صحيفة السوسنة الأردنية

أعجب لحياة الناس هذه الأيام ،فهم يعتادون في أيامنا هذه على انتظار الثناء والحمد لعمل هم موكولون بالقيام به ،فالمدير في عمله ينتظر الموظفين أن يقولوا له شكرا على عملك المتقن ،فأنت تداوم كل يوم وتأتي على الموعد ولا تتأخر ،شكرا على الموافقة وتسهيل الاجراءات وعدم التفريق بين الموظفين فهذا أمر جلل وعمله يحتاج إلى إتقان وطول بالٍ وبُعد نظر . والموظف هو الآخر ينتظر أن يقول المدير له : شكرا على الأمانة والصدق والعمل المتقن ،شكرا على عدم الاساءة ،وشكرا على ضبط المواعيد وحسن الأداء وعلى عدم قبول الرشوة ، وحسن المسلك ورفض الواسطة وحسن المظهر .

وربّ الأسرة في بيته يرقب أن يُقال له شكرا على التربية الصالحة ،وحسن التعامل ،ورفق المعشر ،شكرا على ما تشري وتهدي وتصرف وتنفق على الأولاد والزوجة ،شكرا لأنك تسأل عن البنت والولد ما خطبهما ما يبغيان وما يشتهيان ولماذا يتأخر الصبي عن البيت ؟ وما علامات البنت في الجامعة ؟شكرا على سؤالك عن حال الزوجة وعن مصروف البيت ،شكرا على الاهتمام بمستلزمات الحياة فهذا خارج عن نطاق المعقول ،وقدرة المنطق.وحسابات العقل ،وخارطة المستقبل ،فشكرا. والزوجة ترتقب الشكر أيضا على القيام بواجبات البيت ،فهي في الصباح قد أرضعت المولود ، بعد أن أقلق نومها ،وفي الظهيرة حضّرت الطعام ،ونظفت البيت وعزلت الأثاث من موضعه ،ودرّست الأولاد وأحسنت طهي اليوم ،ولم تحدّث جارتها إلا بضع ساعات بل وأكثر ،ولم تجلس لساعات التلفاز فمسلسل السهرة قد فاتها منه حلقة ،فشكرا لأنها ابتسمت بوجه زوجها هذا اليوم ،وحفظت سرّه وماله وعرضه ،شكرا لأنها على كرامتها داست واستفسرت عن همومه وآلامه وأحزانه ،شكرا لانها ألقت له بالا وصنعت له معروفا بأن سألته عن حاله ،فشكرا.

أعجب من هؤلاء كلّ العجب كيف يفكرون ؟ وما هو مقياس الواجب عندهم ؟ وهل صحيح أن هذا اصبح بمقياس الزمن هو ما يستحق الشكر والثناء عليه ؟ هل يستحق الثناء العلني للصادق إذا صدق ،والشكر للأمين إذا فعل ؟ والمدح للمحسن إذا أحسن ؟ فالأجر كلّه بيد الله عزّ وجل ،فالذي يستحق المتابعة هو المقصّر إذا قصّر والمسئ إذا أساء ، والخائن إذا خان . والمرتشي إذا ارتشى ؛لأن حياتنا مرهونة (مرتبطة) بالأفعال الحسنة لا السيئة .

وعليه ،أقول :قُم بواجبك ولا تنتظر الشكر إلا من الله تعالى ،وإن شكرك الناس من طيب خلقهم فشكرا.