤلاء". ولاحظْ هنا الانتقال دون مقدمات أو مسوغات شرعية وجيهة من "الخلاعة والمجون" إلى"الفكاهة والضحك"، وكأن الأمر?Zين جنس أو نوع واحد من السلوك.


وليت حديث الشيخ اللحيدان وقف عند هذا الحد. ولكنه استطرد في حديثه ذلك قائلاً: "فما الظن إذا كانت بعض هذه القنوات تكون سبباً في انصراف آلاف الناس، وماذا يفكر مالك القناة والموفر لها دعايات الإغراء ودعوات الفحش والمجون أو ما يجلبه من الشكوك والتشكيك، فقد تفسد العقائد وتنقلب فطر، وتجترح قضايا كبار بسبب هذا الفساد ليجني مادة قليلة وهو لا يدري هل يستمتع بتلك المادة من هذه العروض الخبيثة الخطيرة". وهنا انتقل الكلام إلى مستوى جديد من "الخطاب" أكثر خطورة وأعمّ?Z بلوى، هو جلب التشكيك وفساد العقائد وانقلاب الفِطر، مرة واحدة. أي أن خطاب "التنفير" من الفكاهة بخلطها مع الخلاعة أدى الآن إلى خطاب "التكفير" بجعلها صنواً لفساد الاعتقاد! وإلا فما العلاقة بين قنوات "نشر الفكاهة" وبين استواء الفِطر وسلامة أصول الاعتقاد؟!

ثم وصل اللحيدان في نهاية حديثه إلى مربط الفرس، كما يقال، فأصدر حكمه الخطير وأطلق أخيراً "رصاصة الرحمة" على أصحاب الفضائيات، عاثري الحظ، فقال: "إن من يدعو إلى الفتن إذا قدر عن منعه ولم يمتنع قد يحل قتله، لأن دعاة الفساد في الاعتقاد أو في العمل إذا لم يمتنع شرهم دون القتل جاز قتلهم قضاءً، فالأمر خطير لأن الله جل وعلا لما ذكر قتل النفس قال (أو فساد في الأرض) فالإنسان يقتل بالنفس أو بالفساد في الأرض. وإفساد العقائد وإفساد الأخلاق والدعوة لذلك نوع من الفساد العريض في الأرض، ولعل أصحاب هذه القنوات أن يتقوا الله جل وعلا ويتوبوا ويجعلوا قنوات بثهم مذكرة للخير ومحذرة المسلمين من الشر، داعية لهم أن يستعدوا للمحافظة على إسلامهم وحراسة دينهم، وأن يكفوا عن نشر الفساد والإلحاد". ويعود اللحيدان هنا مرة أخرى، إلى الخلط والربط الميكانيكي بين "إفساد العقائد وإفساد الأخلاق" و"الفساد في الاعتقاد والفساد في العمل" و"الفساد والإلحاد" على ما يعتمل داخل أطراف هذه الثنائيات الحدية من تفاوت في المستويات، وعلى ما فيها من معانٍ فضفاضة. ليرتب على ذلك -لسوء الحظ- حكماً في غاية الخطورة هو قتل أصحاب هذه الفضائيات.

والسؤال الآن للحيدان هو: ماذا إذا افتأت غداً، أو بعد غد، أحد الشباب الطائشين، من مستمعي "البرنامج"، وقرر تنفيذ حكم القتل، بحثاً عن "الأجر" و"الثواب" و"الاحتساب"، بناءً على ما سمعه من فضيلة الشيخ؟ وما هو الحد الشرعي الذي يقام على المفتئت في هذه الحالة؟ وماذا لو انبرى بعض الغلاة أو الجهلة فأطلقوا النار على أحد العاملين في الفضائيات في عرض الشارع وأردوه قتيلاً وحين روجعوا أو حوكموا قالوا: "لأن دعاة الفساد في الاعتقاد أو في العمل إذا لم يمتنع شرهم دون القتل جاز قتلهم"؟ وماذا لو حكم أحد "قضاة اللحيدان" غداً بإنفاذ حكم القتل في أحد أصحاب الفضائيات، أو مخرج تلفزيوني، أو ممثل واحتج في مسوغات حكمه بإضافة عبارة "جاز قتلهم قضاءً" الواردة في كلام فضيلة رئيس مجلس القضاء الأعلى؟!

بل ما هو موقف الشيخ اللحيدان بعد هذه الفتوى من الفضائيات الحكومية؟ أي القنوات التي يملكها ولي الأمر وكيف ستطبق فتوى القتل على ملاكها؟

لقد كرم الله تبارك وتعالى الكائن البشري، واستخلفه في الأرض، وجعل حقه المقدس في الحياة شأناً عظيماً لا يجوز المساس به إلا بالحق، ومع استصحاب حسن الظن بمقاصد الشيخ اللحيدان فيما نُسب إليه، فإن الأمل كل الأمل هو أن يصدر عنه توضيح وتصحيح صريح لما التبس من كلام مُرسل، يضر الإسلام ولا ينفعه، ويفتح أبواب الفتن ولا يسدُّها، قد يكون صدر عنه في لحظة تبسُّط إذاعي في الكلام أو استطراد على السجيّ?Zة، أو انفعال أو ارتجال. لكن خطره على الإسلام والمسلمين عظيم... عظيم. ومرتعه وخيم... وخيم.


*نقلا عن جريدة "الاتحاد" الإماراتية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد