صحيفة السوسنة الأردنية

نحن ابناء الطبقة الفقيرة من الصعب جدا على غالبيتنا ان يمر العيد بدون حوادث عرضية تعكرالمزاج وعادة ما تبدأ قبل العيد عندما تكثر الطلبات ويطير الراتب ونحن ننظر إليه قبل بدء مراسم العيد الحقيقية ونخرج من العيد (معيدين فعلا).

قبل العيد بأيام ارتفعت درجة حرارة طفلي وأصيب بالإستفراغ والاسهال نظرا لتغير ظروف الطقس ، وكإجراء طبيعي اخذته لمستشفى الزرقاء الحكومي لقسم الطوارئ بعد إكمال الإجراءات في السجل أدخلت الوصفة لطبيب الاطفال المناوب...طرقت باب الغرفة والتي لا تتجاوز مساحتها (مترين في مترين ) وفيها سرير للفحص وطاولة وكرسي للطبيب وطاولة صغيرة وضعت عليها بعض الادوية والمحاليل وكان الطبيب قد أعياه التعب فوضع رأسه على طاولته باحثا عن الراحة ، رفع راسة تناول الورقة مني وقال انتظر دورك ...وفعلا جلست في المكان المخصص للإنتظار مع زوجتي التي تحمل الطفل ذو الحرارة المرتفعة وقد كانت هناك سيدة اخرى تحمل طفلها (الملفوف بإحرام) ولا تسمع إلا صوت صراخه وهي تحاول جاهده ان تقنعه بالسكوت لكي لا يزعج الطبيب المرهق مرت دقائق ودقائق ثم نادى الطبيب على تلك السيدة التي دخلت بحالة وخرجت بأخرى تختلف لانها خرجت تحمل ورقة لا اعلم ماذا كتب عليها .

ومن ثم جاء دورنا فدخلت وكان التعب يظهر على وجه الطبيب وقد اتكأ على الكرسي بطريقة (الجاعص) وأخذ ينفث دخان سيجارته في الاجواء (ويحكي من خشومه) شو ماله الولد ؟من متى هو هيك؟ ودون اي أجراء خربش على ورقة بيضاء من غير سوء وقال (خذ على الغرفة اللي جوا خلي الممرضة تحطله كليكوز) .

هذا الطيب لم يكلف نفسة عناء اطفاء السيجارة ....اولا لان التدخين ممنوع في جميع الدوائر الحكومية وعلى رأسها المستشفيات وثانيا مضر بالصحة وثالثا لانه طبيب اطفال ورابعا لانه في غرفة لا تتجاوز مساحتها اربعة مترمربع ولا يوجد فيها تهوية نهائيا وخامسا لان الكثير من الاطفال يعانون من ضيق التنفس والربو وهم اغلب زبائنه.

وهذا الطبيب ايضا لم يمد يده ويضعها على جبين الطفل لمعرفة حرارته ولو نسبيا ، ولم يستخدم (الخشبة اللي بعرض اصبعين) المعتاد استخدامها لفتح فم الطفل وتشخيص الحاله .

بكل صدق وأمانه اثارني ببرود اعصابه وبعدم اهتمامه وعدم مبالاته بحال المريض وأهله ...انا اعلم ان الطبيب في الطورائ يمر عليه كم هائل جدا من الحالات المشابهه لطفلي فلديه خبرة كافية ومقدرة عالية على التشخيص عن بعد ...ولكن هل هذا مبرر لما قام به هذا جانب، ومن جانب اخر الاسرة التي لا تملك اية ثقافة صحية وترى طفلها حرارته مرتفعه وهو في حالة خمول وبكاء دائم هل ستكون اعصابها في ثلاجه وهي ترى سلوك ذلك الطبيب ....

فكرت قليلا ونظرت وتمعنت بالطبيب وقلت في نفسي هو يفوقني من ناحية حجم الجسم فالظاهر للعيان انه اطول مني وهو جالس على الكرسي (كيف لو وقف على حيله ) و(كتافه عراض) وممكن يكون مدعوم وبالتالي قررت اني اختصر واخذ الورقة وانفذ المطلوب وانا زي الارنب ...وفعلا تم ذلك وبعد اقل من نصف ساعة عدت لتلك الغرفة وإذا (بالشفت ) قد تغير، طبيب بحلة جديدة دخلت وقد كان الطبيب اصلع واقفا مبتسما يضع سماعته على صدره وهو اقصر مني طولا وليس عريض المنكبين .... سألني عن الاسم وقد دون الطبيب (ابو جعصة ) البيانات والحالة على السجل فخذ الطبيب البشوش يتفحص الطفل ويقلبه ذات اليمين وذات الشمال بعد ان قال بسم الله على مسمع مني ويستخدم جميع الوسائل المتاحه (السماعة والخشبة اللي بعرض اصبعين وميزان الحرارة ) وقد داعب طفلي وحاول اسكاته بحركات معينه منه ......تناول الوصفة الطبية وكتب العلاج اللازم وقال لي وهو يبتسم (سلامته واذا ضل هيك جيبه بأي وقت على المستشفى ونكتبله دخول ) شكرته وحكيتله ممكن اطلب منك طلب يا دكتور (حكى اتفضل مشيت لعنده وتناولت صلعته وبستها بوسه إلها مطعه) وحكيتله كثر الله من امثالك احمر وجه الطبيب وقال هذا واجبي وغادرت على الفور...... والحمد الله ابني الآن بخير وعافيه .

نعلم ان الإمكانيات المتاحة قليلة ونقدر ذلك ونعلم ان الضغط على المستشفيات الحكومية كبير جدا ونعلم ان الرواتب التي تدفع لهؤلاء غير مجزية ونعلم علم اليقين ان زملائهم في نفس المهنة يتقاضون رواتب مجزية وحوافز مغرية في دول اخرى ونعلم .....ونعلم...... ولكن الذي نريده من هؤلاء اصحاب (المراييل البيضاء) ان هذه مهنة انسانية... الكلمة الطيبة فيها علاج اسرع من الكبسولة والاخلاق فيها سبب بياض ملابسكم ....اخي الطبيب واخي الممرض ارجوك دع ظروفك الشخصية خارج اسوار المستشفى وأعلم انني ما وصلت إلك إلا بعد ان استنفذت كل الطرق الممكنة لعلاج طفلي فكن اباً بديلاً عني ولو للحظات ....ودمتم بخير .

Zyoodco@yahoo.com