الثمن الحقيقي للنفط

mainThumb

14-07-2008 12:00 AM

حين سجل سعر النفط رقما تاريخيا 140 دولارا للبرميل الشهر الماضي ، هناك من بدأ يقلق ، وعندما ارتفع السعر ، بعد بضعة ايام الى 145 دولارا ، هناك من دخل في حالة فزع ، ولكن بعد يوم الجمعة ، حين قفز السعر الى 147 دولار ، بات الهوس يخيم ، وبالطبع يمكن أن نفهم لماذا.

ففضلا عن انخفاض اسعار العملات في الاسواق العالمية ، والضعف الاضافي للدولار وسُحب الركود ، فان ارتفاع الاسعار الذي نشهده في السنوات الاخيرة ، يقود نحو تغييرات جيو سياسية بعيدة الاثر ، تؤثر على اعادة تصميم ميزان القوى الدولي ، وكجزء من هذا السياق تعززت الانظمة الاستبدادية في العالم ، والثمن تدفعه الانظمة الديمقراطية.

عندما فحص الصحافي توماس فريدمان بتكليف من مجلة "فورين بولسي" الصلة بين سعر النفط واستقرار الانظمة الديمقراطية في الدول المختلفة في صيف 2006 ، كان استنتاجه واضحا: كلما ارتفع سعر برميل النفط ، ضعف موقف الديمقراطية في تلك الدولة.

"جدول الحرية في العالم" ، الذي نشره منذئذ معهد "فريدوم هاوس" ، والذي يتابع وضع الديمقراطية في دول العالم ، يعزز هذا الاعتقاد: بعد ميل واضح للارتفاع في الديمقراطية والذي سجل إثر نهاية الحرب الباردة ، يظهر بوضوح في السنوات الاخيرة تراجع حقيقي ، فنتائج السنة الاخيرة تدل على انخفاض كبير ومقلق في الحرية عالميا ، والتقرير الذي نشر في كانون الثاني من هذا العام ، يقضي بانه طرأ لدى نحو خمس سكان العالم تراجع في العام 2007 من ناحية الحريات السياسية وحقوق المواطن ، ولهذا التراجع عدة أسباب تكاد جميعها تنبع من مصدر اسود واحد: النفط ، روسيا وجيرانها في وسط آسيا ، فنزويلا ، ايران ، السودان ونيجيريا ، جميعها منتجات رائدة للنفط ، سجلت اضعافا كبيرا في قوة المؤسسات الديمقراطية لديها وليس صدفة.

من الصعب بعض الشيء التذكر ، ولكن عشية الحرب في العراق ، قبل نحو خمس سنوات عندما كان سعر النفط يتراوح حوالي 25 دولار للبرميل ، كان الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز السياسي الشاحب والهادىء ، قد نجا بصعوبة من محاولة انقلاب ، وشافيز هو نموذج حاكم 2008 ، ومؤخرا دعا ابناء شعبه الى الوشاية لاجهزة الامن عن جيرانهم ، فلاديمير بوتين تحدث في حينه ، في العام 2003 ، عن الديمقراطية وحرية التعبير ، واليوم يعمل بحزم على قمع المعارضة واسكات معارضيه ، وفي ايران حكم في حينه رجل الاصلاحات محمد خاتمي ، وكانت نيجيريا في طريقها الى انتخابات ديمقراطية ، والعالم لم يكن قد سمع بعد عن اقليم دارفور.

منذئذ تغير كل شيء: ارباح النفط للسنوات الاخيرة منحت هذه الدول استقرارا اقتصاديا سمح للانظمة الفردية بتثبيت حكم الطغاة ، واذابة الاصلاحات الديمقراطية بشكل منهاجي بعد أن كانت قد بدأت لتوها تتجسد ، ويتبين أنه عندما يوفر الحكام النمو الاقتصادي ، بفضل اسعار النفط ، فان المواطنين مستعدون لتجاهل كل ما تبقى ، حتى عندما يدور الحديث عن برنامج نووي محمل بالكارثة أدى الى عزلة دولية وفرض عقوبات اليمة مثلما في ايران ، والى قمع وحشي لحقوق المواطن مثلما في روسيا ، وحتى الى قتل الشعب مثلما في السودان.

بعد انهيار الستار الحديدي ، قدر مثقفون غربيون بان "الموجة الرابعة" للتحول الديمقراطي سوف تبدأ: طوفان ديمقراطي سيطغى على العالم ، وفقا لنظرية صمويل هنتنغتون ، والان يتعاظم الخوف من أن تكون هذه الموجة ، قد تحطمت ، تراجعت وانطفأت مرة اخرى في اعماق البحر ، تحت العبء الثقيل لاسعار النفط.

«معاريف»



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد