ما غلى علي شيء إلا تركته

mainThumb

18-11-2008 12:00 AM

ما غلى علي شيء إلا تركته لقد استعرت هذا العنوان – ولي الحق- من جملة ذكرها الفنان المرحوم احمد زكي في فيلمه الجميل جدا "البيضة والحجر" والذي يتحدث عن الحظ والكف والطالع والأبراج, وكي لا ندخل في ترهات فلن نتحدث عن هذه الكلمات لا من حيث المشروعية كحلال أو حرام ولا من حيث المصداقية, فقد كذب المنجمون ولو صدقوا أو صدفوا.

رحم الله أجدادنا وآباءنا والله يستر (عالكوارة) والتي لم ولن يعرفها الكثير وخصوصا جيل الشباب والذي يعيش على خبز الحمام وخبز الفينو والخبز الفرنسي. ويرحم أيام (الزير) بس مو الزير سالم زير المي والذي قد يعرفه البعض ولكنه يعرف العبوات المعدنية أكثر.

ويرحم أيام الطابون والتنور والصاج ويرحم ستي وستك قد ما (دمدمن) وإذا بدنا نترحم فالقائمة تطول نسأل الله الرحمة.

أذكر جدي وجدتي رحمهما الله في منزلهما في محافظة الكرك قرية مسعر ذلك المنزل المؤلف من ثلاثة غرف(يستخدم احدها كمطبخ) وحوش خارجي كبير وحديقة تقارب الدونم ونصف تقريبا ولم أنس بيت الأدب فقد كان عبارة عن غرفة صغيرة جدا خارج المنزل مغطى بالزينكو وقد كان متطورا نوعا ما عن باقي "بيوت الأدب" في القرية أجلكم الله وعافاكم.

قد يتساءل البعض عن سبب المقدمة وربطها بالعنوان وما الذي أرمي إليه, فقد كان جدي رحمه الله يملك "ولا زالت موجودة ومسجلة باسمه" أرضا تبلغ مساحتها مائة وثمانية وثلاثون دونما في منطقة على أطراف القرية تزرع قمحا وشعيرا وعدسا وكذلك (حملة ملانة) وكان لديه عدد لا باس به من الماعز والخراف ولديه عنزين شاميتين مدللتين حليبهما ليس للبيع بل كان للفطور والعشاء وكان لديه عدد من طيور الدجاج البياض طبعا, وكانت خضرته اليومية تقريبا على بعد أمتار منه فقد كانت البندورة والخيار والكوسا والبامية وغيرها من الخضروات المنزلية موجودة بين يديه, ولا اذكر أنني شاهدت في منزل جدي ثلاجة أو تلفاز إلا في عام 1986 على ما اذكر ولم نكن أيامها نفكر كهذه الأيام بما سنتناوله من فطور أو غداء أو عشاء فلم يكن الأكل أو الشرب يشغل بالنا كثيرا فكل يوم يأتي برزقه والأرزاق على رب العالمين.

مرت السنوات ومات جدي وجدتي رحمهما الله وترك منزلهما مهجورا وماتت الحديقة الأمامية وتم تضمين الأرض الزراعية لأحد الأشخاص بثمن بخس قد لا يستحق عناء مراجعة البنك لسحب بدل الضمان, وبدأت الحياة بالغلاء وبدأ صراع البقاء وكنت أتحدى أنه ما غلى علي شيء إلا تركته وتخرجت من الجامعة وبدأت اشعر بغلاء المعيشة وبدأ صراع الأكل والشرب يلاحق البشرية وكأننا نعيش لنأكل لا نأكل لنعيش وأصبح همنا الأول والأخير ماذا نأكل وماذا نشرب وكنا نتناقش على وجبة الغداء ماذا سنتناول على العشاء, فترى الثلاجة ممتلئة عن أخرها باللحوم والدواجن والأسماك والخضار والفواكه والعصير كل حسب قدرته المادية وكأننا في حرب ونخاف الحصار أو أن سنين عجاف ستعصف بنا ونحن نخزن للمستقبل المجهول, متناسين أن الأسعار يتحكم بها حال السوق من عرض وطلب فإذا زاد العرض وقل الطلب انخفض السعر وإذا زاد الطلب وقل العرض زاد السعر وزادنا لوعة ما كنا نشاهد ونفعل فإذا سمعنا عن إشاعة برفع سعر الدجاج نشتري بدل الكيلو عشرين فيزيد الطلب ويقل العرض تلقائيا فيرتفع السعر ونصدق أنفسنا بأنه فعلا ارتفع السعر والحال ينطبق على باقي السلع.

في عام 1996 وعلى ما أذكر ارتفع سعر القهوة ارتفاعا مبالغا فيه فدعت جمعية حماية المستهلك أيام شبابها (رحمها الله وعافاها) إلى مقاطعة شراء البن إلى أقصى درجة مما تكدست معه المستودعات بمادة البن وشارفت على الفساد مما اضطرت معه الشركة المستوردة "احتكارا" إلى تخفيض سعر البن إلى اقل من السعر القديم ونجحت المقاطعة.

في الختام وفي خلاصة القول فنحن بحاجة للاقتصاد في كل شيء, في الشراء والتخزين فمن يأكل اللحم يوما بعد يوم فليأكله مرة واحدة أسبوعيا ومن يأكل الدجاج يوميا فليأكله مرتين أسبوعيا وبدلا من إحضار أربعة أو خمسة كيلو خيار أو بندورة يوميا يذهب معظمها لحاوية القمامة فلنشتري حاجتنا فقط والتي قد لا تصل كيلو واحد ولنقطع عهدا على أنفسنا إن غلى علينا شيئا تركناه

. Ayman_alamro@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد