التوريث .. نمط الاردن والعرب ، و ( العالم) بعد ذلك ظهيرا .. !

mainThumb

13-12-2009 12:00 AM

محمد حسن العمري

-1-

فتحت حكومة سمير الرفاعي الحفيد شهية الكتّاب للحديث عن مفهوم التوريث ، في السلطة التنفيذية الاردنية التي يفترض انها ليست كذلك ، وكان قبلها بايام فتح الكاتب الاسلامي زياد ابو غنيمة الملف ذاته بمقال يدعو فيه الى حكومة ( مقطوعة من شجرة!!) ، استعرض فيه شجرة النسب كاملة للوزراء ورؤوساء الوزارات، والفكرة كلها ناضجة في عقول الاردنيين ، ( المال يجرّ المال و..)..و الوزارت تجر الوزارت كذلك..!

-2-

في مقابلة مع سمو الامير الحسن بن طلال على قناة العربية قبل مدة ليست طويلة ، طرحت ذات الفكرة فرد بطريقة الدعابة المعروفة عن الامير المثقف البارع ، بقوله :" حتى التوريث صار نمطا امريكيا ،، يذهب بوش الاب ويخلفه بوش الابن..!" ولا يمكن ان يكون بوش الابن قد جاء بمصادفة بين 300 مليون امريكي..!

ورغم اختلاف السياق لكن المثال دقيق الى ابعد الحدود ، و في الراهن اليوم كانت هيلاري كلنتون تتجه لخلافة زوجها بيل كلنتون الرئيس الاسبق ، و بفشلها امام الرئيس اوباما صارت الى وزارة الخارجية ، وبعد الرئيس كنيدي جاءت سلسلة من السناتورات تخلفه من العائلة ذاتها ، وفي دولة ديمقراطية نسبيا كالهند رحل رئيس الوزراء جواهر لال نهرو تخلفه ابنته انديرا غاندي ومن ثم يأتي الحفيد راجيف غاندي يخلف والدته ، وكما جاء الرئيس الباكستاني على بوتو بانتخابات سياسية وليس انقلابا عسكريا فقد خلفته ابنته بنازير كذلك بانتخابات على نفس التجربة الهندية ، ويخلفها زوجها اسف زرداي لكن ليس الى رئاسة الوزراء بل الى رئاسة الدولة ، والتجارب العالمية كثيرة وكثيرة جدا ، وفي دول ديمقراطية ، اما على الطريقة الكوبية عندما خلف العجوز راؤول اخاه العجوز فيديل فهي حالة جبرية تتكرر باكثر الدول التي هي من هذه المدرسة السياسية ..!

-3-

في التجربة العربية التي تعتبر الأكثر تعمقا في التوريث هذا ، التي بدأت قبل الاسلام بالممالك المتهالكة في اليمن والجزيرة وبادية الشام ، وأعادها معاوية بن ابي سفيان في شرخ نوعي بالخلافة الاسلامية المبنية على الشورى ، و كانت تجربته بالفعل كما يراها المفكرون الاسلاميون هي تحول في مسار الحكم الاسلامي الذي جاء باربعة خلفاء قبله من قبائل قرشية مختلفة تاريخيا ، وكانت سلسلة التوريث باقية حتى نهاية الحكم العثماني ، ولما استقلت الدول العربية عن العثمانيين او الاستعمار الغربي ، نهجت دول عربية منهج المملكات وبعضها اخذ الطابع الجمهوري ، ومع تقدم الزمن ذات النظام الجمهوري كله لتصير اغلب الدول العربية الى التوريث ، وفي هذا الموضوع كتب الصحفي المعروف فهمي هويدي مقالا حادا من قريب بعنوان " ويسألونك عن التوريث!!" تحدث فيه بجرأة معهودة لدية عن التوريث القادم في الجمهوريات العربية التي بدأته سوريا ويجر اليوم سبع تجارب اخرى قادمة مثل ليبيا ومصر واليمن وتونس وغيرها ، ومما اعرفه عن التجربة اللبنانية التي لم يتحدث عنها هويدي انها كذلك ، فقد خلف امين الجميل اخاه بشير في راس الدولة ، ويتوارث الرؤساء الاخرون من المجالس النيابية والوزارة المناصب عن ابائهم بالتناوب ، فالحريري الابن يخلف اليوم الحريري الاب ، ووليد جنبلاط يخلف اباه في زعامة الدروز ، وخلف عمر كرامي اباه عبدالحميد كرامي برئاسة الوزارة ، كما خلف اخاه رشيد كرامي بذات المنصب ، وتولى اربع رؤوساء وزارة من عائلة الصلح منصب رئيس الوزراء ، وشاهدنا في الانتخابات الاخيرة شباب وصبايا بالعشرينات من اعمارهم يخلفون اباءهم في عضوية مجلس النواب اللبناني ، وفي العراق خلف الرئيس اللاحق عبدالرحمن عارف اخاه عبدالسلام عارف في رئاسة الجمهورية ..!

-4-

وفي الحركات السياسية العربية المعاصرة فالتوريث حاضر بقوة ، فقد كان المرشد العام للاخوان المسلمين السادس المستشار مامون الهضيبي هو نجل المرشد الثاني الشيخ حسن الهضيبي ، وفي حزب العمل الاشتراكي المصري كانت تحضر عائلة حسين التي تراوح بين القيادة السياسية والايدلوجية للحزب ، كما ان الزعامات الكردية السياسية هي وراثية بالكامل ، وينتمي مسعود البرزاني لاحدى هذه العوائل الوراثية العتيدة ..!

وعلى صعيد اخر تحتكر القطاعات غير السياسية بالتوريث فتجار الاقمشة يخلفون اباءهم ويفعل نفس الشيئ الجزارين والبقالين وتجار الحديد والاسمنت والصلب و..وتصل اكثر من ذلك الممثلون هم ابناء ممثلين والمغنون ابناء مغنين والموسيقيون ابناء موسيقيين ،كما نعرف عائلة الرحباني وعائلة بندلي ، واحيانا الكتاب ابناء كتاب والصحفيون ابناء صحفيين، ربما وحدهن ملكات الجمال لا يخلفن امهاتهن ، فثمة معايير وليست كفاءات..!

-5-

اذا ليست وزارة الاردن الجديدة هي وزارة بالوراثة ، فالعالم العربي غارق في التوريث ويمتلك الجميع كما يقول دريد لحام في احدى مسرحياته ، ليس شجرة عائلة فحسب بل سنديانة عائلة ، والعالم ليس افضل حالا من التجربة الاردنية والعربية فهو فوق ذلك ظهيرا..!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد