يوميات معلم

mainThumb

12-12-2008 12:00 AM

كعادته دخل الغرفة الصفية ، بعد أن أعلن الجرس بدء الجولة الأولى من تصفيات اليوم الفكرية والبدنية والصوتية . ودون أن يلاحظ تقادم الزمان على اللوح الأخضر ، حاول كتابة عنوان الدرس ، ظن أن الطبشورة تخادعه فهي تأبى الكتابة .

التفت إلى طلابه ليعلن أن درس اليوم مهم للغاية ، لكن عبثا ينادي .... يا فلان اهدأ وانتبه ...... يا فلان انظر إلي .......... يا فلان ..يا فلان ..... لكن سعار الكلام ما إن ينتهي عند فلان حتى تبدأ شعلته من جديد عند فلان آخر . ماذا عساي أعمل ؟ ....... يتردد هذا السؤال مرارا وتكرارا .

ينهض أحد الطلاب رافعا إصبعه ..... تعلو وجه المعلم فرحة أن هناك من يريد السؤال أو المشاركة في إدارة النقاش حول موضوع الدرس ..... فهو درس مهم ... ممكن يا أستاذ أروح على ....؟ خاب رجاؤه ... لا تكاد الأيادي ترفع إلا لطلب الذهاب إلى الحمام أو لشكوى يتقدم بها أحدهم ضد زميله ... ليقوم المعلم بدوره كقاضي .. يجتمع الطرفان ، كل يدلي بدلوه ، هل معك شهود ؟ ... نعم يا أستاذ .... يقوم الطرف الآخر بالدفاع المستميت ، ويقسم بأغلظ الأيمان أنه لم يقدم على ضربه ، وأنه لم يسرق قلمه ، وأنه لم يشتم على "......." ، وان هؤلاء الشهود كلهم كاذبون ، ويزيدك من الحيرة بقوله : وأنا معي شهود ؟؟؟؟ ... يستمع المعلم لشهادة الشهود ، فتعجز المحكمة الصفية عن تحديد هوية الجاني وإنصاف المجني عليه .... ترفع الأوراق إلى المحكمة العليا ..إلى الإدارة .. بعد عدة دقائق من المفاوضات ينجح المعلم من إخماد لهيب الفوضى .... فيشرع بالتكلم حول موضوع الدرس . درسنا اليوم مهم ، فأنت تحتاجه في كل زمان وأي مكان تذهب إليه .. جميلة هي الكلمات .. مفيدة هي العبارات ... لو وجدت أذنا صاغية ، وقلبا فاهما ... تقاطرت الكلمات من فمه .. كأنه السحاب المثقل بالخيرات .. يعلو صوته حينا وينخفض حينا آخر ، هذه السيمفونية التي أعمل ليله بتأليفها ، ظنا منه بأنه سيقود أعظم المستمعين .. تتقطع أوصال الكلمات بصرخة من هنا أو ضحكة من هناك .... لا يهم ... يحاول جاهدا إقناع نفسه بأنهم مراهقون وبأنهم لا يزالون صغارا ..." خليهم على راحتهم يا أستاذ " هكذا ينصحه المشرفون التربويون قبل أن يحاول الشكوى ، فالتفكير بالتذمر مرفوض تماما ... صحيح أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قاد أعظم الجيوش وهو في مثل سنهم تقريبا ، لكن هذا الزمان ولى ، لم يكن عندهم كأيامنا ... سنوات مراهقة فعندهم يولد الطفل رجلا .. أما في أيامنا لا بد من التطور في النمو أن يأخذ مجراه ؛ طفولة لا ينبغي أن تتدخل بها ، تتبعها مراهقة لا ينبغي أن توجهها حتى لا تصاب بفصام الشخصية ..... ثم الشباب .. ابتعد عنها فإنها ربيع العمر الخطأ فيها عدم اقتراف الخطأ ، وهكذا حتى يصل الواحد فينا لعمر الشيخوخة ، حينها نقول له : عليك تحمل المسؤولية ؟! حاول المعلم جاهدا ألا تقطع الأصوات ــ المتعالية على صوته ـــ عزفه الانفرادي على أوتار الدرس .. لكن لا جدوى ... لا بد من النشاز ... توقف لحظة ..استنشق غبار الصف بعمق .... أغمض عينيه ...استجمع قواه ... هدووووووء ...... صدم الطلاب .. لا من حدة الصوت .... بل لقسوة الكلمة .. ماذا تعني هذه الكلمة ؟؟ فهي في نظرهم وعند غيرهم تدل على كبت الحرية الشخصية للطالب وعدم السماح له بالتعبير عن شقاوته الطبيعية سواء كان طفلا أم مراهقا ، وهذا بطبيعة الحال يتصادم مع قوانين حقوق الإنسان الدولية ؟؟! هذه القوانين التي أعطت حتى القطط حقوقها ... تناست شئ ما اسمه " المعلم" .. دام الصمت لحظات ، حاول المعلم استغلالها ليقنع طلابه أن موضوع الدرس من المواضيع المهمة ويعتبر رائعة من الروائع التي خلدت صاحبها ... عاد الطلاب من الإدارة .... " بشروا ... شو صار ... على مين الحق ؟" ..... ضحك الطلاب ... أخبروا المعلم أن الأمور مرت بسلام ..." ممكن ندخل " .

عاد إلى درسه لعله يجد فرصة للحديث عنه ... اغتال الجرس الحصة ... فرح الطلاب ..غادر المعلم ... ولا يزال على اللوح عنوان الدرس .. لا شئ غيره ... قصيدة " قم للمعلم "



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد